كمــا أرغــب أن أكــون
رشا عمران
لم يأت إلى الصالة أحد
المقاعد فارغة من شاغليها
و الخشبة كما لو أنها بلاط مقبرة قديمة
لا شيء في الصالة غير الفراغ
وغير ترجيع خافت لأصوات الممثلين
أو ترجيع اصطدام الأكف الصاخب في مشهد النهاية
لم يعد يأت إلى الصالة أحد
ها أنا أمسح خشبة المسرح بما تبقى من ثوبي
كعادتي كل يوم
منذ أن عدت من موتي المفروض كي أغير الدور الذي لم أحبه يوماً
منذ أربعة قرون وأنا أمسح خشبة المسرح والمقاعد والجدران والستارة
ثم أقف مزهوة بعريي الكامل
بقوامي المترهل كواحدة من نساء المواخير
بشعري المنكوش كالمشعوذات
بعيني المكحلتين بالكره
بحقدي الثقيل الذي لن ينتهي
بصراخي الذي يبحث بلا جدوى عن آذان صاغية
بأظافري التي ستخدش حدتها رياء تعاطفكم
بكأس مروقي العتيق
كأسي الذي سيخذلكم كل يوم
وسيجرح كل يوم أعينكم تماماً كما يفعل السراب
سيصدمكم ما أنا به من الغضب
ستهلعون حين تدركون أنني لست اوفيليا التي تعرفون
لست بيضاء ولا طيبة
لست من تثقل خطايا الحب كاهل رقتها لتنتحر
ولا أنا مرآة مخيلتكم عن نسائكم
أنا أوفيليا التي أحب أكون
اكتشفني شكسبير في ماخور انكليزي
و حين ملَّ مني
ألبسني ثوب الأميرات
و أهداني لهاملت
ولأنني تعلمت الرضوخ في الماخور صمت طيلة ذلك الوقت عن آثامه
كنت أعرف أنه يشتهي جيرترود
وأنه قاتل عمه ليحظى بالعسل الذي قتل أباه
ولكي تنهش أفعى الغيرة لحم أمه جعلني حبيبته
لكن فراش جيرترود تحصن بشهواتها وابتعد عنه
وحين ادّعى جنونه أغرقني في النهر واخترع موت أمه ليعلن تطهره الكاذب .
غير أنني عدت من موتي التراجيدي
لأفضح رومانسيتكم المبتذلة
ولأنفض عني ملل القصة الزائفة
وها أنا ذا منذ مئات السنين
أجهز المسرح كل يوم بانتظار قدومكم
ثم أقف على الخشبة بعريي الصريح
بالحقيقة التي معي
بالفضيحة الكاملة
لكنكم كل يوم منذ مئات السنين
تخبـــئون الفضــيحة فــي جــيوبكم ثــم تقذفــونــــها فـــي أول نـــهر تصــادفــونه
شاهرين أصابع تطهركم
حين تمرون من أمام المسرح
مشيحين بأبصاركم عني .
(شاعرة سورية)
النهار الثقافي