وأخيراً: مطلوب من كل السوريين (ورقة فقر حال جماعية)
غالب مارديني
صارت قضية المازوت في سورية مثل قصة الشيطان. تقول الأوساط المقربة من الحكومة السورية أن عملية توزيع دفاتر المازوت في السنة الماضية قد فشلت فشلاً ذريعا،وأنه قد جرى تزوير وسرقة كمية كبيرة منها، وأدى ذلك إلى تكبيد خزينة الدولة أموالاً طائلة.
ويبدو أن حكومة ناجي العطري قد صممت ألا تكون ضحية للسرقة والتزوير مرة أخرى؟؟.. فقررت هذا العام استبدال الدفاتر بتعويض نقدي لدعم المازوت، قدره عشرة آلاف ليرة سورية توزع على دفعتين، في كل مرة خمسة آلاف. ومن أجل ذلك ارتأت ألا يقدم الدعم إلى كل العائلات السورية، وإنما إلى العائلات المستحقة لهذا الدعم المازوتي؟؟
طبعاً ليس غريباً أن يكون قد جرى في العام الماضي تلاعب في توزيع دفاتر المازوت، أو سرق جزء منها في جو الفساد الطاغي على البلد. لكن الحكومة الغيورة على أموال البلد لم توضح في إعلامها الكيفية التي سرقت أو زورت بها الدفاتر؟؟ ولم تحدد مسؤولية اللجان التي شكلتها الحكومة خصيصاً لتوزيع الدفاتر. ولذلك فهي لم تُجرِ محاكمات لهؤلاء المزورين واللصوص، لأن المحاكمات لا تجري في سورية إلا للناشطين السياسيين والحقوقيين ودعاة حقوق الإنسان.
حكومتنا العتيدة، واقعة في (حَيْصٍ وبَيْصْ). فهي منهمكة في إيجاد الطريقة التي تحدد من هم المحتاجون والمستحقون للدعم المازوتي النقدي. وقد تفتق ذهنها عن ضرورة تنظيم استمارة عائلية فيها رزمة شروط، تتيح للعائلة استحقاق هذا الدعم أو عدمه. ولقد أخذت مناقشة ودراسة هذه الرزمة من الشروط ردحاً طويلاً من الزمن.
في البداية كانت شروط الدعم أن يكون مجموع دخل العائلة أقل من300 ألف ليرة سورية في العام، وأن لا يكون لديها سيارة خاصة سعة محركها 1600 أو أكثر، وأن لا يكون لديها بيتاً آخرغير الذي تسكن فيه. وأن لاتتجاوز فاتورة الكهرباء 2000 ليرة سورية، وكذلك يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار فواتير الهاتف الأرضي والخليوي وفواتير المياه. ولكن في جولة أخرى من النقاش، جرى بعض التعديل على شرط دخل العائلة فصار المبلغ 400 ألف ليرة سورية سنويا، وأما شرط السيارة فأيضاً عُدِّلَ وأصبحت أي سيارة خاصة تملكها العائلة بغض النظر عن سعتها، تشكل (فيتو) على استحقاق الدعم المازوتي، وبقي شرط عدم تملك البيت الآخر، وألا تزيد الفواتير عن 4500 ل.س شهرياً.
وها قد صرنا الآن في أواخر تشرين الثاني، وكما يقال البرد القارس صار على الأبواب، ولكن يبدو أن مجلس وزرائنا العتيد لا يزال منهمكاً في دراسة شروط (استمارة فقر الحال)، وليس هنالك من أخبار متى سينتهي منها، في كانون الثاني أم شباط أم أذار أم نيسان؟ الله أعلم!
وفي كل الأحوال ينتظر المواطن (حيصٌ وبيصٌ) آخر. فشروط الاستمارة تحتاج لأوراق ثبوتية لتحديد الدخل، ولوثيقة من وزارة النقل تثبت عدم ملكية أية سيارة، ووثيقة من السجل العقاري تثبت عدم ملكية بيت آخر. وربما الأمر سيحتاج من مؤسسات الكهرباء ومؤسسة عين الفيجة والهاتف، إلى بيانات للمتوسط الشهري لفواتير الكهرباء والماء والهاتف، وربما ستحتاج الاستمارة إلى أوراق أخرى ليس من السهل الحصول عليها. ولا نعرف كم سيكلف استخراج هذه الأوراق الثبوتية من الجهد والوقت و(إكراميات للموظفين)؟
وبعد تنظيم الاستمارات يأتي دور دراستها وإثبات صدقية استبيانات المواطنين وفق الشروط التي وضعتها الحكومة. وسوف يتم تشكيل اللجان التي ستقوم بدراسة الاستمارات. وسينتظر المواطنون دراستها وإعلان نتائج مستحقي المازوت المدعوم.. كل رحلة العذاب هذه هي من أجل 200 دولار تدفع على دفعتين..
وفي النهاية علينا أن نسأل الحكومة فيما إذا كانت قادرة في تجربتها الجديدة على منع الفساد في داخل اللجان التي ستقرر من هو المستحق للدعم المازوتي وغير المستحق له؟ نحن نشك في ذلك.
ونحن نستغرب أن تلجأ الحكومة لتنظيم هذه الاستمارة في الوقت الذي انخفضت فيه أسعار النفط في العالم إلى النصف!! وهل يا ترى هذه الاستمارة من برنامج التحديث والتطوير والإصلاح الإداري؟ أم هي شكل جديد من أشكال إذلال شعبنا؟؟..
موقع الرأي