الترحيب بالعلاقات السورية التركية والترهيب من العلاقات السورية الإيرانية ؟!
تناول الكتاب والصحفيون مسألة التقارب السوري التركي وتحسن العلاقات بين البلدين بشكل كبير ولافت مستعرضين محاسنه تارة ومتخوفين من عودة النفوذ العثماني – بشكل خفيف جدا – تارة أخرى، لكن المزاج العام متفائل ومشجع لمثل هكذا تقارب وخصوصا على المستوى الشعبي. بينما القيادات العربية ووسائلها الإعلامية ملتزمة الحياد “ الإيجابي ” إزاء هذا التقارب.
بداية لا بد لي من القول أن القيادة السورية محترفة في إدارة علاقتها الإقليمية بطريقة تجعل من سورية قطبا مؤثرا في خريطة الأحداث السياسية يخدمها في ذلك الموقع الإستراتيجي في الخارطة الجيوسياسية للمنطقة والذي فرض على الدوام وجودها حتى عندما تخفق السياسة في ذلك أو عندما تحاول القوى العالمية عزلها.
سورية اليوم تتمتع بعلاقات استراتيجية مع دولتين كبيرتين في المنطقة وهما إيران وتركيا وإن كان ثمن العلاقة الطيبة مع تركيا ثمن غال جدا بدأنا بدفعه منذ نهاية التسعينات بعد التهديد التركي “ بالإطاحة بعالم سورية” على حد تعبير الرئيس التركي آنذاك.
ورغم أن الحديث حول لواء إسكندورون حديث شائك من حيث صوابية ما حصل بين براغماتية السياسة والحق الثابت والأصيل بالأرض المستلبة إلا انه يمكنني القول أن الإنفتاح الإقتصادي بين البلدين وإزالة الحدود بوقت لاحق فيما لو استمرت العلاقة الحسنة باطراد يمكن له من الناحية العملية إعادة اسكندرون بطريقة ما، مثلما استطاعت العولمة الإقتصادية في أوربا إزالة الحدود السياسية بين دولها.
بالتأكيد تركيا هي الرابح الأكبر من هذه العلاقة وبالتأكيد علاقة سورية مع إيران وتركيا لا تجعل منها دولة ذات ثقل نوعي وراجح، فمركز الثقل موزع بين دول الأطراف نظرا لغياب وتهافت الثقل العربي في ظل الخلافات غير المسبوقة التي تحكم العلاقات العربية بعد أن كان في قلب المنطقة العربية، ومع ذلك تبقى علاقة مهمة وضرورية لسورية لأسباب عديدة لست بمقام الحديث عنها الآن.
إلا إن هناك سؤالاً ألح علي وأنا أقرأ وأتابع أصداء تحسن العلاقات السورية التركية على الأنظمة السياسية والإعلام والشارع العام هو:
لماذا كانت العلاقة السورية الإيرانية محلاً للنقد اللاذع والتخوف والرفض الدائم من قبل الجميع بينما العلاقة السورية التركية تحظى بكل هذا الإرتياح لا وبل بالتأييد الشعبي على أقل تقدير؟
وكجواب له أظن أن المسألة متعلقة بأمرين مرتبطين ببعضهما البعض مع اختلاف الأهمية والتأثير بينهما، الأول الطبيعة المذهبية للدولتين، إيران دولة شيعية بينما تركيا دولة سنية وهذا الأمر لم يكن سابقا ذي أهمية لكن حالة الإحتدام الطائفي بعد احتلال العراق ونقلها إلى وسائل الإعلام التي مارست دورا سيئا في تكثيف حضور ثنائية شيعة – سنة بشكل يومي على مسامع الناس بطريقة أيقظت فيهم النزعة الطائفية والخوف من الآخر، فأصبح كل فريق يتحزب لاشعوريا إلى طائفته التي يشعر أنه بأمان معها. هذا العامل هو العامل الأخف تأثيراً.
الثاني وهو الأكثر أهمية فيتمثل بأن إيران دولة ذات أيديولجية وطموحات فاعلة في السعي لمد همينة فعلية على المنطقة العربية تتعدى علاقة قيادة لقيادة لتطال البنية الديموغرافية للشعوب العربية والتعامل المباشر مع تجمعات شعبية أو حزبية داخل دول المنطقة، وهذا الأمر يمثل إخلالا خطيرا بمفهوم علاقة الدول بين بعضها البعض وخرقا لسيادة هذه الدول بالإضافة أن دعم وتقوية تيارات داخل الدولة يهدد الأمن الوطني ويصبح من الصعب على الدولة التحكم بهذه التيارات “ المدعومة ” فتلبس المسألة قضية الصراع الداخلي، تماما كما هو حاصل اليوم في اليمن – دعم الحوثيين* – وفي لبنان – حزب الله وعون** – وفي العراق – عموم الأحزاب الشيعية – فلسطين – حماس – والبحرين والكويت ما يعرف بحزب الله الكويتي والبحريني، حتى الشيعة الذين في السعودية يتلقون الدعم الإيراني، بالإضافة إلى عمليات التشييع السياسي.
كل هذه الأمور – التي تحتاج إلى مقال خاص لتأخذ حقها في التفصيل – تجعل من العلاقة السورية الإيرانية علاقة غير مريحة لكل دول الجوار العربية (مع تحييدي للدور الغربي) . على عكس تركيا التي تسعى إلى مد نفوذها وحضورها ولكن بطريقة التعامل مع القيادات وليس القواعد الشعبية وأيضا على قاعدة المصالح المشتركة والبوابة الإقتصادية.
أظن لو أن إيران تتخلى عن النزعة الأيديولجية وتدخل من باب المصالح المشتركة وتبتعد عن التدخل في الشؤون الداخلية لدول الجوار لما كان هناك أي إشكال أو تخوف من هذه العلاقة. مع التنويه أن العرب كان ولا يزال بإمكانهم إعادة ضبط وتوجيه العلاقات العربية – الإيرانية بما فيه مصلحة الجانبين لو أنهم يحققون الحد الادنى من التوافق في المواقف.
———–
هوامش:
* الأمر المثير للدهشة أن الازمة اليمنية مستمرة منذ أشهر طويلة – جراء الإهمال الحكومي الشديد لمنطقة صعدة والدعم الإيراني للحوثيين من جهة أخرى – والسعودية تقف موقف المتفرج بدون أن تبادر إلى دعم الحكومة اليمنية في القضاء على التمرد، حتى طالتها الأزمة مؤخرا!! وما يجعل الأمر مثيرا للحنق أن الحوثيين ووسائل الإعلام الإيرانية يتهمون السعودية بدعم الجيش اليمني، فيرد اليمنيون والسعوديون بالنفي، كما لو أنها تهمة تستوجب ذلك !! يا للحماقة والغباء!!
الامر الآخر، كيف كانت ستكون ردة فعل إيران لو أن إحدى الدول العربية تدعم الأحوازيين أو البلوش على سبيل المثال ؟
** بات جليا لكل المراقبين أن إيران هي المعطل لتشكيل الحكومة اللبنانية من خلال الجنرال عون وتضامن حزب الله، خصوصا بعد قيام النائب سليمان فرنجية بدور الوساطة – بإيعاز سوري – لتسهيل تشكيل الحكومة، المفاجأة أن الجنرال عون رفض بعد أن وافق فأفضى هذا الأمر إلى زعل واستنكاف سليمان فرنجية وقيام وزيرنا المعلم بزيارة خاطفة إلى طهران لنسمع بعدها ببشائر ولادة الحكومة التي شغلت الناس أكثر من المتنبي نفسه!!
http://www.3bdulsalam.com/