وداعا للعشق الورقي
مها حسن
لا مكان لحب الورق، إلا لأبناء نوستالجيا الكتاب. فقد دخلت التكنولوجيا في تفاصيل حياتنا، لتسهل علينا كل شيء، حتى القراءة، ولتخفف أعباءنا.
في سؤال نشرة أخبار الثامنة، لتصويت الجمهور، كان السؤال متعلقا بالكتاب الالكتروني، حيث طرحت شركة “أمازون” نسخة جديدة ومحدثة من هذا الاختراع. والسؤال كان “هل أنت مستعد للقراءة بانتظام في الكتاب الإلكتروني؟”.
نسبة المصوتين قاربت ثمانية آلاف مشارك، حتى لحظة كتابة هذه المادة، وقد تساوت الأصوات تقريبا بين 4،50 في المئة نعم، و6،49 في المئة لا.
تجولت الكاميرا في مكتبات البيع لتستمزج الجمهور. إحدى سيدات نوستالجيا الورق أجابت بأنها غير مستعدة لاقتناء الكتاب الإلكتروني، لسبب بسيط أنه لا ينتمي الى جيلها، بينما اعترضت صبية على الكتاب الالكتروني مبررة موقفها بحبها للمس الورق وتقليب الصفحات. أحد الكتّاب قال إنه مواظب على استعمال الكتاب الالكتروني منذ سنوات، لسهولة حمله، والتنقل به. فهذا الكتاب الخفيف الوزن، يمكن تحميله مجموعة كتب، ومن السهل اختيار الكتاب المراد قراءته، إضافة الى خيارات أخرى، كتكبير حجم الخط مثلا، والقراءة بمواصفات يختارها القارئ.
صديقتي أنياس، لا تزال تستعمل الدفاتر في كتابة أبحاثها ورواياتها البوليسية، شارحة أنها مولعة بالورق والقلم. إنها تخشى اندحار القلم، تتحدث عن الرسائل البريدية بشغف كبير، مفتقدة ذلك الفرح بفتح رسالة تحمل خطوات أقلام من نحب. تقول إنه رغم سرعة البريد الالكتروني، والذي صارت مرغمة على استعماله في كتابة رسائلها، إلا أن هذا لا يقدم شخصية المرسل، لأن خط اليد، والجهد الأكبر الذي نبذله في التدوين اليدوي، يكشفان بعضا من خصائص الكاتب. إنها مولعة بالقلم وخطواته على الورق، تستعمل أقلاما ملونة للعناوين الرئيسية والفرعية.
كانت هاجر أيضا تتحدث عن ملمس الورق بشفافية العاشقة، تقول إنها تحب رائحة الكتب القديمة. ما إن تفتح كتاباً، حتى تقفز روائح الماضي العبق إلى روحها، فتنتشي بالرائحة قبل الأفكار.
شخصيا، منذ سنوات لم أعد أستخدم الورق، إلا حين أكون في الطريق أو في سيارة أو في أي مكان عام، فأرغب بتدوين فكرة عابرة قبل أن تفوتني. لكني أطمئن أكثر الى الحاسوب. وأظن أن حال معظم الكتّاب العرب والغربيين هي كذلك. من منا لا يزال متمسكا بالأوراق والأقلام؟
هل ننضم قريبا إلى عالم النوستالجيين، فنفتقد أوراقنا، مهما يكن حجم علاقتنا بها صغيرا؟ هل نقول وداعا لعشق الورق، وداعا للعشق الورقي؟
النهار