صفحات من مدونات سورية

ربما ستمطرُ بعدَ قليل

ربما ستمطرُ بعدَ قليل
الأشياء هادئةٌ والغيم فولاذي ، وبلاطُ غرفتي رطبٌ وبارد ، عيناي أقل تعباً وهواجسي تتراخى بمفعول الرائحة ، لا زلتُ أهذي بأشياء قليلة فاتني الحصول عليها ، رائحة الرخام المعبأ بالعِطر .. وأوراق الشجر المبللةِ بالندى على طريق الجامعة ، وتتبع الأسماء ولوحات الإعلان وألوان الكنزات الخريفية اللاتي ترتديها فتياتُ دمشق .. ، الحصول على فصل راحةٍ على إيقاع شدوٍ غنائي من نمط خاص .. ، وإسبال الجفن على دَمعةٍ كادَت تفلتُ مِن أثر استحضار ذاكرة ما في أجواء فاترة وهادئة
ما زلتُ قلقا ووحيداً .. ، ألقي بهمِّي على أكتاف أشباح .. عبروا ولم أعرف لهم أسماء أو صفات أو أشكال
أحسُّ بتلفٍ ما في دماغي .. ، فحاجاتي بسيطةٌ وما تصفهُ عيناي موجعٌ ورمادي .. ، باتت الألوان قليلة .. وأبيض هذا الصيف إلى زوال .. ، الخريف يتسلل بقلق .. ، ربما لا يملك الكثيرَ هذا العام ليُرشِدَ بهِ خطواتي وعثراتي .. ، ربَّما لَم يحمِل لي إلا رجفاتٍ عابرة أتسلى بها .. أو نوماً بارداً لَم يشفِ غليلي من سهري الطويل الذي سأسردُ له ذاكرةً خاصة .. يوماً ما .. ، أما ما يتعلَّقُ بتراخي جسدي واعتكافي خلفَ شاشة الحاسب .. ، فلا شيءَ يُذكَر .. أكثر مِن ممارسة غياب مموه .. لا يحس به الآخرون .. ، والآخرون ؟ .. من هم .. ؟؟ .. إنهم بقايا مَن حوتهم صفحاتي ورعشاتي ورغباتي وأمنياتي وحالاتِ نكوصي وانهياري وارتطامي بالفجر والورد واللغة والأسماء .. إنهم الذين فاضَت بهم العناوين والقهقهات والمدن والمقاهي والصور والأمطار والثلوج والبحار والجبال .. ، همُ الذي يغادرون بغنج وخفة ودلال .. ، كأن شيئا لم يحصُل .. ، ويوقعون على عودتهم بدهشة خاطفة ثم يغادرون كدبيب النمل ثم يعودون .. ، وأنا .. في ما أنا عليهِ من انتظار وفوضى وتأهب للغثيانِ بينهما .. أجدُني رافعاً عَن جسدي ثقلَ المسمَّيات .. وعَن قلْبي أرطالَ المشاعِر الكثيفة .. ، محاولاً تتبع الهَمس الخفيف .. مِن أثر فراشة أو وتر عودٍ أو صرير قلَمٍ أو أنين محتضِر .. ، فقد فرغَت متاهاتي مِن الأزقة .. ، وصارَ العبور سهلاً إلى خارطةِ قلبي الذي لوحدِه ما يزال .. منتظِراً عودةً أخرى .. لأشياءَ كثيرة .. ، فقط .. خوفاً من الأسماء وما ورائها ينام .. ينتظرُ صامتاً وينام
ولأن لرائِحة المَطر شكلٌ آخرَ من أشكال (الحياة الجميلة) .. على خفةِ هذا التعبير وسذاجته .. وجدتُ نفسي تواقةً بشغف كبير حتى تستمتع باللحظة .. ، ربما كنتُ مريضاً هذا الصباح .. ، ربما مازلتُ مريضاً .. ، إلى أنني ألجأ إلى طبقاتِ حُزن أقل ارتفاعاً .. لأحصُلَ على جمالٍ خاص يكفيني .. ، الثورة الذي حملتها على ظهري عشرون عاما صارَت عجوزاً وأقل جمالاً .. ، لَم يترُك لي الأعداء والأصدقاء فرصة لهجاء ورثاء .. ، ولَم تترُك لي الأرض المَسلوبة حتى رائِحةً أتسلى بها في حالاتِ وجداني العابرة .. فأرسم من خلالها فارساً يمتطي جواده .. يأتي مِن أطلس آخر .. ومِن جغرافيا بعيدة .. يعيدُ الضحكاتِ إلى أفواهِ العذراواتٍ في خدرهِن .. ويبسُط النُّورَ على جرداءِ هذه الأرضِ الكبيرة .. ، صرتُ أبحث عن ذاتٍ أخرى فيَّ .. ذاتٍ واضحة وبسيطة .. تتغلغلُ في الناصع من بياضِ المدن والقرى والحواري والبيوت والزوايا والقلوب .. وتشكل لوحاتها الراسخة المستقرة .. فهنا منزل وهناك عاشق وبينهما نهرٌ وخصلاتِ شعر أنثى ونغمٌ خفيف وحريةٌ كبساط الأرض خضراء وواضحة .. ، وإذاً .. ؟؟؟

إيييييه … ، ولَم تمطِر بعد .. ، قلتُ في نَفسي .. ، ربما وعدَني أيلول بالمزيد ولَم أنتبه .. ، ربما .. ، أوصلَني إلى النشوةِ وكنتُ مشغولاً بعدِّ ما تبقى لي مِن دهور في الخدمة الإلزامية .. ، ربما .. جاءَ أيلول ليحررني مِن كهولةِ أفكاري ورجحان ضغطي .. ، وأيلولُ آمِن في مكانِه .. يوزِّعُ السِّحرَ على أهلِه . ويتركُ ليَ الأوصافَ والروائِح .. وهل حُزتُ قبلاً غيرها ..
أيلولُ ينكسِرُ إلى ماضٍ قريب .. ، يقتربُ مِني بحذر ويترك لي رائحةً للمطَر وذاكرةً للحنين ودقات قلب كثيرات .. وفضة ومرجان وأباريق ذهب وزنابق وعوسجة وأغنية وصَدى ترددها في أفق حارةٍ مِن حاراتِ دِمشق التي تشتاقني .. ، وألمٌ وصورةٌ ووردة وعَسرةُ روحٍ وإلهامُ لَحظة
ربما ستمطر بعدَ قليل .. وأنسى الذي خرّب مزاجي منذ دقيقتين ، ولا أعود إلى الإسراف في قهوتي وسجائري .. مشتتاً بين الفضيحة وانعكاسها على واقعٍ أتلمسهُ (كأعمى) بكلتا يدي .. ولا أجدُ إلا الماضي على سرير مرضه ينتظر
وأنتظرُ أنا
أنتظرُ بلا هوادة .. ، ففي قلبي كل شيء .. يلهُو بأفق السماء المدورةِ على ضبابه الأزليّ .. وينثرُ فوضاهُ على قلوب العابرين بهدوء وصَمت
منتشياً بالذاتِ التي منحتهُ نرجسية يتقلَّبُ في سرير نعمتها

نهارٌ مدجنٌ بالفوضى والمشاعر والتذكارات … من أيلولٍ ما عبَر …………………….. 19/09/2009

http://anwatan.wordpress.com/

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى