خلف علي الخلفصفحات الناس

تقرير علني إلى السلطات الأمنية السورية بنفسي

null


خلف علي الخلف

السادة رؤساء الفروع الأمنية السورية التي لا تعد ولا تحصى، ومعاونيهم وعناصرهم وكراسيهم أيضا: أدامكم الله ذخراً للسوريين حينما “تحكهم جلودهم” ويشتاق أحدهم للفلق، أو الكرباج والدولاب…
أو يتعبه ضوء النهار وجفافه فتحمله أياديكم الحنون إلى الظلمة الدامسة في الأقبية الرطبة، أو عندما يريد العزلة ليفكر بهدوء ورويّة في أحوال العالم فتوفرون له زنزانة منفردة ومعزولة عن العالم. ومن حرصكم الشديد على أن لا يشوش تفكيره أي ضجيج وهو يمارس التأمل؛ جعلتم هذه الزنازين تحت سابع أرض

أنا السوري خلف علي الخلف وأستميحكم عذراً على عدم كتابة “المواطن” قبل السوري كما يكتب عادة في الطلبات الرسمية لأي غرض؛ فكما “قد لا” تعلمون، فإن المواطنة عبارة عن مجموعة من الحقوق والواجبات، وأنا أيها السادة، سوري “بحكم الجنسية” فقط، إذ لم يسمح لي أن أمارس حق المواطنة يوماً، مثلي مثل حال أغلب الشعب السوري (العظيم )، كما تصفونه في تصريحاتكم العظيمة.

أتقدم إليكم وبإحساس عال بالمسؤولية الوطنية، رغبة مني في دعم اقتصادنا الوطني وتوفير كمية البنزين المهدورة، التي تستخدمها سياراتكم وهي تتجه إلى قريتي النائية للسؤال عني؛ أين أعيش وكيف أفكر، هذا الوقود الذي أنتم بأمس الحاجة إليه في مثل هذا الظرف العصيب الذي تواجهون فيه الامبريالية والصهيونية والرجعية وبورتريكو وشعوب الاسكيمو… إذ أنكم تقودون باقتدار مواجهة العالم.

ولأنه لا يخفى عليكم الأزمة الخانقة في الوقود التي يعيشها الشعب السوري والتي تحيلونها إلى المؤامرات والدسائس التي تمارسها قوى الاستكبار العالمي ضدكم، مما جعلكم تقفزون بأسعاره إلى مستويات عالية وخفاقة. ومن باب الحس الوطني الذي كنا نرضعه صباحاً بعد تحية العلم وقبل ترديد الشعارات التي كانت تهتز لها مدرستنا والأحياء المجاورة لها. أريد أن أتقدم لكم بمعلومات كافية عني، و يمكنكم أن تضيفوها إلى ملفاتكم بطريقة القص واللصق.

أؤكد لكم أن أمي المسكينة والتي لا أعرف بالضبط كم عمرها إلا انها تجاوزت السبعين بكثير لم تعرف يوماً بماذا أفكر، ولا حتى كيف أعيش، بل إنها لازالت تحلم أن أكون طبيبا لأداوي وجع مفاصلها رغم اقترابي من حافة الأربعين. وأؤكد لكم أنها ساخطة علي ربما أكثر منكم لأني لم أعش في مسقط رأسي الذي هو قرية في ريف محافظة الرقة، واخترت بدل ذلك مدينة ثانية للعيش هي حلب، والتي ما زلت أجدها أحب المدن في العالم إلي.

كما أؤكد لكم أيضاً أن رحلتي في التمرد والانشقاق بدأت مبكراً، وأول من تمردت عليهم هم أخوتي الذين في غالبهم أكبر مني، وكانوا يمارسون عليّ سلطة الوصاية، كما تفعلون أنتم لعموم الشعب السوري الذي لا يمكنه العيش بدون وصاية من أحد.

وأزيدكم “من الشعر بيت” أن إخوتي هؤلاء لا يعرفون أيضاً كيف أفكر، ولا يقرؤون ما أكتب، وليس فيهم من يناهض سلطاتكم الحكيمة.

وبشماتة أضيف لكم؛ أنهم ماعادوا يجرؤون حتى على توبيخي! لأني رفعت شعار “كل واحد مسؤول عن نفسه” وليس لديهم من المعلومات عني أكثر مما دونته لديكم. وهو موجود في ملفي لدى فرع فلسطين والذي كان غلافه مهترءاً وقد تم تجديد معلوماته وغلافه في زيارتي الأخيرة لهم، ودونت فيه سيرة حياتي من يوم ولدت، الى يوم ترحلون..

وهذا الملف لا تنقصه سوى معلومة واحدة سأضيفها لكم الآن، إذ أني وأنا أملأ البيانات التي شملت كل حياتي وحياة أقاربي وكل من التقيته صدفة أو عنوة بما فيها الألعاب التي كنت أفضلها في طفولتي، لم أتذكر اسم خالتي الوحيدة واسمها “حايرة” والياء هي همزة مخففة وأؤكد لكم أنها ولدت قبل ثورة آذار المجيدة ، وإلا لما جرأ والدها على أن يسميها بهذا الاسم لأن حيرة الشعب السوري العظيم انتهت بعد استلام السلطة من الحزب القائد للدولة والمجتمع والمواشي والحجارة والجرجير

وبالطبع، ومن المؤكد أن لدى فرع الأمن العسكري ملفاً وافياً عني، لأن فرع فلسطين استدعاني إليه من خلالهم وبالتأكيد يمكن لأي محلل من محلليكم الاستراتيجيين الذي يظهرون على شاشات العالم أن يستنتج أنهم يعرفون لماذا تم استدعائي

وأؤكد لكم أيضاً أن هناك ملفاً شاملاً عن مسيرتي الضئيلة في الحياة لدى فرع الأمن السياسي وأغلب المعلومات فيه كانت مني، وليس من مصادر سرية كما تفعلون في العادة وهي صحيحة حتى الآن.

أما بقية الفروع التي لم تستكمل ملفاتها فيهمني أن أوضح لهم:

أني ولدت في ظل الحزب القائد وثورته المجيدة، وترعرعت في ظل الحركة التصحيحية المباركة، وشببت في ظل قيادة التطوير والتحديث… ألا ترون أن شخصاً عاش هذه النشأة الكريمة لا يمكنه إلا أن يكون صالحاً ومهزوزا ومدجناً وجباناً ولا يمكنه أن يشكل خطراً على نملة زاحفة؟!

وكما لا يخفى عليكم فقد تلقنت منذ نعومة أظفاري في مدارسنا، مصانع الأجيال، كره الاستعمار والصهيونية والرجعية، حتى أني وبعد خروجي من المدرسة كنت دائما أتلقف أكبر حجر في الشارع وأحمله كي أشج به رأس الاستعمار فيما لو صادفته في طريقي.

ولا أخفيكم أني همت حباً بالقومية العربية وكنت أحلم أن أتزوجها، من شدة ما أشادت بمحاسنها مناهجنا الدراسية، وكان عندي يقين أني يوما ما سأصادفها، أو على الأقل، سأعرف عنوانها، واكتب لها رسالة عشق وستقع في غرامي.

أما زوجة أبيها الاشتراكية، فكنت أراها نموذجاً مثالياً لزوجة الأب.. ولا أخفيكم أني كنت حاقداً على والدي لأنه لم يتزوجها لأتربى في حضنها الدافئ

إلا أن الرياح تجري بما لا تشتهي السفن كما يقول الشاعر البعثي العظيم المتنبي، فبسبب ضيق العيش في الدول الثورية والبطالة المزمنة، وعدم تكافؤ الفرص، والفقر، والذي سببه الأساسي أن القيادة الحكيمة وأقاربها وأصدقائها ومواليها “كوشت” على كل شيء في البلاد، ولأنهم (الجماعة المذكورين آنفاً) لم يكن لديهم عصا سحرية يلقونها على الأرض ويقولوا: اشبع أيها الشعب فيشبع. بعد أن حولوا جلّ الناتج المحلي الإجمالي والصافي والمعونات الخارجية كذلك، إلى بنوك الغرب (الاستعماري) في حسابات شديدة السرية، وذلك بدافع المصلحة الوطنية علّه (أي الاستعمار) يكف أذاه ومضايقته عن الشعب، فهو كما تقول أدبيات حزبنا العظيم “الملطوشة” كل صفحةٍ من مكان؛ دافعه المصلحة وطالما أصبحت “المصلحة” كلها في بنوكه، فسيتركننا وشأننا مع قيادتنا الحكيمة تتصرف بنا كما تشاء.

أمام هذا الواقع الذي تعرفونه اضطررت أن أجد حلاً فردياً لمسألة “زقزقة المصارين” والتي لم تكن تأكل الشعارات للأسف الشديد، وإلا لجعلنا العالم يصاب بالتخمة ونحن نصدر له الشعارات القوية بالفيتامينات والبروتين.

وأؤكد لكم أني وقفت بدايةً على أبواب كل السفارات الاستعمارية بما فيها سفارة بولندا التي كانت قد تحولت للتو عن الشيوعية، لكي أذهب إلى ديار الاستعمار (كما هو حلم كل الشباب الثائر المناضل) وأقارعه في أرضه، وكنت أحمل الحجر معي لأشج رأسه بمجرد نزولي أرض أي مطار استعماري، ولأنهم أذكياء و(ملاعين) ولديهم جواسيس، فقد عرفوا نواياي فلم تعطني أي دولة استعمارية سابقة أو لاحقة تأشيرة دخول. وهكذا (ويائساً) قدمت إلى معقل الرجعية العربية كما لقنتمونا في أدبياتكم الثورية، ألا وهي السعودية ومنذ ذلك الحين “أواخر 1993” وأنا في هذا البلد

الرجعي” الذي وفر لي ملاذاً آمناً لكسب قوتي وإعالة أسرتي من عرق جبيني رغم أنهم هنا كما هو معروف يتحسسون بشدة من مفردة “العرق” لأنه ممنوع منعاً باتاً.

ومنذ ذلك الحين تغيرت أمور كثيرة. منها على سبيل المثال أني كرهت الأخت الفاضلة القومية العربية بشدة، ووجدت أنكم كنتم تكذبون وتدلسون في مناهجكم فيما يخص الرجعية؛ فقد تبين لي، أنها رغم احتياجها للعديد من عمليات التجميل، إلا أنها أجمل من معشوقتي السابقة القومية العربية، ولدى قراءتي لمذكرات الرجعية وجدت أنها كانت “تديكم” في الليل، وأنتم تشتمونها منذ الصباح الباكر، وكنتم “تلهفون” ما تدسه في جيبكم سراً من دولارات. واكتشفت أيضاً (وياعيب الشوم عليكم) أن التمر ولحوم الأضاحي التي كنتم تبيعونها لنا في مؤسساتكم الاشتراكية، كانت تبرعا مجانيا من الأخت “الرجعية“…

ولا أخفيكم أني أصبحت في الفترة الأخيرة معجباً بالاستعمار القديم والجديد وكل قوى الاستكبار العالمي التي لولا خوفكم منها لسحلتمونا في الشوارع، وكذلك اكتشفت – وكان ذلك مؤذياً لي- أنكم تتخذوننا رهائن لتفاوضوا علينا الاستعمار والإمبريالية! وتقولون له: إياكم من مضايقتنا على كراسينا لأنكم لو فعلتم ذلك سـ “… أخت الشعب تبعنا” واعذروني على صفاقتي وقلة أدبي لكن هذه هي الوقائع. الاستعمار والامبريالية يهادنونكم بناءاً على عدد الرهائن لديكم، الذين هم شعب كامل وشعوب الجوار أيضاً.

ويهمني أن أوضح لعطوفاتكم أني لم أصنف نفسي يوماً كمعارض سياسي ، ليس خوفاً منكم، ولا بسبب تشرذم معارضتنا، بل لأني لا أحب العمل السياسي، و أراه مقتلة المثقف. ولا يخفى عليكم أني بالأساس شاعر، ويصفني الصديق حسين عجيب بأني شاعر ردئ “وهذه وشاية علنية بأنه يعرفني” وجلّ اهتمامي كان بالأدب رغم دراستي للإقتصاد، وكتابتي لمقالات الرأي كانت تحت وطأة القرف من كذبكم وصفاقتكم وزيفكم وشعاراتكم المفضوحة وطغيانكم.

وأؤكد لكم أني لست شخصاً بلا مطامح سياسية فقط، بل لم يعد لي أي طموح في هذه الحياة سوى العيش دون ذلٍ فقط وفقط. وكي لا تحتاروا في إيجاد تهم لي أقول لكم: أني عامداً متعمداً أحاول إضعاف الشعور القومي، الذي جعلتموه تفوح منه رائحة كريهة كلما مر ذكره على ألسنتكم.

وللأسف لا يوجد لدينا دولة كي أزعزع هيبتها، وربما لم تلاحظوا أني دائما أضع مفردة الدولة بين قوسين -هكذا “الدولة”- عندما ترد في سياق كتابتي عن الشأن السوري، إلا في حال نسيان ذلك، وهذا يعني أني أتحفظ على هذا التوصيف فاعتقادي أن لدينا بلاداً وسلطة فقط؛ ولم يبق لنا من مشروع الدولة التي خلفها لنا الاستعمار الفرنسي شئ. وهذه السلطة، التي أنتم أعمدتها الأساسية (وأعني فروع الأمن الكثيرة هنا) لم تعد تشكل حتى نظاماً كما كنت اكتب في السابق، بل هي عصبة حاكمة تعود للقرون الوسطى، ولن أشغل نفسي بإيجاد توصيف دقيق لها.

أقر لكم وأنا بكامل أهليتي القانونية أني أتمنى رحيلكم منذ الصباح الباكر بأي طريقة كانت لأنكم جمعتم إلى الطغيان، النهب والفساد المنظم وتجويع الناس. ولا يمكن لأي “نظام” في الكون أن يستمر في الحكم في ظل هكذا توليفة.

وأفيدكم علماً أني منذ زمن لم أعد أكتب نقداً لـ “نظامكم” وركزت مداركي ومعارفي البسيطة في نقد “المعارضة” السورية؛ لأني وصلت إلى قناعة تامة بأن مستقبل البلاد هو في تغيير هذا “النظام”، وعليه فإن الأجدى أن نبدأ من هذه النقطة، أي الكتابة والبحث في آليات التغيير وطرقه، ونقد أساليب “المعارضة” وأدبياتها. لأن الإيمان بحتمية تغيير “نظامكم” يعفينا من نقده.

أما وحالكم كهذه فلا يمكن لي بالطبع أن أطلب منكم أن تكفوا عن ترويع أمي المسكينة في كل حين لأني أعرف صفاقتكم، ولا يمكن لعاقل أن ينسى طرقكم في الترويع والإرهاب التي مارستموها طوال أكثر من أربعين عاماً. إنها أحد الأساليب الممنهجة لـ تطويع الناس المساكين حسب نظرية القرود الخمسة والتي شرحتها في مقال سابق.

أيها السادة وحتى تحين ساعة رحيلكم التي لازلت أراها بعيدة بعكس “تبشيرات” الأستاذ خدام، ولأني أعرف أن التنسيق بين فروعكم الأمنية مفقود، ذلك لأن كل فرع منكم يريد الحصول على شرف اعتقال عدد أكبر من السوريين ليحصل على “مرحى” وامتيازات، اقترح عليكم أن تؤسسوا مركزا “وطنياً” للمعلومات الأمنية، تؤسس له قاعدة بيانات من كل الفروع الأمنية وتربط به، وتستطيع هذه الفروع جميعا الدخول إلى هذه “القاعدة” وهكذا يصبح التنافس على اعتقال أي سوري تنافساً شريفاً ونزيهاً بين مختلف الفروع ويحقق تكافؤ فرص اعتقال السوريين بينها. ويمكن لهكذا اقتراح أن يوفر عليكم الكثير من الأموال التي تستطيعون حينها تحويلها لأحد بنوك الغرب (الاستعماري أيضاً وأيضاً) وأحذركم من بلدين هما أمريكا التي قد تصادرها ، وهولندا حيث مقر المحكمة الدولية القادمة. ذلك عدا عن أن طريقتكم في التنافس أصبحت مخجلة ومثار تندّر من الذين تستدعونهم. ونوضح للأخوة القراء من غير السوريين الذين لا يعرفون هذه الطريقة. أنه جرت العادة عندما يستدعي أحد فروع الأمن أي شخص سوري، يُستدعى بعدها إلى الفروع الأخرى لسؤال الشخص نفسه: لماذا استدعاك الفرع الفلاني؟ وكل استدعاء يجر وراءه استدعاء من فرعٍ آخر

واستباقاً لتعليقات القراء الذين لن يأبهوا لما ذكرت لأنهم يعانون ضعفاً في حسهم الإنساني والحقوقي وسيسألون كما هي عادتهم دائماً: لماذا فقط النظام السوري؟ أقول لم يبق في المنطقة العربية بعد رحيل صدام نظاماً أكثر طغياناً وصفاقة وبطشاً وفساداً من “النظام” السوري.

ملاحظة: لأي معلومات إضافية عني من أي فرع أمني يرجى مراسلتي على ايميلي. وأعدكم صادقاً أن أجيبكم بشفافية عالية

خلف علي الخلف

khalaf88@hotmail.com

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى