قصائــد لهنــري ميشــو: أنــا صنــج وقطــن وغنــاء مثــلّج
زهرة مروة
ولد هنــري ميــشو في «نامــور» (بلجيكا) العـــام 1899 وتوفـــي في «باريس» العام 1984. شــاعر وكاتب ورســـام، حـــاز الجنـــسية الفرنسية العام 1955. غالبا ما يعتـــبر النـــقاد أن عمــله الإبداعي هو جزء لا يتجزأ من التيــار الســوريالي على الرغم من أنه لم يشارك يومــا هذه الحركة. لكنه بالتأكـــيد اخـــتلف عنها، إذ كانت تجربته تنحــو أكثر إلى الداخل وإلى الجوانية، وبخاصة في الفترة التي كتب فيها تحت تأثير «الميسكالين». هنا ترجمة لبعض من قصائده.
عودة
كنت أتردّد في العودة الى أهلي. وكنت أتساءل: عندما تمطر ماذا يفعلون؟ ثمّ أتذكّر أنّ في غرفتي سقفا. «هذا لا يمنع»!»، ومرتابا لم أكن أريد العودة.
عبثا ينادونني الآن. يصرخون ويصرخون في الظلمة. لكنهم عبثا يستنفدون سكينة الليل من أجل الوصول اليّ. حتما عبثا.
بحيرة
يتودّد الناس كثيرا الى البحيرة، لكنهم لا يصبحون في المقابل ضفادع أو زناجير.
يشيدون داراتهم على ضفافها، يغتسلون دوما، يصبحون من دعاة العري… مهما يكن.
المياه الغادرة وغير القابلة لأن يتنفسها المرء، المياه المخلصة للأسماك والمغذية لها، تستمر في معاملة الأناس كأناس والأسماك كأسماك. وحتّى الآن، ما من رياضي يمكنه أن يتباهى بأنها عاملته بطريقة مختلفة.
صراخ
الداحوس ألم فظيع. لكن ما كان يعذبني أكثر هو عدم قدرتي على الصراخ لأنني كنت في الفندق. كان الليل قد حل لتوّه وغرفتي وسط غرفتين روادهما نيام .
عندئذ بدأت أخرج من رأسي صناديق كبيرة ونحاسيات وآلة قديمة رنينها أقوى من أرغن. وجعلت من كل هذا جوقة موسيقية مصمّة، مستفيدا من القوة الخارقة التي كانت تمدني بها الحمّى.
أخيرا، لثقتي من أن صوتي لن يسمع وسط هذه البلبلة، رحت أصرخ، أصرخ لساعات، حتى تمكنت من التخفيف عن نفسي شيئا فشيئا.
كل يوم أكثر نزفاً
صفرت التعاسة لصغارها وأشارت اليّ.
«هذا هو، قالت لهم، لا تفلتوه».
ولم يفلتوني.
صفرت التعاسة لصغارها.
«هذا هو، قالت لهم، لا تفلتوه».
وما عادوا أفلتوني أبدا.
أنا صنج
في أنشودة غضبي، بيضة
وفي هذه البيضة، أمي وأبي وأولادي،
وفي هذا الكل مزيج فرح وحزن، وحياة.
العواصف القوية التي أغاثتني،
الشمس الجميلة التي أعاقتني،
في قلبي كره عميق وعريق
وبالنسبة للجمال، سنرى لاحقا.
في الواقع، لم أصبح قاسيا الا عبر أنصال صغيرة،
لو يدرون كم بقيت رخوا من الداخل .
أنا صنج وقطن وغناء مثلّج.
أقول ذلك وأنا واثق.
صغير
عندما ترونني،
اذهبوا،
هذا ليس أنا.
في حبيبات الرمل،
في حبيبات الحبيبات،
في طحين الهواء الخفي،
في خواء كبير يتغذى كما يتغذى الدم،
هناك أعيش.
آه ليس لي أن أتباهى :أنا صغير! صغير!
واذا أمسكوني،
يفعلون بي ما يشاؤون.
السفير الثقافي