هرطقة الفتاوى وقرار الابعاد الفضيحة
محمد زكريا السقال
المتتبع لكل الفتاوى والإجتهادات الغير عقلانية، يستشعر معركة وحرب أهلية تتقد. حرب ما تخبو نارها حتى يتجند من يثير ضرامها وسعارها. فالفتوى التي اطلقها القرضاوي بتحريم الإحتفال بأعياد الميلاد التي تخص ديانة شقيقة ونابعة من نفس المنطقة ونبيها، الحائزة على اعتراف الجميع والتي يدين بها آلاف الملايين من البشر، هذه الفتوى لا تأتي في سياق منطقي بقدر ما تثير ريبة وخشية. فهي نابعة من عقلية سلطوية تحريمية لنا باعتبارنا ايضا من سكان هذه المنطقة المبتلية بغياب العقل وسيطرة منهجية التكفير والتجريم، أقل ما يقال فيها بأنها منفلتة من عقالها تعبث بنا وفيها كل أنواع الأمراض والفساد بالإضافة لإستبداد السلطات مما يجعلنا ويجعل منطقتنا هشة رخوة مستباحة يغزوها ويتآمر الجميع على وحدتها وثرواتها.
ولا يأتي منع المفكر المجتهد نصر حامد أبو زيد من دخول الكويت للمشاركة في نشاط فكري كنافلة وحدث فريد في سماء صافية، بل يأتي ضمن سياق طويل من الحرب على العقل العربي بكل اشكاله، فمن التحذيرات والتهديدات التي وصلت للكثير من النخب العربية، الى الملاحقات والإعتداءات، كل هذا يجري بظل السلطات العربية وتحت عيونها وبموافقتها او بتسهيلاتها. هذه السلطات التي هزمتنا وتحاول ان تتملق التيارات الدينية وتبتزها، لستر خيبتها وفشلها في تحقيق نقلة نوعية لمجتمعاتنا، وبنفس الوقت للهروب من مسؤوليتها عن كل ما يحصل وما وصلنا اليه من حال التشرذم والفرقه بكل اشكالها. لا يبرر هذا التحليل ارتداد المجتمعات العربية ونكوصها امام الحداثة التي لم تدخلها، فالحداثة ما زالت بالنسبة لمجتمعاتنا سوى تعبير وترجمة يقرأها ويلوكها بعض المثقفين، اما المدنية التي دخلت المجتمعات العالمية فقد لامست باستحياء قشور المجتمعات العربية، وبقيت حلم وأمل نناضل من أجله. بينما ساد العجز البرامج والأفكار التي فشلت في حل مسائلها المطروحة والكامنة، الدين والتحديث والتمدين والمواطنة وحقوقها والمساواة… الخ، الأمر الذي عجل بهزيمتنا وازاحتنا عن خارطة المجتمعات المنتجة، لنكون مجتمعات متخلفة ومهددة وعابثة. باختصار نحن اتباع مجتمعات معوقة عاجزة مما يخلق مبررات التدخل العالمي بشؤوننا وقضايانا، بحجة الإرهاب، ويطالب بتأهيلنا ورعايتنا. وبهذا يكون المشروع الذي تسعى اليه الدول الرأسمالية يقدم على طبق من ذهب، ولا تنفع كل الهرطقات بالحديث عن الإخطار المحدقة بنا ولعل أخطرها على الإطلاق اغلاق عقولنا وتسييجها بالتخلف واجترار الماضي وتقييد مجتمعاتنا وسد منافذ النور والعلم عليها.
مما يعزز الحاحية وضرورة مشروع عربي يأخذ على عاتقه النهوض بالمنطقة ، هذا النهوض الذي تتحدد أولوياته بتجسيد الوحدة الوطنية ورص صفوف الشعب ليشكل ردا على كل الأنقسامات
الطائفية والأثنية والقومية، وأزالة النكوص الحضاري الحالي لدينا وذلك بطرح علمانية الدولة وسيادة الدستور باعتباره مرجعية المواطنة التي تتوخى سيادة العدالة وحماية حرية التعبير وتكافؤ الفرص للجميع بعيدا عن كل الموروثات القبلية والعشائرية والطائفية. لذا لا يمكن مواجهة هذا الغول والإرتداد بمنطقتنا إلا بتحشيد كل طاقات المجتمع صاحب المصلحة الأساسية بالتعايش الكريم والعادل. كونها تاريخ هذه المنطقة ولا خيار سوى تحديد همومها كهموم مواطنين تريد وتحلم بالحياة الكريمة والعادلة بمعنى امتلاك حريتها لتحديد حقوقها ومصالحها ومستقبلها، وبهذا المعنى علينا ان نفهم وان يفهم الأخوة الأسلاميون، ان الدين لله ووطننا لكل أبنائه بكل معتقداتهم الدينية والقومية. وعلينا ان نطمئن الجميع بأننا شركاء هموم وأحلام لا تنتهي بتحرير فلسطين والعراق بقدر ما تجسد الأمن والأزدهار والرفاهية والتقدم لكل أبناء هذا الوطن، وبهذا يكون الدين خادما لمصلحة وحدة المجتمع وتجسيد روح عدالته ورقيب على تماسكه وحافزا للتفاني في سبيل حريته.
بقدر ما يكتسب هذا الطرح طابع الأماني بقدر ما هو دعوة وتنبيه للخطر والغلو الذي يحصل ويهرطق باسم الدين. يجب علينا ان ننتج حاضنة تعمل على تعايش الجميع.حاضنة تعتبر حريتهم وكرامتهم ورفاهيتهم المهمة الأساسية لها من أجل مواجهة مخططات تفتيت هذه الأمة وبعثرة طاقاتها.
وها نحن نرى ونشاهد عوامل الفرقة وزعزعة البنى حيث الخارج يزيد وقودها والسلطات تخطط لها وتديرها وإلا ماذا يعني هذا السفاف الذي اعقب مبارة كرة القدم بين مصر والجزائر. كيف كانت الأنظمة صامتة وهناك مندسون ينبشون القبور والتاريخ ويدوسون بأقدامهم مجمل النقاط المضيئة بتاريخ هذه الأمة ليكيلوا لها اللعنات. كان الإسلاميون صامتون، والمثقفون غائبون، هذه هي الهزيمة، هذه هي اللعنة التي تصيب أمة تحلم بحياة أفضل، والكل معني بتحقيق هذا الأفضل ليس الإسلاميون وحدهم. أن هم حقوقنا وأمننا وحريتنا هو هم الجميع ويجب ايجاد الحاضنة الجمعية لتحقيقه وسيادته.
أرجو ان يكون لهذه الصرخة، نداء الإستغاثة صدى لدى كل الحريصين على مستقبل هذه الأمة وعلى القرضاوي الذي يصبغ الكثيرون عليه صفات العقلانية والتفهم ان يخرج من دائرة البراغماتية والدوغمائية ويكون مع مستقبل هذه الأمة، كان جديراً به ان يحتفي بأعياد الميلاد ويهنئ الإخوة المسيحيين ان لم يرغب بزيارة كنائسهم، وبهذا يكون نموذج تعايش وداعية وحدة.
برلين / 22 / 12 / 2009
خاص – صفحات سورية –