القضاء السوري يجعل طفلة … عبرة مرتين!
دمشق – بيسان البني
«ملكة من ملوك العرب تتصف بلونها الجزراوي، لون الحنطة التي تعطي للناس الخير والعطاء، قلبك الصافي بلون غيوم السماء البيض»… بهذه الكلمات وصفت زهرة، الطالبة في المرحلة الإعدادية، مشاعرها تجاه إحدى سيدات الجمعية الوطنية لتطوير دور المرأة، والتي تشرف على إدارة معهد تأهيل الفتيات في دمشق، حيث كانت زهرة تعيش.
بدأت قصة الصغيرة زهرة عزّو، التي ولدت عام 1990 في محافظة الحسكة (شمال سورية) في أسرة مؤلفة من أحد عشر شخصاً، منذ عامين حين تعرضت للاختطاف والاغتصاب في المحافظة على يد أحد أصدقاء العائلة. عوقب المجرم الذي اختطفها وأغواها بالسجن، بينما قضت هي حريتها هاربة من غسل عار لم تقترفه! هربت من ملاحقة أهلها الذين أرادوا إنقاذ شرفهم بقتل الفتاة البريئة التي لم ترتكب أي ذنب سوى أنها كانت ضحية اختطاف غادر.
لجأت زهرة إلى معهد رعاية الفتيات حيث لقيت الرعاية والاهتمام، وثابرت باجتهاد على حضور الحلقات الدراسية. وأظهرت موهبة في الرسم وكتابة الخواطر. تعرضت الفتاة خلال الأشهر التسعة التي قضتها في المعهد لمحاولتي قتل واحدة على يد أخيها الحانق والأخرى على يد عمها. وفي المرتين، تمكن كادر الجمعية من حماية زهرة من الذبح.
أخذت الجمعية على عاتقها مهمة الحفاظ على حياة الطفلة التي كانت ضحية اختطاف واغتصاب ومن ثم حنق عائلة تريد دمها ثمناً للشرف فاستطاعت أن تجبر والد زهرة على كتابة تعهد قانوني بعدم التعرض للفتاة وبالفعل شهد القانون على حماية زهرة.
لم يثق ببراءة زهرة من عائلتها سوى خالتها وابن خالتها اللذين كانا يزورانها في المعهد، وسرعان ما نشأت علاقة حب بين الفتاة وابن خالتها وقررا أن يتزوجا ويواجها معاً خطر الموت ثمناً لشرف العائلة الضائع.
يداً بيد، ثابرت الجمعية وخالة زهرة وابنها على محاولة تحسين الوضع مع أهل الفتاة وبدأت الأمور تتغير شيئاً فشيئاً، عقد قران زهرة على ابن خالها بحضور أهلها وحتى أخيها الذي سبق له وأن حاول قتلها «بساطور». ولكن لا، لم تحظ زهرة بالنهاية السعيدة كما في روايات الخيال. لم تعش مع زوجها بسبات ونبات، بل وبعد شهر فقط من الزواج وبعد أن اطمأنت القلوب لنيات الأهل، حلت الكارثة على يد الأخ الذي انتظر فرصة خروج زوج زهرة من البيت وأفرغ كل الحنق الذي سببه تحريض مجتمع يجد في أمثال هذه الضحية تلويثاً للشرف، أفرغ الأخ حقده بأربع طعنات قاتلة وهرب!
لم يتمكن الأطباء من إنقاذ الفتاة الصغيرة وتوفيت زهرة صباح يوم 22/1/2007، عن 16 عشر ربيعاً، واعترف المجرم:
«حضرت من الحسكة إلى دمشق لأبحث عن شقيقتي زهرة التي خطفت… بدأت أسمع من الناس كلاماً يمس كرامتي وشرفي، اشتريت «موسى كبّاس» من أحد المحال. تأكدت أن لا أحد في بيتها فدخلت إلى غرفتها حيث كانت نائمة. فتحت سكين الكباس ووضعتها على عنقها. حاولت ذبحها فبدأت الدماء تنزف، كنت أضع رجلي على رأسها، وأثناء صراخها انهلت عليها بالضرب بالسكين على كل أنحاء جسمها وهربت».
اعترف القاتل وبدأ مشوار جمعية تطوير دور المرأة وزوج الضحية لخوض غمار دعوى قضائية ادعى فيها الزوج شخصياً على الأخ وتبرعت المحامية السيدة مها العلي، إحدى المحاميات في الجمعية، بتولي الدفاع عن الضحية، بذل الجميع جهودهم بشرف لا مثيل له عسى أن يحق الحق وترتاح روح الصغيرة في قبرها، عسى أن يكون المجرم ولأول مرة عبرة لمن اعتبر فيشكل عقابه رادعاً يوقف سيل نزيف شرف الفتيات عن جريانه.
وفعلاً أكد قاضي التحقيق، في البداية، أن أوراق الدعوى والتحقيقات الجارية مع الأخ تثبت ذبح القاتل شقيقته وطعنها في صدرها طعنات عدة، وأنه حضر إلى دمشق خصيصاً من أجل قتلها. فاشترى سكيناً وسرق مفتاح شقتها ونسخه لأجل تنفيذ جريمته. وتحين الفرصة حين غادر زوجها المنزل ليخلو له الجو فيرتكب جريمته.
وأكد قاضي التحقيق أن ذلك يعني توافر عنصري التصميم المسبق على القتل وتهيئة الأداة القاتلة، وبالتالي ينفي عن القاتل وقوعه تحت تأثير عاطفة الدافع الشريف، وخلص قاضي التحقيق صراحة، كما تثبت وقائع الدعوى، إلى أن «كل ذلك ينفي عن فعل المدعى عليه الدافع الشريف ويجعل من فعلته جناية القتل العمد وفق المادة 535 عقوبات عامة ويوجب المساءلة وفقها…». وجاء تقدير قاضي الإحالة مماثلاً، فقد أكد أيضاً نية التصميم على القتل لدى القاتل، ما يقتضي مساءلته بجناية القتل عمداً.
من جانب آخر، خاض محامو الأخ القاتل معركتهم بطريقة مختلفة وبذريعة الشرف، محاولين إثبات أن القتل في هذه الدعوى كان قصداً ولكن بدافع شريف مما يستوجب تخفيف العقوبة بحسب المادة 192 من قانون العقوبات السوري.
للأسف وبعد عامين من النضال الشاق في 29/10/2009 قررت محكمة الجنايات الثانية في ريف دمشق طعن زهرة مرة خامسة وذلك عندما جاء الحكم بـ 3 سنوات سجناً للقاتل، تخفض لذريعة «الدافع الشريف» إلى سنتين ونصف السنة وبالتالي إخلاء سبيله فوراً لأنه كان أمضى أصلاً هذه الفترة في التوقيف!
جاء القرار النهائي صفعة مؤلمة لمحامية زهرة وزوجها ولكل من وقف عند قوس المحكمة في انتظار عدالة غابت، وأيضاً لكل من ينادي بحقوق حضارية للمرأة السورية، جاء الحكم مدافعاً عن كل محرض على القتل وجد في هذه الفتاة البريئة التي كانت عبرة مرتين، شرفاً ضائعاً!
آثر الجميع التحرك ضد هذا الاستفزاز المباشر، ولم يدخل اليأس إلى قلوب المهتمين على رغم الاحباطات المتكررة على مدى سنوات، بقيت روح زهرة ورسومها الظريفة وكتابتها المؤثرة وأيضاً دماء مثيلاتها من الضحايا « دافعاً شريفاً» يحفز الجميع من جمعيات أهلية، محامين، فنانين ومهتمين للنهوض مجدداً إلى تحرك جديد. قديم قدم ذرائع الشرف في مجتمعاتنا، تحرك تتضافر فيه كل الجهود لإطلاق الصرخات عالية.
اليوم تستمر محامية الضحية في النضال لنقض الحكم وإعادة تجريم القاتل على أساس القتل العمد المكتمل العناصر، اليوم تتعاون الجمعية الوطنية لتطوير دور المرأة مع موقع الفنانة يارا صبري وإذاعة «أرابيسك» في سورية لإطلاق حملة إعلامية ضد هذا الدافع المسمى شريفاً بالقانون، اليوم يدعو موقع نساء سورية وهو مرصد الكتروني حر مهتم بقضايا المرأة، الجميع الى تبني يوم الحكم الأسود بالدعوى يوم 29/10/2009 كيوم عالمي للتضامن مع ضحايا جرائم الشرف، اليوم تعلو أصوات الفنانين والإعلاميين والقانونيين وجميع المهتمين والمهتمات، تعلو أصوات صديقات زهرة وخالتها وزوجها وكل محبيها، تعلو فوق الموت علها تمكن فتاة أخرى ولدت في مكان ما من سورية من أن تكمل رسم لوحتها الجميلة.
الحياة