صفحات ثقافية

حماقات

null


رامي الأمين

نشرت جريدة “الشرق الأوسط” دراسة حول ازدياد نسبة التشيّع في سوريا، وانتشار الحوزات الشيعية الإيرانية فيها بشكل لافت. الدراسة أشارت إلى بدء موجة التشيّع هذه منذ انتصار الثورة الإسلامية في إيران على الشاه،
وتطوّرت كثيراً مع بدء التحالف الإيراني – السوري في المنطقة في عهد الرئيسين بشار الأسد وأحمدي نجاد. لكن هذا الأمر ليس مستغرباً أو مستهجناً في ظلّ الإستقطاب الطائفي المركّز الذي تشهده المنطقة بين قطبين أساسيين، السنّة من جهة، أو ما يسمّى محور الإعتدال العربي(!)، والشيعة، أو للدقة ما يصبّ في خانة الخيار الإيراني، من جهة أخرى. هذا الخيار الإيراني إنما يُختزل في ما أطلق عليه الملك الأردني “العبقري” عبدالله الثاني “الهلال الشيعي”، الممتد من طهران مروراً بسوريا وفلسطين وصولاً إلى لبنان. طبعاً من دون إغفال البحرين ذات الغالبية الشيعية التي ترفع اليوم جهاراً صور الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله، وأعلام الجمهورية الإسلامية في إيران. والحال، أن المنطقة العربية لم تعد كما في السابق تُختصر بالسنيّة السياسية. ولم تعد العروبة، تالياً، مرتبطة بالإسلام السنّي، وخصوصاً بعدما أخذ نصرالله على عاتقه، في حرب تموز من العام 2006، ومن دون العودة إلى أحد، أن يخوض حرب الأمة مجتمعة.

عندما قرأتُ الدراسة، على احد المواقع الالكترونية، تذكرتُ كم أن عدد الشيوخ ورجال الدين قد تزايد في قريتي. عندما كنا في تأبين جدتي كان ثمة العشرات من رجال الدين، بعضهم لم يتجاوز الخامسة والعشرين! حتى أن أحد هؤلاء “الصغار” تقدّم مني ومن قريبي وراح يعظنا ويقول إننا يجب أن نهتدي إلى الصراط المستقيم. ربما كان يقصد أن علينا أن نسير على خطاه وأن نذهب إلى قمّ أو ندخل إلى الحوزات المحلية لنخرج بعد سنوات قليلة بشهادة وعمامة تسمح لنا باستباحة حريات الناس. صار الدين، ورجاله، مهنة ووظيفة ليس إلا. منهم من يقرأ مجالس العزاء ويقبض الفلوس من أهل الأموات، ومنهم من يزوّج ويطلّق، ومنهم من يعتلي المنابر ويعظ، ويختم عظاته بلازمة “اللهم احم الجمهورية الإسلامية في إيران”! فكأن جمهورية احمدي نجاد صارت جزءاً من الدين الإلهي المنزل.

لا يهمّني إن كان هذا كله جزءاً من الهلال أو البدر الشيعي أو أياّ يكن. كل شيء يتغير على أيدي هؤلاء الذين يحملون الدين كسلّم في العرض، فيطيحون كل حضارة وثقافة واجتماع. ضحكتُ كثيراً في دفن جدتي عندما أتى أحدهم بقماشة بيضاء مكتوب عليها آيات قرآنية، وقال إنها “شهادة أربعين مؤمنا”، حيث يكتب اربعون مؤمناً اسماءهم عليها كمن يوقّع بياناً يتضامن فيه مع الميت، لكي يشفع له الله فوق في السماء. نظر الرجل إليَّ نظرة ريب وشكّ. تأملني جيداً. وتجاوزني. لم يكتب اسمي على القماشة. لم أبد له مؤمناً، بل ربما أحسّ أن توقيعي قد يذهب بجدتي إلى جهنّم. ابتسمتُ بعدما تجاوزني الرجل. كتمتُ ضحكة كانت لتخرج مدوّية، وتذكرتُ إيهود أولمرت. نعم، تذكرت أنه قال عندما بدأ الجيش الإسرائيلي هجومه على لبنان في حرب تموز إنه سيعيدنا عشرين عاماً إلى الوراء. لقد فشل أولمرت في ذلك. لم ينتبه الأحمق أننا لا نزال نعيش في زمن يعود إلى ألف وأربعمئة عام إلى الوراء!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى