قضية فلسطين

عندما يتحدث رئيس السلطة وقائد “فتح” عن” المعجزات”!

ماجد كيالي
لم يكن “أبو مازن” في حاجة إلى استخدام مصطلح “المعجزة” في الكلمة السياسية التي ألقاها أمام مؤتمر فتح السادس في رام الله، حيث اعتبر أن مجرد انعقاد المؤتمر هو معجزة، وأن عقده في بيت لحم معجزة… فالخطاب عن المعجزات بات نافلاً، ولا يفيد في العمل السياسي، ولا يليق بأبو مازن، الذي يعتقد بأنه يؤسس لواقعية جديدة في العمل السياسي الفلسطيني (بغض النظر عن توافقنا أو اختلافنا معه في شأنها). وكان الأولى بأبي مازن سرد الحقائق كما هي دون مواربة إذ تمكن من عقد المؤتمر، بعد عشرين عاما، بسبب توافر عوامل عدّة، ما كان له أن يلجأ دونها إلى عقده.
ففي هذه المرحلة، وبعد تجاذبات في اللجنة المركزية (وهي اللجنة القيادية لفتح) تمكن أبو مازن من شد معظم الحبال إلى طرفه، بحيث بات بمثابة نقطة إجماع بين مختلف مراكز القوى في فتح (التي لا تتمتع بهيكلية تنظيمية هرمية). وبديهي فإن أبو مازن تمكن من ذلك بسبب جمعه رئاسة السلطة والمنظمة وفتح في شخصه، ما جعله الشخص الأقوى في الساحة الفلسطينية. وهو من هذه المواقع بات المتحكم بموارد هذه الساحة، في وضع باتت حركة فتح بمنتسبيها (أو بمتفرغيها) تعتمد على الموارد المتأتية من السلطة (بعد أن ضيّعت مواردها الخاصة). فضلاً عن ذلك فإن أبو مازن من مواقعه المذكورة بات يتحكم بتسمية كوادر فتح إلى هذا الموقع أو ذاك في السلطة. وثمة عامل آخر لا بد من ذكره وهو يتعلق بخبو الطاقة الكفاحية بين كادرات فتح، بعد أن تبوأت، طوال عقدين من الزمن، مواقع متقدمة في المنظمة والسلطة والمنظمات الشعبية، بكل ماشاب ذلك من علاقات فساد وسلطة وترهل.
هكذا فإن روح القبيلة في فتح تواطأت على ضرورة عقد المؤتمر، وهو ما تم بالطريقة التي تم بها، حيث افتقد المؤتمر أية معايير تنظيمية في عضوية المشاركين فيه (أضافت اللجنة المركزية 700 عضو دفعة واحدة قبيل المؤتمر أي بمقدار ثلثه!)، كذلك افتقد هذا المؤتمر لأي نقاش سياسي جدي في شأن مراجعة تجربة فتح، وطريقة قيادتها، وأسباب إخفاق خياراتها السياسية، وتراجع دورها، كما في شأن تحديد الخيار السياسي أو البديل الواجب السير فيه، بعد إخفاق خياري المقاومة والتسوية، وبعد انسداد فرص إقامة دولة فلسطينية في الضفة والقطاع.
أما من حيث العوامل الموضوعية فثمة ظروف ساعدت أبو مازن على عقد المؤتمر السادس للحركة ضمنها توافق النظام العربي على انتشال هذه الحركة من حال الجمود والانهيار والانحسار التي تعيشها، وقطع الطريق على حماس وعدم تمكينها من التصرف كمقررة وحيدة في الشأن الفلسطيني. هكذا تم تمكين أعضاء مؤتمر فتح، من لبنان وسورية والأردن ومصر وغيرها من المشاركة في المؤتمر.
كذلك فعلت حماس الكثير من اجل استعدائها من قبل النظام العربي، بحكم تغليبها وضعها كحركة إسلامية على دورها كحركة وطنية، واحتكامها للعنف والقوة والاحتكار في إدارتها لوضعها في غزة. وهكذا فإن منع حركة حماس لأعضاء مؤتمر فتح من غزة بالمشاركة في المؤتمر صبّ في غير مصلحتها، وفاقم من ذلك اتخاذها إجراءات قمعية ضدهم، في سابقة فريدة من نوعها في العلاقات الفلسطينية، وفي تاريخ الحركات الوطنية. ولا شك في أن هذه الأمور غذّت عصبية فتح، وأسهمت في لملمة أطرافها في مواجهة تغوّل حركة حماس واستبدادها ولاعقلانيتها.
بقي أن نتحدث هنا عن دور العامل الإسرائيلي في التسهيل على فتح عقد مؤتمرها في بيت لحم (تحت حراب الاحتلال)، حيث تسيطر إسرائيل على المداخل والمخارج وعلى حياة الفلسطينيين وسلطتهم. وبديهي فهنا ليس ثمة معجزة البتة ولم يكن أبو مازن في حاجة إلى هذا الاصطلاح. ومن دون أن يفهم من هذا الكلام بأنه ضد عقد المؤتمر في بيت لحم، فهذا سياق طبيعي بعد انتقال ثقل فتح والحركة الوطنية إلى الداخل، فإن إسرائيل سهلت الأمر على فتح مراهنة منها على التغييرات التي تنتظر حدوثها في فتح، بحيث أن المؤتمر يمكن أن يضفي شرعية، وأن يمنح قوة، لمواقف أبو مازن في الساحة الفلسطينية، بعد انتخابه قائداً لفتح وهذا ما حصل.
في ذات السياق أيضاً فإن أبو مازن لم يوفّق تماماً في حديثه عن أن حركة فتح لا تقبل القسمة، ذلك أن فتح لا تتمتع بهيكلية تنظيم حزبي هرمي، وهذه نقطة ضعفها وقوتها (من ناحية سلطوية). فهذه الحركة صيغت في شكل يتحكم قائدها، أو بعض قيادييها بها، بحيث أن خروج عضو من أعضائها (وهو ماحصل قبلاً وحصل مؤخراً إلى حد ما مع أبو اللطف ومحمد جهاد) لا يعني انقسام هذه الحركة. وفي الواقع وإن كانت هذه الحركة لا تنقسم (بمعنى الكلمة) إلا أنها من الناحية العملية تضمحل وتتفسخ وتنحسر مكانتها، وهذا ما كان ينبغي على أبو مازن ومؤتمر فتح الانتباه إليه، ومناقشته ووضع حد له، بدل التغني بروح عصبوية: “أنا ابن فتح ما هتفت لغيرها”… “وغلابة يافتح”… ! فأين كانت فتح وأين صارت؟ ومن المسؤول؟
وفي هذا السياق يجب التنويه بواقع عدم اعتبار فتح حركة أيديولوجية. ذلك أن هذا التوصيف يساق هنا لتبرير غياب الهوية السياسية عن فتح، ونحن هنا نتحدث عن هوية سياسية وليست أيديولوجية. وبهذه الطريقة فإن قيادة فتح تحاول التهرب من الإجابة عن الأسئلة السياسية المطروحة على الساحة الفلسطينية، وتترك لنفسها حرية الحركة، وأخذ فتح إلى المسار الذي تريد. وكانت قيادة فتح انتقلت من توسل الكفاح المسلح لتحقيق هدف التحرير إلى برنامج السلطة الفلسطينية (1974) من دون نقاش داخلي، ومن دون مؤتمر ومن دون مساءلة من قواعد فتح. وحصل الأمر ذاته بعقد اتفاق أوسلو، ثم عادت الحركة وانتقلت (في بعض قطاعاتها) إلى المقاومة المسلحة والعمليات الاستشهادية (2001 – 2003)، ثم عاودت طريق المفاوضة (بعد رحيل عرفات أواخر 2004) باعتبارها طريقاً وحيداً. وها هو أبو مازن يتحدث اليوم عن المقاومة وفق الشرعية والقانون الدوليين وهكذا. وبغض النظر عن التوافق أو التعارض مع هذا الكلام، ومع كل التغيرات الحاصلة، فإن قيادة فتح تحاول التورية على طريقها، وحجب الحقائق، واستخدام شعارات ومقولات متناقضة لتمرير المؤتمر، وفرض الطريق الذي تريد، دون أن توضح ذلك مباشصرة، لقاعدتها، فهي لاترى أن ذلك ضرورياً لها، بمعنى أن علاقة القيادة مع القاعدة هي علاقة توظيفية – استخدامية، وليست علاقة تفاعلية وتداولية.
وما نقصده مما تقدم التوضيح بأن طبيعة هذه الحركة، وغياب النقاش السياسي داخلها، وعدم وجود حياة تنظيمية بين أطرافها، تسهل على قيادة الحركة فرض الطريق الذي تريد. وقد أثبتت التجربة بأن معظم فتح تتحرك بروح القبيلة، حيث يمكن أن تكون مع الكفاح المسلح حيناً ومع المفاوضة حيناً، ومع التحرير حيناً ومع دولة في الضفة والقطاع حيناً آخر، ومع أبو عمار ضد أبو مازن، ومع أبو مازن ضد غيره. بمعنى أنه لو لم يستطع أبو مازن تجميع الأوراق في طرفه، لأجمعت فتح على غيره، سواء كان أبو ماهر أو أبو لطف أو الطيب عبد الرحيم أو حتى دحلانّ!
ومن ذلك يبدو أننا نشهد في هذه المرحلة تأسيساً ثانياً لحركة فتح، أي فتح مغايرة، أكثر مما نشهد تجديداً وتطويراً لهذه الحركة، التي حملت على عاتقها قيادة النضال الفلسطيني، طوال المرحلة الماضية، بما له وما عليه.
الحياة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى