عزلة المبدع ، قدَر أم إختيار ؟
دلور ميقري
إجابة دلور ميقري على أسئلة الكاتب محمد نجيم ، مسؤول الصفحة الثقافية في جريدة ” الإتحاد ” ، الإماراتية ؛ عدد يوم الخميس ، 10 ابريل / نيسان 2008 :
من الأسئلة الملحة التي تقض مضجع المهتمين بالفن والإبداع، هو طبيعة العلاقة الملتبسة التي تربط المبدع بذاته وبالآخر مهما كان هذا الآخر، وهي أسئلة تطرح إشكالات معضلة تتأبى على الحل. فمن جهة، المبدع لا يستطيع أن يجد ذاته داخل الجماعة لأنه يحمل قيما متعالية، والجماعة لا تستطيع أن تتعلق بهذا المبدع لأنه في نظرها يقودها إلى الجحيم، وحتى لو كان هذا المبدع سيقودها إلى الجنة، لكن للأسف تنعكس هذه العلاقة المتوترة على علاقة المبدع بذاته، فيصبح كارها لها متمردا على القيم التي يحملها، ناقما على الآخر الذي لا يريد أن يتفاعل مع انفعالاته الإنسانية، ومن هنا يتأجج الإحساس بتفاهة العالم.
منه يتولد إشكال الاغتراب الذاتي الذي شاع في أوساط المبدعين، والذي تدهور حتى أدى بالعديد إلى الانتحار أو الانحراف أو اختيار منافٍ قهرية اختيارية، ولعل طبيعة الكتابات الرائجة الآن تعكس هذه الصورة، ففي أغلبها تنصرف إلى تشخيص قيم الفشل والتشظي والنكوص والهروبية. والأسئلة التي يمكن طرحها في هذا الصدد:
ـ ما الذي يجعل الجماعة تفقد ثقتها في المبدع؟.
ـ هل المشكل في المبدع أم في المحيط أم في السلطة؟.
ـ ما الجهات التي يمكن أن تتدخل لإيقاف هذا النزيف، وترميم الصدع، وإعادة الدفء للعلاقة الإنسانية بين المبدع ومحيطه؟.
ـ ما الإجراءات السوسيوثقافية التي يجب أن يقوم بها المبدع ذاته لاستعادة ثقة الجماعة (القبيلة)؟.
تتوتر علاقة المبدع بالقيم الثابتة للجماعة/ المجموعة البشرية التي ينتمي إليها، ويتمظهر المبدع غالبا في تلك الصورة التي تشذ عن العادة، وتجعله كائنا متمردا ضد الواقع، ناقما على معتقداته، فكبرت الهوة، والكثير من المبدعين يعتبرون هذا الموقف من العالم نوعا من النضال ضد التخلف وثورة على إكراهات وقيود الظلامية المقيدة للإبداع.
وقد أفرزت هذه الوضعية النشاز سياقا علائقيا سيئا بين المبدع وعموم الناس خاصة القراء والمستقبلين لمنجزاته الإبداعية أيا كانت طبيعتها.
الكثير من المبدعين ثار على مؤسسة الزواج والأسرة، وبعضهم يسفه خطابات الساسة والمنظرين، وبالجملة فقد أصبح المجتمع لدى المبدع متاهة حقيقية تحرض على اللامعنى.
ترى: ما أسباب ثورة المبدع على قيم الذات وقيم المؤسسة الثقافية لمجموعته البشرية؟.
هل لذلك علاقة بالواقع أم بالسلطة؟. هل انتهى دور المبدع في تخليق الحياة والسمو بقيم الجماعة؟.
إنكسار وعزلة
أما الكاتب دلور ميقري فيرى أن المبدع لا يختار عزلته؛ بل هيَ الحياة من تجبره شروطها على ذلك الاختيار. بإصرار الكاتب على المضيّ في مغامرة الخيال، يضحي شيئاً فشيئاً كما لو أنه كائن منبوذ ، اجتماعياً.
العزلة فنّ، فوق ذلك، وليست خياراً وحسب. إنها تتحقق بالإرادة والمران. بيدَ أنّ الأمر، غير يسير بحال. المجتمع؛ العائلة؛ المؤسسة؛ المادّة: كلها خصومٌ لمهنة الكلمة.
وكلّ منها يحاول خرقَ هذه السجف، التي تحوّط حياة الفنان، الداخلية ـ كشرنقة. الكتابة فعل إغواء، أكثر منه فعل حياة. إنها تنتمي لإبليس العاصي، لا للإله الخالق.
وأجرؤ على القول، بحسب تجربتي الخاصّة، المريرة، بأن صفة الكاتب، الأنانيّة، تجعل المؤنث ، في هذه المهنة، لا يُعوّل عليه ! المرأة خلقٌ للحياة، مستمر.
ولكنّ الكاتب، بدوره، وبما أنه خالقٌ ، يجدُ نفسه، ولا غرو، على الطرف الآخر، المناقض؟ في هذه المواجهة. واقع الأمر، ليسَ مجرّد مباهاة وبلاغة. مع أنّ علاقة الكلمة بالحياة كانت، وما فتأت، إشكاليّة بحتة.
كلّ شطحةٍ للكاتب، إنما هيَ بمثابة غفوة على طريق نومته، الأبديّة. شرط الإبداع، لا يتحقق مطلقا إلا عبرَ مغامرة الحياة هذه، اليوميّة، والتي تسير على حافة الموت. المبدع، عموماً، هوَ الخاسرُ، الأكبر، في هذه الحياة. ولكنه مهزومٌ خالدٌ.
خاص – صفحات سورية –