السوريون ليسوا رعاعاً: رداً على تصريحات وزير الأوقاف
في تصريح له لقناة “بي بي سي” بتاريخ 8-أيلول-2009 قال وزير الأوقاف السوري عبد الستار السيد أن “لا أحد” في سوريا مؤهل لحكم البلاد فيما عدا الرئيس الحالي بشار الأسد وأضاف أن الرئيس بشار الأسد وصل إلى الحكم عن طريق “الانتخابات الحرة”!
لنفترض تساوقاً مع تصريحات السيد الوزير أنه فعلاً لا يتمتع أحد من بين عشرين مليون مواطن سوري سوى شخص واحد بالمؤهلات المناسبة لحكم سوريا، فهل هذا مجالاً للتفاخر؟ إن هذا يعني أن سوريا تعيش في عصر الظلام حيث يعم الجهل والأمية والتخلف، فمن الطبيعي وحتى يستطيع المجتمع إنتاج عدة أشخاص مؤهلين لاستلام زمام السلطة أن يكون هناك حداً أدنى من انتشار التعليم كماً ونوعاً بوصفه أحد الأعمدة الأساسية لخلق مجتمع حي يتمع بقدر كاف من الحركة على كافة الأصعدة الثقافية والفكرية والاقتصادية والاجتماعية بالإضافية إلى السياسية بطبيعة الأحوال. وبما أن المجتمع فشل في ذلك بحسب تصريحات الوزير السيد، فهذا يعني أنه مجتمع ميت أو مشلول و”كل” مواطنيه ضعيفي الثقافة والفكر والعلم وهم مجرد حشد مهمته الوحيدة أن يكون محكوماً. وعليه يجب علينا طرح الأسئلة حول سبب حالة شلل المجتمع بعد أن سلمنا بواقعية تصريحات الوزير.
لأغراض التحليل في سياق هذا الموضوع فقط نستيطع أن نعزل عاملين رئيسيين من عوامل نهضة المجتمعات، الأول وصول زعيم يمتلك الإرادة والقوة الكافيتين لإحداث قفزة نوعية في واقع المجتمع والدولة، والثاني وجود الرغبة والقدرة الكامنة للمجتمع للخروج إلى نور العلم والحضارة. وبعد عزل هذين العاملين عن بقية العوامل الأخرى سوف نعزلهما عن بعضهما البعض أيضاً ثم طرح الأسئلة حول كل منهما على حدة على ضوء النتيجة التي توصلنا إليها سابقاً.
o إن كان تطور المجتمعات مرتبطاً بقادتها، هذا يعني أن المجتمع السوري لم يختبر قائداً امتلك الإرادة والقوة معاً للنهوض به، أي أنه لا يوجد ولا أي أحد في سوريا يمتلك المؤهلات الناسبة للقيادة “التاريخية” فعن أي إنجازات “تاريخية” و”خالدة” و”تحديثية” يحدثنا المسئولون ليل نهار؟
o وإن كان نهوض المجتمعات منوط بإرادتها وقواها الذاتية فهل حقاً يفتقر المجتمع السوري إليهما لتحقيق نهضته؟ أوليس من البديهي القول في هذه الحالة بأن أحد أهم مؤهلات الحكم هو اكتشاف مكامن القوة في المجتمع وتعزيزها وتشجيعها على الخروج من الإمكان إلى الفعل؟ أم أن هناك قوى أخرى تعمل على كبحه وقتل كل محاولة لتحقق الإمكانات في الواقع؟
لكننا لانستيطع أن نؤيد كلام السيد الوزير هذا دون أن نتساءل: من قرر وكيف؟ فيجيب “الانتخابات الحرة”! هنا يجب أولاً أن نذكر الوزير بأن الانتخابات مشتقة من فعل نخب أي اختار، والاختيار هو تفضيل شيء/شخص من بين عدة أشياء/أشخاص، ولكن مالدينا دلالياً وقانونياً ليس انتخابات سيدي الوزير بل هو “استفتاء” على شخص واحد، أي خيار واحد، فإما أن يُقبل أو يُرفض. كما أن المادة الثامنة من الدستور السوري تقول بأن حزب البعث هو قائد الدولة والمجتمع، أي لا يحق لأي أحد غير بعثي مجرد الترشح للرئاسة مما يستثني معظم أفراد المجتمع من مجرد عرض وفحص إمكاناتهم وقدراتهم ومؤهلاتهم، ولكل ذلك نجد أنه لم يكن هناك منافسة بين أكثر من شخص على منصب رئاسة الجمهورية حتى نستطيع الفصل بالقول بأنه لا يتمتع إلا شخص واحد بالمؤهلات المطلوبة لهذا المنصب. أما من ناحية حرية ونزاهة الإدلاء بالأصوات في عملية الاستفتاء فحدث ولا حرج، فبغض النظر عن عدم الثقة بالأرقام الرسمية حول نسبة المشاركة، فقد افتقدت عملية التصويت إلى أبسط الإجراءات التي تضمن الحرية والنزاهة، فلم يكن في المراكز غرفة سرية ووقف المواطنون أمام طاولة اللجنة وأخذوا الورقة و”اختاروا” أمام الجميع “نعم”، ولن يستطيع أي أحد تكذيب ذلك لأننا شاهدناه بأنفسنا على أرض الواقع وعرض بشكل علني ودون أدنى حس بالخجل على شاشات التلفزيون السوري.
يبقى أخيراً أن نقول للوزير السيد بأن المجتمع السوري كأي مجتمع آخر يمتلك الإمكانات الكافية لينتج العلماء والمثقفين والسياسيين والرؤساء أيضاً، ولكنه إلى الآن “لما” يطور بعد أدواته لإدارة قواه الذاتية الكامنة وتعزيزها لتصل إلى المستوى المناسب لقهر الجهل والظلم معاً.
http://thefreemen.wordpress.com/
مدونة الرجل الحر