صفحات ثقافيةمحمد ديبو

دردشة “نسوية” مع كاتبات سوريات

null
أوس عباس – محمد ديبو
يتأرجح مصطلح “الكتابة النسوية” بين مدونات النقاد القلائل، وعلى لسان الكتاب والقراء، تائها في تفسيرات متعددة. فبعضهم يميز بينه وبين “أدب الأنثى” المحمول على الضعف والانتكاس واللذة المهجورة، أو بين “الأدب النسائي” الذي تكتبه نساء أكثر ذكورة من الديوك، يحتفين بخروجهن من المقصورات ومقارعة الجنس الآخر. هناك آخرون (وأخريات) لا يلقون بالا لكل هذه التصنيفات أو “الفذلكات” طالما النص كفيل بتقديم نفسه.
القاصة رباب هلال (دوائر الماء والأسماء) تقول أن “الكتابة الأنثوية تقسيم بيولوجي صرف، فكل ما تكتبه المرأة هو أدب أنثوي بالمعني البيولوجي، أما الكتابة النسوية فتخص موضوعا يهجس بقضايا المرأة ويعمل على إخراجها من غياهب التاريخ ”
بهذا المعنى يغدو عشرات الكتاب من الذكور “نسويين” حسب هلال، “فالكتابة النسوية الحقيقية هي كتابة امرأة أو رجل على حدا سواء، كلاهما يحاول التخلص من الكتابة الذكورية السائدة”.
فيما تؤكد الروائية السورية روزا ياسين حسن، على وجود خصوصية للكتابة “النسوية”، اكتسبتها ليس من تقنيات السرد ومعمارية النص، فهذه مسألة لا تحددها الهوية الجنسية للكاتب “وإنما لأن الأنثى تضفي لمستها على كل شيء حتى لو كان أواني الطهو”.
أعترف لروزا ياسين حسن أنني حصل وقرأت كتابا منزوع الغلاف، ولم أتبين جنس كاتبه/كاتبته:
– “هذا استخفاف بالفكرة” تجيب روزا، “فالقضية ليست أدب رجالي أو أدب نسائي وكأنها أصناف أحذية، الأدب نظرة كاملة للكون والحياة والموت والحرب والولادة، والمساحات الداخلية التي تعبرها المرأة في هذه الموضوعات مختلفة عن مساحات الرجل”.
– إذن هناك مواضيع تكتب عنها الأنثى وأخرى يكتب عنها الذكر؟
– “لا أبدا، كلاهما يكتب عن كل شيء، الأدب النسوي لا يعني أن تسجن الكاتبة في نموذج معين.. الكاتبة تستطيع الكتابة عن كل شيء ولكن بقلمها هي وليس بقلم ذكوري مكرس”.
لا تطمع صاحبة “أبنوس” في نيل “وثيقة مساواة” مع أقرانها الكتاب من الذكور، كل ما هنالك أنها تؤكد على الاختلاف والندية بين الطرفين “فالدفاع عن الندية أهم من الحديث عن المساواة وعلينا الاعتراف بأن المرأة تكتب بخصوصية مختلفة عن الرجل دون أن يعني أن هناك تراتبية أو أفضلية في الإبداع”. وتضيف الروائية صاحبة المساهمات النقدية في الكتابة النسوية: “إذا أردت أن أكتب بمنطق الذكر فهذا يعني أني لم أضف شيئا للكتابة”.
الروائية سمر يزبك تقترح حذف مفهوم “الأدب النسوي” كليا من قاموس النقد، “فقد صار مستهلكا وممجوجا و حبذا لو يتوقفون عن تناوله”.
هذه التصنيفات حسب يزبك تشير إلى “نظرة دونية للمرأة” والمصطلح المستخدم “مروض”، والقول أن التبرير الوحيد للنجاح الذي لاقته الكاتبات السوريات مؤخرا، أنهن’ نساء، ويكتبن عن الجنس، قولٌ “نابع من طبيعة مجتمعتنا المغلقة، التي لا تحتمل لا التنوع ولا التعدد”، ومن ثم تتسائل يزبك: “لمَ لا يجري الحديث عن أدب رجالي؟! لم أسمع في حياتي عن دراسة تناولت الجنس في الادب الرجالي”.
وعن الحضور المكثف للجنس لدى الكاتبات، وسعيهن لتجاوز محظورات السرد تقول صاحبة “رائحة القرفة” : النص هو من يقدم نفسه، سواء كان لكاتب أو كاتبة.. أنا أستغرب أن يقال أن المرأة تكتب في الجنس من أجل أن يروج لاسمها.. أشك بذلك، بل على العكس، بمقدور المرأة أن تروج لنفسها عندما تكون وتكتب كما يريد هذا المجتمع الساكن، أو كما يردد عتاة الأخلاق الذين يتكلمون في العلن شيئا وفي السر شيئا آخر..”.
لا تنفي يزبك وجود كاتبات يتعمدن الاحتفاء بالمشهد الجنسي، كما فعل الأدب السعودي القائم على المكاشفة، لكنه ليس خصيصة نسائية حصرية و”هناك كتاب من الرجال والنساء يغرقون النص بالجنس، وهذا خيارهم، إذ أن الكتابة تحمل وجوها متعددة لا مكان لحصرها”.
تبدو لينا هويان الحسن، الروائية الشابة، أكثر الكاتبات حنقا على تعميم استخدام المصطلح. وترى أن “الادب النسوي موجود شئنا ام ابينا، لكن ليس كل ما تكتبه المرأة هو أدب نسوي”.
و تتابع لينا: “هناك أدب متفسخ نابع من الخيبات الشخصية لنساء مقموعات ومكبوتات، لم يستطعن الخروج من واقعهن، كل كاتبة منهن تحمل معها جثة ماضيها ورائها وتدفع القراء لشم رائحته واحدا تلو الآخر.. كانها تقول: انظروا ما الذي حصل معي، انظروا الى سفالة القدر”.
هذا النوع من الأدب ليس “نسويا” حسب لينا، فهو “يقد’م طروحات فجة استوردت من الغرب، بل حتى المجتمع الغربي بدأ يتراجع عنها ويعتبرها لا أخلاقية”.
لكن ، ما علاقة الأدب النسوي بالأخلاق؟ وما شأن الغرب في ذلك؟! فترد’:
– “لا يجوز برأيي أن أستورد تجربة السرياليين وصعلكتهم، ثم أضعها في حي ساروجا الدمشقي، لماذا لا يكون لدينا ثوراتنا وحركاتنا النسوية الخاصة بنا.. هناك فرق بين أن تمشي بالحب إلى أقصى حد وبين أن تكون رخيصا.. ثم تسمي ذلك تمردا..”.
وتكمل لينا: “أنا لست ضد الايروسية بالكتابة عندما تقدم من خلال تجربة صحيحة تعبر برقي’ عن هذا الشيء.. أما عندما تكتب إحدى الكاتبات وكأنها آتية الآن من شاطئ العراة، وهي تتحدث عن تجربة لم تعشها، وتروج للخيانة ولأخلاقيات قبيحة وإباحية، ثم تسمي هذا أدبا نسويا، سيخرج النص مفتعلا وخالٍ من المصداقية ومليء بالتهويمات والفبركات.. وبالمناسبة يقدم الأدباء الرجال المديح المبالغ به في وجه الأديبة ويصفونها بالمتمردة، ثم وبعد مغادرتها، توصف بأوصاف سوقية تماما.. لقد غر’ر بهن باختصار.. وأنا فرحة لأنهن يقفن الآن في مكانهن ولا يقدمن شيئا “.
المفارقات والتقاطعات في اجوبة الاديبات السوريات، في ظل غياب اداة قياس نقدية واضحة، لمعرفة اكثر الآراء اقترابا من الصحة، واكثرهم قابلية للتعميم، اذا كان لابد من ذلك، يدفع لطرح سؤال من زاوية أخرى:

هل لتأرجح مصطلح ” الكتابة النسوية” معنى حقيقي، بمعنى انه خلق اشكالية فكرية على الأرض يتم الحديث عنها في وسط ثقافي معني بالامر حقيقة؟
احدى الكاتبات – تنتمي الى نفس الجيل- رفضت الخوض في تفاصيل الموضوع كليا، كما رفضت ذكر اسمها، في تحقيق يثير نقاطا تقليدية و”معلوكة” ولاوجود لها اصلا الا في مخيلة البعض، حيث قالت بلهجة حادة لاتخلو من السخرية: “عن ماذا يتم الحديث؟ نحن نخلق لأنفسنا معارك وهمية.. ونتصارع في ساحة ضيقة للادب السوري تحديدا، عابروها الف اوالفي قارئ في احسن الاحوال، وربما هم الكتاب والكاتبات وبعض معارفهم واقربائهم.. فالشارع لا يقرأ، وكل ما يقال فضفاض على التجربة المعاشة في الوسط الثقافي، وآت من الفراغ”.
شوكوماكو

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى