صفحات الناس

من فعلها بنا؟محاولة غير ماركسية لتصنيف البشر

null
طالب ابراهيم *
يتشابه الناس في شوارع دمشق، في الحميدية، في باب توما، في المساكن، أما في ضاحية الإسكان فتختلف، لأن الناس ينمون بدون ماء “بعل”.
التشابه يسحق محاولات تصنيفك لهم طبقياً أو فئوياً أو فنياً، ووضعهم في جداول تعلمتها من مغامرة اختصار التاريخ إلى حفنة قوانين.
باستثناء “عمال اليوم” الذين يجلسون حول دوار ضاحية حرستا، و ركن الدين، و باب الجابية، وأبواب أخرى، و باستثناء داهنات مكياج البسطة الرخيصة، فهم لا يشبهون إلا أنفسهم..
تخمّن أن الرجل الذي عبر بسرعة، هو فلاح “ابن الثورة”، لتُفاجأ أنه رجل أعمال معروف، و أنت لا تعرفه.
و تخمن أن تلك الفتاة ريفية، أي تنتمي إلى تلفزيون الأبيض و الأسود، لتُفاجأ أنها “بنت مدينة”، “أمّاً عن ست” على وزن أباً عن جد.
و تخمن أن تلك داعرة، من لباسها، و مشيتها، و نظراتها، و مكياجها، خاصة أنه لايوجد شارع معين يخصّهن، فكل الشوارع ملكهن، لتُفاجأ أنها مربية أجيال.
و السيدة المحترمة التي تؤدب مراهقاً، قلل الأدب، تثير سخرية الذين يعرفونها، الذين يرددون “وجدت من تستشرف عليه”.
جاري لا يصدق أنه ثمة دعارة في عاصمتنا. و الآخر لا يصدق أن ثمة عمل شريف فيها. و الثالث لا يصدق أن ثمة عمل غير بيع اليانصيب و الشاي.
تخرج إلى الطريق العام لتحاول تصنيف الناس من سياراتهم، فالسيارات قد تدل على راكبيها.
هذا وزير..هذا ابن وزير.. هذا ابن نائب وزير.
هذا ابن نائب.. و مفردة نائب تنطبق على المذكر و المؤنث.
ثم تقول هذا ابن نائبة.. “النائبة هي المصيبة”.
وتمر سيارة فارهة للغاية، و قبل أن تقول: هذا ابن…. يرفع يده ملوِّحاً لأنه يعرفك، و تعرف أنه يعمل كوميكاً في مطعم، “الكوميك هو شوفير الصّينّية”. وقد استأجر سيارة ليوم واحد من مكتب سيارات براتب شهر كامل حتى يعطي انطباعاً أنه ابن….
وستفشل إذا اعتمدت نوع الموبايل للتصنيف. فـ “قاهر الشمعة” وهو أرخص موبايل قد يحمله رجل ينتمي إلى قاطرات التجارة. و “الامبراطور” أغلاها قد يحمله واحد، أو واحدة، من حافيات الأرجل.
ثم تقول بينك وبين نفسك:
من غيَّر الأشياء؟! “سبحان مغيّر الحال”
إذا كانت الثورة قد فعلت فعلها. فقد حولت الأرض لمن يفلحها، والمعمل لمن يعمل به، فمن حوّل الناس؟! من خلطهم بهذا الشكل الغريب، ليغدوا عصييّن عن التصنيف؟!
تخلط بين رجل الأعمال والفلاح، ولا تفرق الداعرة عن مربية الأجيال، ولا تميز الريف عن المدينة.
من فعلها بنا؟!
من اختصر المجتمع بهذا السوء؟!
من أعمى عيوننا و عقولنا؟!
من شابه بين الأفراد على رغم اختلافهم؟!
من حوّل هؤلاء الأفراد الذين يتسلّقون أعمدة الصحف كل صباح باعتبارهم مواطنين، ليُلقى بهم في الحاويات مساءً على أنهم فضلات.
,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,
* السويد – له 3 مجموعات  قصصية وديوان شعر   أسئلة – عودة الفاصيل – شعاع شمس – كلمات ملوثة
وعدة مقالات في دوريات سورية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى