صفحات الناس

سيادة القانون مبدأ أساسي في المجتمع والدولة

null
المحامي ميشال شماس
هذا ما نص عليه الدستور السوري في المادة 25 منه، ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو هل تتحقق سيادة القانون بمجرد النص على ذلك في الدستور؟ أو هل تتحقق سيادة القانون والمساواة أمامه بمجرد فرض النظام واستتباب الأمن ..؟ أو هل تتحقق سيادة القانون إذا لم تحمل تلك السيادة في مضمونها خضوع الدولة للقانون وتقيّد الحكام والمحكومين بسيادة القانون ؟
في عصرنا الرهان يقاس تطور الدول وتقدمها بمدى سيادة القانون فيها واستقلال قضائها ، على اعتبار إن الدولة في المجتمعات الحديثة تخضع للقانون ، ولا يخضع القانون فيها للدولة ، كما يخضع للقانون كل من الحاكم والمحكوم مهما كان شأن الحاكم ،لأن الحاكم مجرد إنسان، ليست لإرادته قوة منشئة في عالم القانون أعلى من القوة التي تكون لإرادة أضعف شخص من رعاياه. وبناء على ذلك لا يجوز للمسؤول مهما علت مكانته أن يصدر بنفسه أو بالواسطة تشريعات تنتقص من مبدأ سيادة القانون، كما في بعض القوانين التي تحجب حق التقاضي ، أو شل أثار بعض الأحكام القضائية المكتسبة الدرجة القطعية عبر تعطيل تنفيذها كلياً أو جزئياً وما يترتب على ذلك من مسؤوليات سياسية واقتصادية وجزائية ومدنية .والأخطر من ذلك زعزعة الثقة بالسلطة القضائية وبالقرارات التي تصدر عنها.
إن سيادة القانون لا يمكن أن تتحقق فعلياً في أي مجتمع ، ما لم تُفرض هذه السيادة أيضاً وأيضاً على جميع السلطات في الدولة، فعلى السلطة التشريعية أثناء سنها لأي تشريع أن تهتدي بالقواعد الدستورية ومبادئ الحق الطبيعي والعهود والمواثيق الدولية المؤسسة على احترام حقوق الإنسان وحرياته العامة . لأن السلطة في أي دولة كانت إذا لم تهتد بمثل هذه القواعد التي تعتبر ضوابط ملجمة لها، تستطيع أن تسن ما تشاء من التشريعات تضيق فيها الخناق على أفرادها ، ثم تأتي تلك السلطة لتقول أن سيادة القانون متحققة كونها خاضعة له ،ونسيت أن سيادة القانون هنا شكلية باعتبار أن السلطة هنا تخضع للقانون الذي وضعته وهذا ما يؤدي إلى تحقيق الطغيان باسم القانون وسيادته .
والملاحظ في المجتمعات الحديثة والمتطورة أن مبدأ سيادة القانون قد سيطر على جميع النواحي الحقوقية فيها ، وحتى تضمن تلك المجتمعات التطبيق السليم لمبدأ سيادة القانون وإنتاج أثاره على أرض الواقع دونما أية شوائب أو عوائق، عمدت إلى حمايته ورعايته بالتطبيق الموازي لمبدأ أخر متمم له ، وهو مبدأ قيام جهاز قضائي يتصف بنظام قوي ويتألف من رجال أكفاء يتمتعون بالاستقلال المطلق تجاه السلطة السياسية ، مع توفير الاحترام من الحكام والمحكومين للأحكام التي يصدرها هذا الجهاز القضائي، وعلى جميع الجهات العامة ابتداء من البرلمان وانتهاء بأبسط المجالس المحلية ، ابتداءً من رئيس الدولة وانتهاءً بأصغر موظفيه ، على كل هؤلاء أن يحنوا رؤوسهم للقضاء . وبكلمة واحدة يجب على الجميع الاعتراف بأن الدولة نفسها مرتبطة بأحكام محاكمها، ولا يجوز لها أن تصدر قرارات خارج الحدود التي رسمها القانون ووفقاً لقواعده وأحكامه . وإذا ما تجاوزت هذه الحدود أو تخطت هذه القواعد، فإن القضاء المختص يعلن بطلان القرارات المتخذة، وما يتخذه بهذا الشأن يفرض على الدولة التي عليها أن تضمن تنفيذه دون أي تردد، بعيداً عن المماطلة والتسويف ..!
وقد قال رئيس مجلس الدولة الفرنسي السابق “رينيه” بهذا الصدد : “لا يمكن أن تقوم سيادة القانون أو تتحقق إلا حيث يكون الإقرار بحقوق الإنسان واحترامها متوافراً على أكمل وجه ، وإنه لأمر جوهري أن يحمي هذه الحقوق نظام قانوني ، حتى لا يكون المرء مضطراً في النهاية إلى الثورة ضد الطغيان والظلم .” والرقابة القضائية على أهميتها القصوى لوحدها لا تكفي ، إذا لم نسع إلى تأصيل روح الحرية واحترام القانون لدى الحكام والمحكومين على السواء وجعل هذه الروح حية على الدوام في قلوب الناس ، علنا نساهم في تكوين وعي حقوقي وأخلاقي ذو محتوى إنساني لدى الناس جميعاً، في عملية مستمرة ودائمة ،بدءاً من البيت والمدرسة والجامعة والمعمل ..الخ ، وجعله منطلقاً وأساساً في بناء وتطوير وطننا وإعلاء رايته عالياً بين الأمم، فما قيمة نصوص الدستور والقوانين إذا لم يقم على تطبيق تلك النصوص نقابة محامين حرة مستقلة وسلطة قضائية مستقلة كفأة وعادلة ؟ وما قيمة تلك النصوص أيضاً إذا خمدت روح الحرية واحترام القانون في قلوب الناس ..؟
كلنا شركاء

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى