صفحات الناس

منع السفر الظالم في سورية

null
معهد صحافة السلم والحرب
لقد كانت رسالة ضابط الأمن السوري صادمة فعلاً، لأنه كان لديَّ فعلياً فيزا أوروبية في جواز سفري، لقد قال لي: “أنت ممنوع من السفر”.
في السنوات الأخيرة، قامت السلطات السورية بتصعيد الإجراءات العقابية ضد النشطاء. بالإضافة إلى التخويف والسجن، قام المسئولون بمنع ما يزيد عن 400 ناشط في مجال حقوق الإنسان والمعارضة السياسية والصحفيين والمثقفين من السفر.
إن هذه التصرف القاسي يستخدم في العادة من أجل منع السوريين من المشاركة في اجتماعات ومؤتمرات في الخارج، وذلك بحسب دراسة أصدرها مؤخراً المركز السوري للإعلام وحرية التعبير وهو منظمة غير حكومية.
إن الدستور السوري يضمن حق الأفراد في التنقل بحرية داخل وخارج البلاد. قانونياً، فإن أمر المحكمة وحده هو الذي يستطيع منع المواطن من السفر لأسباب تتعلق بشبه جرمية أو قضايا مالية.
للأسف، فإن اليد العليا الآن هي للأجهزة الأمنية الكثيرة الموجودة في سورية. إن بإمكانهم أن يقرروا وضع بعضنا خلف القضبان ويحجزوا البقية في البلاد التي تعتبر سجناً كبيراً مفتوحاً.
العديد من أصدقائي منعوا من السفر، ما أدى إلى ترتب آثار مأساوية على هذا المنع. لقد توفي فارس مراد الذي قضى 29 سنة في السجن كسجين للرأي في شهر مارس بسبب المرض بعد أن رفضت السلطات السماح له بتلقي العلاج في الخارج.
وهناك ناشط آخر لا يستطيع السفر من أجل زيارة زوجته وأطفاله الذين يعيشون في أوروبا.
في المرة الأولى التي عرفت فيها أن حرية التنقل ممنوعة كانت عندما حاولت السفر إلى الجارة لبنان قبل عدة سنوات مضت من أجل المشاركة في حدث نظم من قبل مجموعة حقوقية مدنية.
عندما قدمت أوراقي الثبوتية الخاصة بي إلى الضابط المسئول، صرخ في وجهي وأخبرني أن أتبعه إلى مكتب الإدارة.
لقد اعتقدت أنهم سوف يلقونني في الحبس. وقد بدأ الضابط يغمرني بسيل من الأسئلة: هل أديت خدمتك العسكرية؟ هل لديك مشاكل مع الأمن؟ هل أنت مجرم؟
ولكن الأمور اتضحت تماماً لي أنه وكحال العديد من زملائي في حركة الحقوق المدنية فإنني ممنوع من السفر.
لقد أخبرت بأنني بحاجة إلى موافقة من فرع معين من فروع الأمن قبل أن أستطيع السفر. لقد تساورتني مشاعر مختلفة وأنا أستعيد أوراقي الثبوتية؛ على الأقل لم يضعوني في السجن.
في وقت لاحق حاولت استخدام اتصالاتي وأصدقائي من أجل مناشدة السلطات أن تسمح لي بالسفر لمرة واحدة فقط. لقد كنت حزيناً جداً بسبب إضاعتي الفرصة تلو الأخرى من أجل المشاركة في المؤتمرات والدورات التدريبية في أوروبا وفي دول عربية أخرى.
في كل مرة أذهب فيها إلى مكتب الأمن من أجل معرفة ما إذا كان منع السفر قد زال عني، أخشى أن لا يدعوني أخرج منه.
إن ساعات الاستجواب الطويلة قد أرهقتني. إن أسئلتهم كانت مكررة في بعض الأحيان وبعضها كانت غبية حتى: لماذا تريد أن تسافر؟ هل ستقابل أحداً من المعارضة؟ هل ستعود؟ وأحاول دائماً أن أحتفظ بهدوئي وإعطاء إجابات متزنة.
لقد قابلت جميع أشكال ضباط الأمن. بعضهم كان لطيفاً نسبياً بينما كان الآخرون قساة. بعض المسئولين هزوا رؤوسهم وبعضهم اتهموني بالكذب وهددوا بوضعي في الحبس.
إن فكرة التخلي عن نشاطاتي السياسية خطرت ببالي  ولكنني لم أفكر حقاً في ترك النضال.
لم يخبرونني أبداً لماذا أمنع من السفر ولكن وكما هو مألوف بالنسبة لضباط الأمن السوريين، فقد حاولوا إغرائي من أجل أن أصبح مخبراً. إن فكرة خيانة أسرتي وأصدقائي كانت أمراً مستبعداً تماماً. لن أتعاون معهم أبداً.
بمساعدة أحد الأصدقاء، تقدمت مؤخراً للحصول على منحة دراسية قيمة في أوروبا، محاولاً تجاهل منعي من السفر.
لقد حصلت على المنحة وقد أعطتني الدولة التي سأدرس فيها التأشيرة ولكن رد السلطات السورية أنهى أحلامي المرة تلو الأخرى.
إن فكرة السفر ولو للحظة، ينسيني عنف مسئولي الأمن والخوف من التحقيق والسجن الانفرادي، وهو يعني الأمر الكثير بالنسبة لي.
لقد أردت مرة أن أعيش الحياة دون ضغط القوانين الطارئة أو بالأحرى الوقوع في حب امرأة أوروبية وإخبارها أنني أحبها بلغتها الخاصة.
ولكن لن أسمح لهم أن يسرقوا أحلامي وكل المشاهد الأوروبية التي تخيلتها. سوف أستمر في الحلم بأن وضعي ووضع بلادي جميعها سوف يتغير في يوم من الأيام.
الأحلام يمكن أن تتحقق.
* الكاتب صحفي سوري يفضل أن يبقى غير معروف الاسم لخوفه من الاعتقال.
ترجمة: مركز الشرق العربي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى