الدورة الثانية عشرة من مهرجان أصوات المتوسط بفرنسا قصائد تحت الأشجار وعلى ضفة النهر وجمهور على الأرائك العائمة
عبد الرحيم الخصار
أمام كاتدرائية سان فولكران وبحضور جمهور كبير اختتمت ليلة السبت الأخير من تموز (يوليو) الدورة الثانية عشرة من مهرجان أصوات المتوسط التي انطلقت يوم السبت 18 من نفس الشهر والتي شهدت مشاركة أكثر من 130 شاعرا وموسيقيا من دول المتوسط وغيرها، وقد طلبت لجنة المهرجان من ثمانية شعراء إلقاء قصائدهم في الحفل الختامي مصحوبة بقراءات مترجمة، وبمعزوفات على القيثار والكونترباص والعود، بعد أن تم افتتاح الحفل بمحكيات للتشادي أباي أبكار آدم، فيما توالت القراءات واللوحات الموسيقية التي جعلت ساحة الكاتدرائية تتحول إلى ملتقى خرافي للشعر والموسيقى والرقص، واختتم الحفل بتقديم أغان جماعية عبر لوحات مشتركة جمعت كل العازفين والفنانين المدعوين.
وقد أسهم في تنشيط فعاليات عرض المجاميع الشعرية وتوقيع الكتب أكثر من 50 ناشرا وعارضا، كما شارك في إحياء الجلسات والورشات الشعرية لهذه السنة عدد كبير من شعراء الدول الواقعة على البحر الأبيض المتوسط، فمن فرنسا حضر 30 شاعرا 23 يكتبون باللغة الفرنسية و7 يكتبون بلغة الأوك أو الأوكسيتانية- من بينهم زينو بيانو وفيليب دولافو وجون جوبير ولويس ميزون وكلير مالرو ودانييل جيرو وكلود بير.
ومن بين الشعراء المدعوين هذه السنة ليديا دوشي من ألبانيا وسيلفيا كوزيك من البوسنة وكيتوس لوانديس من قبرص وماركو بوغاكار من كرواتيا وبيلار كونزاليس من اسبانيا ولوسيف فونتيرا من اليونان، وفابيو سكوتو من إيطاليا وساجو جيكوف غيس من مقدونيا وجو فريجيري من مالطا وجايم روشا من البرتغال وغوران ديجورديفيتش من صربيا. أما المشاركة العربية فتمثلت في دعوة 29 شاعرا لم يحضر منهم الفلسطيني راسم المدهون الذي منعته السلطات السورية من السفر كما لم يحضر المصري عماد أبو صالح والجزائري حكيم ميلود والتونسي عبدالفتاح حمودة واللبناني صلاح ستيتيه والليبية خلود الفلاح والسعودي حمد الفقيه، بينما حضر الآخرون: العراقيان كريم فوزي وكولالة نوري والعمانيان سماء عيسى وصالح العامري واللبنانيون: إيتيل عدنان وريتا بدورة ويوسف بزي وفيديل سبيتي، والتونسي يوسف خديم الله، والجزائريان حميد تيبوشي وعلي مغازي، والسعودي غسان الخنيزي، والبحرينية فاطمة التيتون، والإماراتي أحمد راشد الثاني، والأردني وليد سويركي والمصري ياسر عبد اللطيف، والفلسطينيان غسان زقطان ونصر جميل شعت، والليبية سعاد سالم، والسوريان حسين الشيخ وهنادي زرقة، والمغربيان محمد حمودان وعبد الرحيم الخصار.
لم يكن مهرجان أصوات المتوسط الذي تدعمه اليونسكو ووزارتا الثقافة والاتصال الفرنسيتان حدثا عابرا سواء لدى المشاركين أو لدى الجمهور الفرنسي الذي حضر من مارسيليا ومونبيليه وباريس ومدن أخرى، إذ تميزت هذه الدورة بإحياء ليلة خاصة بالراحل محمود درويش حيث قرئت قصائده بالعربية والفرنسية واستمع الجمهور إلى بعض نصوصه المغناة، كما اتسم المهرجان هذا العام بكثير من الابتكار بخصوص القراءات وأشكال التلقي، فمنذ العاشرة صباحا تنطلق الجلسات الشعرية التي تحمل اسم ‘إفطار في مقهى’ حيث يتم تقديم ثلاثة شعراء في مقهى لابورس أو أوليزار أو لاهاوس أو غيرها من مقاهي المدينة، وفي الوقت ذاته يكون الجمهور على موعد مع شاعر يقرأ بمفرده حوالي الساعة في إحدى ساحات لوديف، وفي منتصف اليوم تتوزع الأنشطة ما بين لقاءات حوارية مع الفنانين والشعراء وقراءات شعرية لا تتجاوز نصف الساعة، وأداءات شعرية تجريبية تعتمد على الكفاءات الصوتية.
ومن اللقاءات الهامة تلك التي تقترحها ورشة شعرية تقودها ماري لور جونتون بساحة ألزاس لورين حيث تعمد مجموعة من الشعراء الفرنسيين والمحبين للشعر إلى كتابة نصوص مستوحاة من كتابات الشاعر الضيف قبل الدخول معه في حوار رشيق حول تجربته وطقوسه الخاصة في الكتابة والوصفات السرية لإبداعه وحول رأيه في النصوص المنتَجة، وفي الحين ذاته تستقبل ورشة أخرى تديرها نيكول درانو شاعرا آخر يحاول مجموعة من الأطفال أن يرسموا لوحات فنية مستلهمة من نصوصه، بحيث تقدم له هذه اللوحات كهدية في نهاية الجلسة بعد أن يجيب على عدة أسئلة مكتوبة على أوراق يسحبها الأطفال من مظروف مغلق.
وضمن نشاطات ما بعد الظهيرة التي تنطلق في الساعة الثالثة في عدة أشكال، تدير كاترين فرحي ندوة تجمع شاعرين من بلد متوسطي مع شاعرين من بلد آخر، حيث يدور النقاش حول المشهد الثقافي في كلا البلدين، أما حديقة نوتردام فتشهد في اللحظة ذاتها جلسة مع شعراء من بلد واحد بحيث تقوم اللبنانية ماري خوسي أندريه بالوقوف عند نقط التقاء واختلاف هؤلاء الشعراء، وفي نفس الساعة يكون أحد ضيوف المهرجان أمام عدد هائل من الحضور في حديقة لاميجيسري ليلقي نصوصا هادئة مصحوبة بمعزوفات على القيثار للاسباني سالفادور باتيرنا أو البرازيلي كريستيان ناسيمينتو أو الفرنسي فيليب كَاري الذي كان يتقاطع مع القراءات من حين لآخر بهمهماته وأصواته الخفيضة الرائعة.
أما أجمل اللقاءات الشعرية فكانت تتم على ضفة النهر الذي يخترق المدينة أو على الجسر الذي يصل ضفتيه شرط أن يجلس الحاضرون على كراس تتوسط النهر واضعين أقدامهم في الماء أو مستلقين على أرائك عائمة، وفي حديقة لابريفكتير الهادئة يتناوب حوالي عشرة شعراء يوميا على قراءة نصوصهم من الساعة الرابعة حتى السادسة، وهي اللحظة ذاتها التي يستقبل فيها راديو لوديف أو راديو سان أفريك ضيفين من شعراء المهرجان في لقاء ثقافي مفتوح أمام الجمهور في ساحة لافراترنيتي.
أما باقي أنشطة المهرجان فهي موزعة ما بين تقديم كتب جديدة وحفلات توقيع وورشات فنية، وفي الليل يستمع الجمهور إلى قصائد ملقاة تحت ضوء الشموع في ثلاث ساحات كبرى، وإلى محكيات من التراث الإفريقي وإلى معزوفات على الكونترباص لميشيل بيسميت أو على الأكورديون لبيب مارتينيز أو على القيثار لبرونو ماخاريس.
أما السهرات الليلية التي كانت تقدم في ساحة الكاتدرائية أو في ساحة المارشي فقد ألهبها الجزائري رشيد طه بأغاني الراي رغم صوته الأجش ومجموعة بشرى وزيكَين التي غنت التراث المغربي ممزوجا بلوحات استعراضية راقت الحضور، أما المغني السوري عابد عزرية فقد كانت ألحانه رتيبة وصوته خفيضا، لذلك تفرقت الآراء بخصوص أدائه، أما السوبرانو اللبنانية رولا سفر فقد ظلت ترنيماتها وآهاتها تملأ سماء لوديف، سهرات أخرى قدمها جان كويدوني وماري دي لوريو وآخرون، غير أن السهرة التي ستبقى مميزة هذه السنة هي تلك التي أحييتها مغنية الرأس الأخضر سيزاريا إيفورا والتي صفق لها الجمهور طويلا، وفي منتصف الحفل تركت سيزاريا الموسيقيين يعزفون وجلست تدخن سيجارة وتشرب كأسا على منضدة تتوسط الخشبة، وقد ظل الجمهور في نهاية السهرة يصفق ويصفر ويضرب المدرجات حتى عادت إيفوريا لتقديم أغان إضافية لاقت تفاعلا خاصا من طرف الجمهور الفرنسي.
وعبرت لنا مايثي فاليس مديرة المهرجان عن سعادتها بنجاح هذه الدورة وعن تأسفها لتراجع قيمة الميزانية المخصصة للمهرجان، أما صالح دياب أحد أعضاء لجنة التنظيم فقد أخبرنا أن المشاركة العربية لم تعد تقتصر على الأسماء المكرسة فحسب، بل صارت هناك قصدية في اختيار شعراء ستينيين وآخرين ولدوا في الثمانينات، وأسماء تعودت على المهرجانات الدولية وأخرى لم يسبق لها أن تجاوزت حدود الوطن.
أما مديرة مؤسسة موريس كاريم ببلجيكا فقد صرحت لنا بما يلي: ‘منذ سنوات وأنا أحضر مهرجان لوديف، الأوربيون يكتبون قصائد ذهنية، بعدما ضيعوا الكثير من مواهبهم، فيما تظل القصائد العربية إنسانية وحميمية وصادقة ومليئة بالجمال والصور والموسيقى’.
كاتب وشاعر من المغرب
القدس العربي