سوريا: في انتظار السيد مازوت
مصطفى إسماعيل
العدوُّ الذي يُسمى “الشتاء” على الأبواب، فيما لا يزالُ السيد “مازوت” رهنَ الغيبوبة الصغرى، في أدراج الحكومة، ويبدو أنَّ إخلاء سبيله، أو عملية إطلاق سراحه، باتتْ مشروطة، كما تشيرُ منابرٌ إعلامية سورية رسمية غالباً ما تسبق الحدث إذا لم يكُ سياسياً، وهو خبر جميل رغم ذلك، ما دامَ لم يمثل السيد ” مازوت ” خلال فترة الاختفاء القسري أمام المحاكم العسكرية أو محكمة أمن الدولة العليا.
بدأت محنة السوريين مع مادة المازوت (الوقود الأساسي المستعمل للتدفئة في سورية) مُذْ قررت الحكومة السورية رفعَ الدعم عن المشتقات النفطية في 2008، ولكي لا تجرِّدَ الحكومة المواطنَ المحجوبَ على أمره من الوقود اللازم للتدفئة بالضربة القاضية، أصدرتْ في العام المذكور قسائمَ صرفِ / 1000 ليتر / من مادة المازوت للمواطن، بسعر الدعم / 9 ل.س /، وانتهتْ صلاحيةُ تداول تلكم القسائم في 9 أبريل 2009، ليتحولَ السوريينَ جُملة وتفصيلاً إلى حالةِ ارتقاب، في انتظار الآلية الجديدة التي ستعتمدها الحكومة، لتزويدهم بمادة المازوت، وإلى تاريخه لم يَرْشَحْ عن الحكومة رسوَّها على برٍّ ما في الموضوع، فلا هي جدَّدتْ قسائم المازوت السابقة، ولا هي اعتمدتْ حلاً آخرَ لمُعضلة المازوت، وتشيرُ المُعطياتُ الأخيرة، وهي مستندةٌ إلى ما نشر قبل أشهر في صحيفة الخبر الاقتصادية، أن الحكومة حددت مستحقي الدعم (مستحقي مادة المازوت المدعوم حكومياً) عبرَ شروطٍ بروكستية، وتنصُّ هذه الشروط البروكستية التعجيزية على أن يكونَ المواطنُ الراغبُ في استحقاق المازوت المدعوم : عربياً سورياً ومُقيماً دائماً على الأراضي السورية، وألا يتجاوزَ الدخلُ المتاحُ للمواطن وأفراد أسرته القاطنين معه 25 ألف ليرة سورية، وألا يكون هنالك أيُّ دخل إضافي لأي فرد من أفراد أسرة المواطن مستحق الدعم، وعدم امتلاك المواطن مستحق الدعم لسيارةٍ سياحية خاصة تزيدُ سعة محركها عن 1600 cc، وألا يكونَ للمواطن مستحق الدعم أيُّ سجلٍ تجاري أو صناعي أو زراعي أو سياحي، وألا يكون للمواطن مستحق الدعم أي عقارات سكنية أو تجارية تدرُّ عليه دخلاً إضافياً باستثناء منزل السكن الذي يقطن فيه، فيما حدَّدَ الشرط السابع قيمة الحدّ الأعلى لفواتير الكهرباء والماء والهواتف الثابتة والناقلة بـ 3500 ل.س.
وفي تأويل الشروط السبعة، بُغية توضيحها، يمكنُ القول:
كل مواطن سوري سيقرُّ بأنه عربي سوري وهو يبتسم، وإلا فأنه سيُحرمُ من مبلغ الدعم، ويقطعَ تالياً تذكرة إلى إحدى الجهات الأمنية أو إحدى محاكم قضاء الاستثناء، وأنْ يقيمَ في سورية عقلاً وجسداً وروحاً، فليست الجنسية السورية مجرَّد بطاقةٍ شخصية، ويُفضَّلُ أيضاً أنْ يزور آثار تدمر وحيث كتبت الأبجدية الأولى في التاريخ ويرقص مذبوحاً من الألم على مسرح بصرى الشام، وإذا كان مقيماً خارج البلاد عليه أن يعود فوراً ويُقبِّلَ أرض المطار، ويُثبتَ أنه مواطن صالح ومستحق للمازوت المدعوم، ويوّضح الشرط الثاني أن حكومتنا تفكر ولم تستقل عقلياً، فهي ابتكرت لنا مصطلحاً آخر هو “الدخل المتاح” (ينبغي تسجيل براءة الاختراع باسم الحكومة)، فإذا كان الدخل الرسمي في أسفل السافلين، فإن من شأن الأخذ بالدخل المتاح تغيير المشهد، كما أن غاية الحكومة من الأخذ بالدخل المتاح هو لتعزيز الوحدة الوطنية في البلاد، أليست الأسرة هي جذرُ كلِّ مجتمع وكل دولة؟. وتكاتف وتعاضد الأسرة سيسهم في تعزيز اللحمة الوطنية ومنعة سورية، ويؤكد الشرط الثالث تبرم الحكومة السورية من احتيال المواطنين عليها، وإنما أدرج الشرط لتبيان واقع البطالة وتعميق الشفافية والمكاشفة في البلد، ويُرادُ بالشرط الرابع خلقُ شعبٍ حيوي ورياضي لا يُعاني من أمراض في العمود الفقري، ويُفهمُ من الشرط الخامس أن الحكومة السورية تريدُ خلاص مواطنيها من أزمة السكن، عبر عدم احتكار مواطن لأكثر من منزلٍ سكني، ووفاقاً لذلك لا يُمنعُ السوري بتاتاً من امتلاك قبر، فالدار الأخرى هي دار البقاء، سيما وأن ليس فيها استحقاق دعم أو غيره، فيما يبين الشرط الأخير المتعلق بالفواتير، أن الحكومة السورية تريد توعية المواطنين بالمواطنة الحقة، ومن شروطها عدم تبادل الأحاديث على الهواتف، وعدم الاتصال بالخارج، وعدم الاتصال بفضاء الانترنت، وهي أمور من شأنها إصابة الفاتورة بفقر الليرات، فالعقبة الكأداءُ أمام برامج الحكومة السورية هو قطاع الاتصالات، أما قطاعي الكهرباء والمياه، فإن حكومتنا الرشيدة تقوم بالواجب وأكثر، إذ تصل ساعات تقنين المياه إلى أكثر من 12 ساعة يومياً، أما ساعات تقنين الكهرباء فهي زيغ زاغ، وتقتضي الأمانة أن أصرح بأن الكهرباء لم تنقطع منذ أسبوع، أما قبلها فكانت مقطوعة من الشجرة كالعادة.
تُعدُّ الشروط السبع إذن غربالاً أو ممراً إجبارياً لاستحقاق المبلغ المادي لشراء مادة المازوت، فمن يملكُ سيارة، عليه بيعها قبل دخول الممر أو الدهليز الحكومي، ومن كان يملك منزلاً إضافياً، عليه التبرع به، فالشروط السبعُ برزخٌ حكومي إجباري لتخفف المواطن السوري من كل ما يثقل عاتقه، وأي عبور للممر وصولاً إلى مبلغ الدعم بناء على معلومات كاذبة، فهو إخلال بأمن الدولة، ومحاولة لتوهين نفسية الأمة، ونشر لأنباء كاذبة تعرض سلامة الوطن للخطر، وتنِّمُ عن افتقادٍ إلى روح المسؤولية وشعور المواطنة.
يُقالُ، أن الحكومة ستصرف لمستحقي الدعم مبلغاً وقدره / 10 / آلاف ل.س، وهذا يعني أنَّ بإمكان المواطن تعبئة/600/ليتر من مادة المازوت، فيما كان بإمكان المواطن في العام المنصرم تعبئة / 1000 / ليتر بموجب القسائم الموزعة حينها، وهذا التناقصُ في وتيرة الدعم يعني أن الحكومة البارعة في التخطيط تتجهُ صوبَ إعادة السوريين إلى عصر الحطب والقش والروث والبعر( أساليب التدفئة المركزية في حقب سابقة).
ويُقالُ أن الحكومة بصدد إعداد استمارة لتوزيع الدعم الحكومي، وستتضمن الاستمارة تعهد المواطن تحت طائلة المساءلة القانونية بأنه مواطنٌ مطابقٌ للمواصفات الحكومية المطلوبة، وأرجو أن يتم الاكتفاء بالاستمارة فقط وعلى مسؤولية مقدمها، أما التكليف بإبراز أوراقٍ ثبوتية، لإثبات توافر الشروط في المواطن المتقدم لنيل الدعم، فمن شأنه عرقلة توزيع الدعم وتأخيره، إذ أن الشروط أعلاه تحتاج إلى أطنانٍ من الأوراق ومعاملاتٍ ماراتونية في الدوائر الحكومية، وسيتجاوزُ المبلغُ المُنفقُ على الأوراق تلك المبلغَ الذي ستوزعه الحكومة على مستحقي الدعم، وسينتهي الشتاء قبلَ أن ينهي المواطن الأوراق المطلوبة لاستحقاق الدعم.
ويقالُ .. ويقالُ.. ويقالْ…
وأنا أقترحُ على السوريين الهجرة المليونية إلى مناطقَ حارة، وكفى الله السوريين شرَّ انتظار استحقاق الدعم.