المازوت والجندر …مرة أخرى
د. مية الرحبي
في غمرة انشغالنا بمشروع قانون الأحوال الشخصية الجديد المعدل، يمر من تحت أنوفنا اليوم، كما مر قبل سنة من الآن، إقرار مجلس الشعب في جلسته التي عقدها مساء أمس برئاسة الدكتور محمود الأبرش رئيس المجلس مشروع قانون توزيع مبلغ الدعم النقدي لمادة المازوت لمستحقيه( كما ورد في صحيفة تشرين اليوم)، والذي يستثني كل من لايحمل بطاقة عائلية اي عشرات الألوف من النساء الأرامل والمطلقات والوحيدات، اللاتي يعشن في منازل مستقلة، ويتكفلن وحدهن على الغالب بتأمين نفقاتهن، ونفقات أطفالهن، ومن بينها تدفئة بيوتهن، هؤلاء النسوة اللاتي لايعتبرن فقط مواطنات من الدرجة العاشرة، بل لا يعتبرن مواطنات أصلا.
ويطرح ذلك من جديد قضية أثارتها الناشطات المدافعات عن حقوق المرأة منذ عام مضى، دون أن تلقى بالطبع أذنا صاغية، وتعود بالأساس إلى عدم الاعتراف بحقوق المواطنة للمرأة، في ظل عدم وجود صحيفة مدنية مستقلة، ووجود القوانيين التمييزية ضدها، المجحفة بحقها.
فالمرأة مهما كان مركزها الاجتماعي حتى ولو كانت نائبة لرئيس الجمهورية أو وزيرة أو نائبة في مجلس الشعب، هي كائن ملحق، ملحق بالعائلة أو ملحق بالزوج، تنتقل من خانة العائلة إلى خانة الزوج، فإذا تطلقت، عليها أن تعود إلى خانة عائلتها حتى لو كانت تعيش في مدينة أخرى.
ربما لم تثر تلك القضية ما تستحق من الاهتمام لأن الضرر كان معنويا فقط، فهو يرسخ فكرة أن المرأة ليست كائنا مستقلا ومواطنا كامل الحقوق والواجبات، لأنها لابد ان تبحث دوما عن خانة تلتحق بها، دون أن يكون لها الحق بخانة مدنية مستقلة. إلا أن موضوعا كموضوع دعم مادة المازوت يثير جانبا آخر من المشكلة.
فالمشكلة التي طرحت ولا زالت تطرح نفسها بقوة، كيف ستتدفأ عشرات وربما مئات الآف من الأرامل والمطلقات اللاتي يعشن في بيت مستقل ومسؤولات في أغلب الأحوال عن إعالة أبنائهن، ألا يكفيهن كل الاجحاف الذي يتعرضن له بتخصيص نفقة تافهة يدفعها الأب للأطفال الذين يتولين تربيتهم ورعايتهم، والتي لاتكفي ثمن خبزهم كفاف يومهم، فالمطلوب منهن الآن شراء المازوت بسعر غير مدعوم كي يؤمنّ الدفء لهن ولأطفالهن، ثم ما مصير عشرات وربما مئات الألوف من النساء العازبات اللاتي يعشن لوحدهن في بيوت مستقلة بعد وفاة الوالدين وتزوج الأخوة، وهؤلاء النسوة غالبا ما يكن مسؤولات عن أخت مريضة او اخ عاجز يلقي بهما الأخوة المتزوجون على أكتاف الأخت العازبة، هؤلاء النسوة يدفعن ثمن المازوت مثلهن مثل اي عائلة، ومن حقهن أن يتدفأن مثلهن مثل اي مواطن في هذا البلد، ام أن الدفء بات ايضا حكرا على البعض دون الآخر كالصحة والتعليم و….
لقد حاول المسؤولون بعد مطالباتنا في العام الماضي تدارك ذلك بإجراءات ترقيعية، كأن وضعت استثناءات للأرملة إذا كان لديها أولاد، أو اشترط عليها مراجعة المحافظة لتقديم شكوى وشرح وضعها والتأكد من إمكانياتها المادية المتواضعة.
ولكن ذلك لايرد في مشروع القانون الذي أقر الان، والذي اشترط بشكل جازم وجود البطاقة العائلية.
والحقيقة أن حل هذه المشكلة وكثير من المشاكل الأخرى التي يفرزها الواقع الاقتصادي الاجتماعي الحالي، لن يتم إلا بوجود صحيفة مدنية مستقلة للمرأة، وتعديل القوانين التمييزية المجحفة بحقها، بما يتناسب مع تطور المجتمع والمكانة التي وصلت إليها المرأة في سورية، والتي سمحت بعيشها المستقل، وجعلتها مسؤولة عن تربية وتنشئة أولادها بمفردها.
لن تفيد الحلول الترقيعية والاستثناءات التي سيحاول بها المسؤولون تدارك الخلل في القانون، بعد ان يكتشفوا متأخرين، كما دوما، أن القانون الذي أصدروه، لم يشمل جميع شرائح المجتمع السوري، وتناقض بالتالي مع دستور الجمهورية العربية السورية الذي يساوي بين جميع المواطنين على اختلاف جنسهم وعرقهم ودينهم.
نحن نعلم أن المطالبة بصحيفة مدنية مستقلة للمرأة أمر سيتطلب وقتا طويلا، وهو من المطالب التي نعرف للأسف أننا سننتظر سنوات طويلة لتحقيقها، مثله مثل جميع المطالب الأخرى بتعديل القوانين والأنظمة النافذة المجحفة بحق المرأة.
لذا فإننا نطالب بأن يتم إنصاف الشرائح المذكورة من المواطنات، اللاتي من حقهن أن يتدفأن، هن وأطفالهن، كما من حقهن ان يتمتعن بكل ما يؤمن لهن حياة حرة كريمة، هن وجميع المواطنين في هذا البلد.
كلنا شركاء