الله يحب الغرب أيضاً
زين الشامي
تروي سارة وهي مواطنة عراقية هجرت بلادها إلى الولايات المتحدة لتعيش هناك، مثلها مثل عشرات الآلاف من العراقيين الذين هربوا في حقبة الرئيس السابق صدام حسين وأولئك الذين تركوا العراق بعد الغزو الأميركي في 2003، تروي سارة حكايتها مع مدرسة اللغة الانكليزية إيزابيل التي تعلّم اللغة الانكليزية للعشرات من الوافدين الجدد في إحدى الكنائس بشكل مجاني ودون أي مقابل، وسارة واحدة منهم، كيف أن هذه المدرسة بكت خلال الدرس حين أخبرتها سارة عن الظروف التي كانت تكابدها في العراق قبل مجيئها إلى الولايات المتحدة.
وتقول سارة ان وافدين في الصف الذي تتعلم فيه اللغة في تلك الكنيسة، وهم من الهند وباكستان وتركيا ودول عربية أخرى ومن دول أميركا اللاتينية أيضاً، كان عندهم فضول كبير ليعرفوا الأسباب التي تدفع واحدة مثل معلمتهم إيزابيل لترك بيتها وأسرتها لتعلم الآخرين من ديانات ودول أخرى دون أي مقابل، فكان رد هذه المعلمة بسيطاً جداً وبمنتهى الإنسانية: «ان ديني يأمرني أن أحب كل الناس وأقدم لهم المساعدة التي يحتاجونها دون أن أسال عن أجر ومقابل.»
وتختم سارة حديثها: «المعلمة إيزابيل مثل الوردة، رقيقة جداً، هي أميركية من أصول فرنسية، ليست المدرسة إيزابيل لوحدها، هناك العشرات من المدرسين المتطوعين يعلمّون العرب وغيرهم دون أدنى مقابل».
من ناحيته سعيد وهو مواطن تونسي كان زار أخاه الذي يقيم في إحدى الدول الاوروبية، قال لي مستغرباً: «خلال وجودي هناك لم ينقطع المطر طول أيام الأسبوع، كان يهطل بغزارة، ومرة كنت أدخن سيجارة على شرفة منزل أخي وكان الوقت هو وقت الخريف، كانت الأشجار أمام تلك الشرفة تكتسي بكل الألوان، الأخضر، الأصفر، البرتقالي، الأحمر، الزهري، كنت متمتعاً بهذه اللوحات الجميلة، لكن ما كدّر عليّ نشوتي وسعادتي أني تذكرت بلادنا العربية، وتساءلت لما نفتقد هذه الكميات من الأمطار فيما دول عربية تعاني من الجفاف، ولماذا كل هذه الأشجار الرائعة التي تشعرك كما لو أنك في الجنة فيما التصحر يضرب بلادنا العربية كلها، وقلت أيضاً، طالما نحن مسلمون والكثير منا يتسابق في اظهار درجة تدينه، سواء من خلال اللحية الطويلة أو تكفير الآخرين وغيرها من مظاهر التشدد والمغالاة، تساءلت لمَ يعطيهم الله كل هذا الخير فيما نحن محرمون منه؟». وأضاف سعيد ان شدة الجمال في الغرب يخلق لديه احساساً بالغربة والحسرة والغيرة مقارنة بالقحط الموجود في دولنا العربية على كل المستويات.
من ناحيتها، تقول فاطمة وهي مغربية تعمل طبيبة في دولة غربية: «هنا تكتشف أنك كنت مخدوعاً عندما كنت في بلادك بالأوهام، لا يوجد شيء في بلادنا العربية سوى الكلام والتنظير والادعاء الأجوف، هنا يعملون أكثر، صادقون في كلامهم، في مواعيدهم، في فعل الخير، وعندهم مفهوم التطوع ينتشر في كل مكان فيما نحن لا نعرف شيئاً عن التطوع».
وتضيف فاطمة: «في المدارس والمشافي والجامعات والشركات يوجد متطوعون يطلبون العمل والخدمة دون أي مقابل، وهذا لا يعني أن كل المتطوعين ليسوا في حاجة للمال، لا على العكس، هم بحاجة لكن ولأن فرص حصولهم على عمل أو دخولهم للجامعات تزداد فيما لو مارسوا التطوع في حياتهم، فتراهم يقبلون على التطوع». وتوضح أكثر: «أيضاً هم يفاخرون بإضافة هذه الميزة على السيرة الذاتية التي يتقدمون بها للحصول على العمل، وأرباب العمل أو مسؤولو المدرسة أو الجامعة ينظرون باحترام وتقدير لهؤلاء المتطوعين فيما لو كان عليهم أن يختاروا بين العشرات من المتقدمين للعمل أو الدراسة».
أحمد وهو شاب من جنوب لبنان يختصر حال العرب والغرب في هذا القول: «أهل الغرب قدموا للبشرية جمعاء كل هذه الاختراعات: الكهرباء والهاتف والسينما والتلفزيون والكمبيوتر والانترنت والطائرات والأقمار الصناعية والأجهزة الطبية والبنسلين، ووصلوا إلى القمر والمريخ، وغيرها الآلاف من القصص والاختراعات التي نعيش ونتعالج وننتقل بين الدول بفضلها وبفضل الغرب، أما نحن العرب فاكتشفنا منذ مئات الأعوام رقم الصفر ولم نتجاوزه إلى الآن».
صحيح هو كلام صديقي اللبناني… لكن هل حقاً أن من اكتشف الصفر هو عالم عربي؟
كاتب سوري