أبناء المعارضة السورية في الخارج ، مآلات ومقومات
فريد حداد
يعيش في شمال القارة الأمريكية حوالي 300 مليون انسان . أول عامل تشابه فيما بينهم هو انهم جميعاً مهاجرين , ويتمايزوا في هذا التشابه بتوقيت الهجرة , فهذا وصل للتو الى العالم الجديد , وذاك كان والده أو جده هو المهاجر . يوحدهم جميعاً الأمل في بناء مستقبل زاهر لأولادهم , أساسه التعليم , والعمل , والحرية , وترميم وصون الكرامة المهدورة بهذه النسبة أو تلك , حسب بلد ( المنشأ ) . الحاضنة التي تحضن الجميع , مجتمع مدني علماني , مبني على أسس المساواة والعدل , بضمانة دستور ديمقراطي – لايكرس اي حزب قائداً للدولة والمجتمع – ودولة المواطنة والقانون .
في كل البلدان الديمقراطية , ومنها دول أميركا الشمالية , تعمل المجموعات المختلفة على تنظيم نفسها في أحزاب , ونقابات , وجمعيات , وغيرها من منظمات المجتمع المدني , للعمل على تحقيق مصالحها , تلك المصالح التي لاتنتهي أو تبدأ عند المصالح الأقتصادية فقط , بل تتعداها الى كل مجالات النشاط الأنساني الهادف الى الحفاظ على شروط حياة جيدة , عل كوكبنا , وتطوير تلك الشروط الى الأفضل , لنا وللأجيال القادمة .
يُعتبر الصوت الأنتخابي في البلدان الديمقراطية من أهم أدوات الضغط التي تستعملها المجموعات المختلفة على الحكومة لأجبارها على سن القوانين والتشريعات التي تخدم أهدافها , وهذا مايسمى ( باللوبيات ) وكثيراً مانسمع في اجهزة الإعلام العربية عن اللوبي اليهودي فقط في الولايات المتحدة . وكأن الحكومات الجاهلة التي تقف وراء ذلك الإعلام لايعرفون كيف تسير الأمور في النظم الديمقراطية , أو كأنهم يقصدون ذلك التجاهل , بهدف إقناع المواطن العربي بأن عجز الأنظمة عن تطوير حياته وتحرير أرضه المحتلة ناجم عن السيطرة الأسرائيلية على الدول القوية والكبيرة في العالم , التي تستهدف بدورها تلك النظم ( التقدمية الثورية ) , وبالتالي فما على المواطن الا الصبر والتضحية بكل مايملك لصالح أولئك الحكام الصامدين .
تحتل اللوبيات الأثنية حيزاً هاماً ضمن مجموع اللوبيات الموجودة , ومن خلالها تنشط الأقليات المهاجرة لتنظيم صفوفها واعطاء قوة لصوتها الأنتخابي , قوة تدخل في معادلات توازن القوى السياسية الداخلية , حيث يطمح اصحابها لأن يكون لهم تأثير على السياسة الخارجية للدولة بما يخدم مصالح دولهم الأم .
وبالعودة الى موضوعنا نقول بأنه من حق أي مواطن يعيش في الدول الديمقراطية , و يدفع ضريبة دخله السنوي , أن يعمل على تشكيل لوبي , أو ان يشارك في دعم لوبي قائم , و يطالب حكومته باتخاذ موقف من قضية ما , أو اتباع سياسة معينة حيال قضية مطروحة . وهذا لايعني أبداً , أن هذا المواطن يجب ان يكون على توافق مع المسئول الذي يخاطبه , أو يؤمن بمبادئه , كما لايعتبر المواطن ان ذلك المسئول انساناً كاملاً ومنزهاً وقائداً الى الأبد , كما ان من واجبات المسئول أن ينصت الى المواطن ويستمع الى رأيه , ويعمل بموجبه عندما يكون لهذا الرأي تأييد واسع بين الناس والا فان الأنتخابات قادمة . فالمواطن في تلك المعادلة هو السيد , والوزير أو الرئيس هو خادم لشعبه , وليس كما يفهم عملاء النظام السوري الصغار , بأن المواطن يستجدي الوزير. الحاكم هو الذي يستجدي صوت المواطن الأنتخابي . !!!!
في هذه البلدان الديمقراطية , تعيش جالية سورية كبيرة , تركت الوطن مّرغمة بسب الأحتلال الأستبدادي لسورية الوطن , واحتلاله لحياتهم الخاصة حتى , ورحلت بعيداً تبحث عن وطن جديد , يحصل فيه المواطن على لقمة عيش نظيفة , ليست ملوثة بانتهاك الكرامة ,و محصّلة بعرق الجبين , وليست منّة من ( القائد ) الملهم .
أصبح السوريون في الخارج مواطنين كاملي الحقوق , بالوقت الذي كانوا فيه في وطنهم رعايا من دون حقوق , الا ماسمح به الطغاة كمكرُمة , وأصبح من حقهم ان يخاطبوا رؤساء الدول التي يعيشون بها , بالوقت الذي لم يكونوا قادرين على مخاطبة رئيس بلديتهم . وأصبح من حقهم أن يطالبوا حكومات الدول الغربية التي يعيشون بها , بأن لاتُعمى عيونهم عن انتهاك حقوق الإنسان السوري , بتلك الأجزاء من سورية التي يقدمها لهم ولشركاتهم, كرشوة , نظام الأستبداد في سورية , ليستثمروها .
إن أبناء المعارضة السورية في الخارج , الذين هُجّروا من ديارهم , وديارهم ترفض أن تهجر أفئدتهم , يدركون تمام الإدراك أن الديمقراطية في بلادنا لاتتوافق مع مصالح الغرب , ويدركوا أن الحكومات الغربية المتعاقبة , كانت على مدار 60 عاماً خلت , ومازالت حتى الآن , الداعم الرئيسي لأنظمة الأستبداد في العالم الثالث ككل ومنه عالمنا العربي , ولا أدل على ذلك , أكثر من تصريحات المسئولين الأمريكيين , عندما يتحدثوا عن نقاط الخلاف مع النظام السوري ويحددوه ب: العلاقة مع إيران , التدخل في لبنان , التدخل في العراق , المفاوضات مع اسرائيل , والملف النووي . أما قمع المواطن السوري , وخرق المعاهدات الدولية المتعلقة بذات الشأن والمُوقع عليها من قِبل النظام نفسه . فذلك لايعني أحداً في حكومات الغرب . كما يدركون بأن التغيير الديمقراطي في الوطن لن يكون الا بيد ابناءه , كما لن يكون الا تغييراً بالوسائل السلمية .
ولكن مايدركوه أيضاً , بان الغرب ليس كتلة واحدة صماء متجانسة , بل هو ان صح التعبير ” مغارب ” كثيرة. تتفاعل وتتصارع وتتنافس , وهي في حالة حركة دائمة , تعمل كلها على خدمة مصلحة بلادها , كل غرب منهم كما يرتأي تلك المصلحة .
فمنه غرب جورج بوش وما يمثله من غرب عدواني منغلق على عقائد رجعية ومتخلفة , هذا الغرب الذي يسعى كل حكام العالم الثالث الديكتاتوريين وفي مقدمتهم حكام بلادنا لأسترضائه والأستعداد لخدمته , بمقابل كسب الحماية
وهناك غرب القانون وقيم الحضارة والفن والأدب ومراكز البحوث العلمية والصناعية , والجامعات , ومنظمات المجتمع المدني , هذا الغرب الذي يقف الى جانب حقوق الأنسان وحريته وكرامته بغض النظر عن لونه أو جنسه أو خلفيته الوطنية والثقافية , هذا الغرب الذي كان له دوراً حاسماً في إيصال شخص مثل باراك أوباما حامل القيم الإنسانية النبيلة الى البيت الأبيض . هذا الغرب هو الذي يسعى أبناء المعارضة السورية الديمقراطية في الخارج لإيصال صوت شعبنا المنادي للحرية اليه , لكسب موقف هذا الغرب الى جانب قضيتنا . كذلك فهناك غرب المافيات , والأتجار بالسوق السوداء ( بترول – سلاح ) وبالمخدرات والرقيق الأبيض , هذا الغرب هو من يربط حكامنا معه أفضل العلاقات وهو من يستعين به للوساطة بينهم وبين الغرب الأول .
وما يدركه ابناء المعارضة السورية في الخارج أكثر من أي شيء آخر , أنهم أصبحوا مواطنين كاملي الحقوق في بلدانهم , وانهم عازمون على الأستفادة من حقوقهم تلك التي أعطتهم اياها القوانين , لوضعها في خدمة قضية الحرية لشعبهم السوري , شاء من شاء , وأبى من أبى .
* كاتب سوري مغترب
موقع اعلان دمشق