عندما تصمت الصحيفة عن سجن أحد صحافييها
زين الشامي
منذ أيام قرأنا على بعض المواقع الالكترونية أن السلطات الأمنية في سورية اعتقلت الصحافي معن العاقل الذي يعمل في صحيفة حكومية، وبكل صراحة لم يكن في هذا الخبر من جديد فنحن تعودنا على مثل هذه الأخبار «التي ترفع الرأس»، لكن ما كان لافتاً أن الصحافي المعتقل هو صحافي يعمل في صحيفة رسمية، وما كان لافتاً أكثر هو أن زميل هذا الصحافي، وبعد أن أصبح مسؤولاً، راح يبرر عملية اعتقال زميله؟
في هذا الصدد، نود أن نورد بعض الملاحظات على ما حصل كوننا ننتمي إلى هذه المهنة وليس لأي سبب آخر: بعكس كل دول العالم سواء منها الدول المتقدمة والديموقراطية أو دول العالم النامي، وفقط في بعض دولنا العربية، يمكن لأجهزة الأمن أن تعتقل صحافياً من مكاتب الصحيفة التي يعمل بها دون أن تتجرأ هذه الصحيفة على فعل شيء أو مجرد الإشارة إلى عملية الاعتقال ولو من خلال خبر صغير في صفحة داخلية.
أما الأغرب في كل ذلك فهو أن تقوم الأجهزة الأمنية باعتقال الصحافي من مكتب مدير عام الصحيفة نفسها بعد أن يتم استدراجه إلى المكتب ثم ليتم تسليمه إلى الدورية الأمنية التي أتت لاعتقاله. أما الأكثر غرابة فهو أن يكون هذا الصحافي يعمل لصحيفة رسمية وحكومية، ومن خلالها يتم سوقه إلى الأقبية الظلماء على مرأى من المدير والزملاء الصحافيين دون أن ينبسوا ولو ببنت شفة؟ بعكس كل دول العالم حيث ان الغاية من وجود «اتحاد الصحافيين»، أو النقابة، هي الدفاع عن حقوق الصحافيين، فإن «اتحاداتنا»، عفواً، بعض اتحاداتنا ونقاباتنا، تدفن رأسها في الرمل، حين تعرض أحد صحافييها للاعتقال أو السجن ولا تتجرأ أن تصدر ولو بيان تضامن متواضعا، لا بل إن الطامة الكبرى هي أن يخرج مدير، أو مسؤول من هذا الاتحاد ليبرر الاعتقال والسجن، أما المأساة الكبرى فهي أن هذا «المدير أو المسؤول» هو نفسه من كان يوماً «زميلاً» لهذا الصحافي المعتقل حين كانا يتقاسمان الغرف والمكاتب نفسها في مبنى الصحيفة، ويحتسيان القهوة والشاي في «الكافيتيريا» التي تقع في آخر دور من مبنى الصحيفة.
يقول هذا الزميل السابق والذي أصبح لاحقاً أحد المسؤولين في اتحاد الصحافيين السوريين محاولاً أن يبرر اعتقال «زميله» السابق: «أنه ليس معتقلاً لكونه صحافياً بل لتهمة جنائية. وأنه لم يفصل من عمله بل سيتم كف يده عن العمل»!
ما هذا الزمن الذي ينقلب فيه الصديق وزميل مهنة المتاعب إلى مسؤول يتحدث عن اعتقال زميله بكل برودة وحيادية وكأنه يتحدث عن مجرم، أو حرام، أو مرتش رغم أنه يعرف في قرارة نفسه أن ليس هناك أي دوافع «جنائية»، ويعرف أن زميله «السابق» لم يقترف سوى «جرم» الكتابة والتحقيق الصحافي؟
حسناً، دعونا نصدق ما قاله الزميل «المسؤول» عن زميله «الصحافي المعتقل» ونوافقه أن هناك «أسباب جنائية» وراء الاعتقال، لكن شرط أن يقول ويشرح ما هذه الأسبابا الجنائية، لأن كل ما نعرفه أن الدورية الأمنية التي سحبت الصحافي من مقر عمله، قامت بمصادرة كل الأوراق والتسجيلات التي بحوزته حول التحقيق الأخير الذي كان يعده عن الصناعة الدوائية في سورية، وقبل ذلك نشر في مجلة خاصة تحقيقاً في غاية الأهمية عن إحدى ضواحي دمشق حيث ينتشر الفقر والبؤس وتعيش شرائح من مجتمعنا في مستوى لا يمكن تخيله في أفقر الدول الأفريقية وأشدها بؤساً.
ثم ومن ناحية ثانية، أليس من المعيب بعد أن تعلمنا كل ما تعلمناه عن المهنة وأخلاق المهنة، أليس معيباً أن يصمت جميع الصحافيين في سورية عن سجن زميل لهم، ويصلوا إلى مرحلة سدّ آذانهم بالطين حين محاولة شخص ما الحديث عما حصل، هل يعقل أن تنحدر العلاقات المهنية، والإنسانية، والاجتماعية إلى هذا المستوى بحيث لا يكلف أحد ما من هؤلاء نفسه عناء الاتصال الهاتفي ببيت وأسرة هذا الصحافي والتعبير عن تضامنهم معه في هذه المحنة، ماذا فعل واقترف هذا الصحافي سوى كتابة تحقيقات صحافية عن معاناة الناس وبؤسهم؟
هذا الصحافي ورغم أنه يعمل في صحيفة حكومية فقد كتب الكثير من التحقيقات المهمة التي تتعلق بمصالح الناس، والمصالح العامة للدولة، لكن رغم كل ذلك هو يقبع وحيداً دون أن يتجرأ صحافي، أو صديق على التعبير عن تضامنه معه.
في شهر رمضان الماضي عرضت الكثير من القنوات الفضائية العربية مسلسلاً سورياً اسمه «زمن العار»، هذا المسلسل لفت النظر إليه كثيراً لما كشفه من انحدار أخلاقي وصلت إليه بعض شرائح مجتمعنا، صمت الصحافيين السوريين عن اعتقال زميلهم ليس أبداً خارج هذا الانحدار.
الراي