الإعلام الالكتروني في سوريا… “لقيط” في رعاية أمن الدولة
يخضع الإعلام الالكتروني في سوريا إلى رقابة مشددة تفرضها الأجهزة الأمنية المختصة، وتستعين هذه الأجهزة بتقنيات عالمية توفرها شركات متخصصة بالرصد والحجب والمراقبة.
وتُعدّ “الجمعية العلمية السورية للمعلوماتية” التي أسّسها وترأّسها الرئيس السوري بشار الأسد عام 1998 البوابة السورية إلى عالم الشبكة العنكبوتية، حيث قدمت هذه الجمعية خدمة الإنترنت إلى ذوي الشهادات العليا وأعضاء النقابات المهنية في البداية، ومن ثم بدأت بتقديمها إلى كافة شرائح المجتمع. إضافة إلى المؤسسة العامة للاتصالات، التي تقدم بدورها هذه الخدمة، ليس فقط إلى الأفراد، بل حتى إلى مزودات الخدمة الخاصة.
وتقدم الجمعية العلمية السورية ومؤسسة الاتصالات العامة خدمات الإنترنت باستخدام الاتصال الهاتفي (Dial up) عن طريق أرقام يتم الاتصال بها في المقاسم العامة. وتطورت هذه الخدمة فدخلت خدمة (ISDN)، التي تتميز بسرعة عالية وبتكلفة أعلى قليلاً من سابقتها، ولكنها ليست متوفرة في كل المقاسم. بعد ذلك دخلت خدمة الـ (ADSL) إلى سوريا، واعتبرت ذات ميزة جيدة قياساً بالطرق الأخرى، وبات بإمكان المشتركين استخدام الإنترنت المقدم من شبكتي الهاتف المحمول (Syriatel)، و(MTN ) شبكة الجيل الثالث، وتقنية الـ (Wi-Fi).
وتتصل سوريا ببقية العالم عن طريق ثلاث كابلات ضوئية بحرية، تستعمل لتبادل البيانات والاتصالات الهاتفية، التي تم تحويلها إلى رقمية قبل سنتين. وتقوم الجمعية السورية للمعلوماتية ومؤسسة الاتصالات بتوزيع الخدمة في سوريا، إلا أن الجمعية تحتفظ لنفسها بحزمة معينة، فيما تقوم مؤسسة الاتصالات ببيع الحزم لمزودات الخدمة، وهي حوالي سبع شركات، كما تحوي الجمعية على ثلاثة مخدمات للانترنت تعمل بالتناوب.
اعترضت المخابرات العسكرية دخول الانترنت إلى البلاد منذ البداية، إلا أن الدكتور بشار الأسد قام بإقناع والده الرئيس الراحل حافظ الأسد، بأن يوصل سوريا بالشبكة العالمية عام 1998، الأمر الذي جعل لفرع المخابرات العسكرية اليد العليا في هذا المضمار، وفرض رقابة أمنية على كل ما يدخل وما يخرج عن طريق هذه الخدمة. وأستحدث قسم خاص بالانترنت في الأمن العسكري مختلف عن فرع الاتصالات وعن أمن الدولة، الذي يعتزم تحويله بأكمله إلى فرع للأمن الإلكتروني.
واعتبر مهندس يعمل في المؤسسة العامة للاتصالات رفض البوح باسمه، أن “أجهزة الأمن السورية (الأمن العسكري على الأغلب) تستعين بخبرات وأجهزة روسية وهندية للتنصت على المواضيع المتناقلة إلكترونياً، بالاشتراك مع مؤسسة الاتصالات التي تزود هذه الأجهزة برقم الـIP الخاص بكل متصل”. وأضاف المهندس انه “بالإمكان مراقبة جميع نشاطات المستخدمين على الانترنت، من تصفح ومحادثات مكتوبة وحتى مسموعة عبر برامج التواصل مثلMSN، messenger وskype حيث يوجد في المقاسم الرئيسية قسم خاص بالانترنت يحوي خبراء روس وعرب لمتابعة النشاطات على الشبكة، منفصل عن قسم تشغيل الشبكة نفسها”.
ويشير المهندس إلى أن حجب المواقع يتم “عن طريق تحديد اسم الموقع أو رقم الـ IP الخاص به، وتوزع نشرة دورية على المزودات فيها الأسماء المحجوبة والمطلوب حجبها أو تلك التي أزيل الحجب عنها، ويتم إدخالها إلى مزود خدمة الانترنت لتعطي صفحة مخزنة مسبقاً عند طلب هذه المواقع”.
أذيع في بداية موجة الحجب التي اجتاحت سوريا أن الحجب يهدف إلى منع المواقع الإباحية والمخلة بالآداب العامة، وكان يتم بالاعتماد على المحتوى، أي على ورود كلمة معينة ما أدى إلى حجب مواقع كثيرة عن طريق الخطأ، وقد تم الاستغناء عن هذه الطريقة لأنها تحتاج إلى مراجعة دائمة ومكلفة.
مخدم البروكسي
مخدم البروكسي (Proxy Server) هو عبارة عن جهاز كومبيوتر بقدرات هائلة، يحتوي على نظام تشغيل مثل ويندوز أو لينوكس بالإضافة إلى برنامج خاص بفرز المواد حسب كلمات حساسة تحددها الأجهزة، يلتقطها هذا الكومبيوتر ويعرضها على مشغليه.
في نظام التشغيل ويندوز يتم استخدام برنامج(ISA Server)، وبقي هذا النظام مستخدماً إلى أن قامت الولايات المتحدة الأمريكية بمقاطعة سوريا، فتحولت المخدمات لاستخدام برمجيات تعمل تحت نظام تشغيل (Linux-Unix) كونها لم تخضع للمقاطعة، بالإضافة لوجود بعض الأجهزة الخاصة بالتصفية والحجب مثل (Cisco PIX Firewall ) جهاز سيسكو الخاص بالجدار الناري قد يستخدم لصنع قاعدة بيانات. ولكن استخدامه في منطقتنا لا يكمن ضمن إطار البروكسي بل يستخدم لخدمات أخرى. وبما أن المخدمات في سوريا كلها تتبع لمخدم واحد فإن أي حجب يتم في المخدم الرئيسي يعمم على بقية المخدمات.
تتوافر لدى الجمعية ومؤسسة الاتصالات أجهزة ضخمة (control center) خاصة بالتتبع والتنصت على شبكة الانترنت وعلى جميع الصفحات المفتوحة والمحادثات المكتوبة، طبعاً غير الهاتفية التي تخضع لأجهزة مراقبة مختلفة. ويتم شراء معظم هذه الأجهزة من شركة “سيمنز” كلما دعت الحاجة، وتركب في الجمعية أو مؤسسة الاتصالات.
عند كشف “إيميل” شخص ما إذا تصفحه مراقب عن طريق الخطأ، يمكن تعيينه ومتابعته أينما فتح، وبالتأكيد يمكن معرفة المكان الذي تم فتحه فيه. ويمكن لأجهزة الأمن أيضاً الحصول على الكلمات السرية وبالتالي على محتوى الرسائل. لكنهم يواجهون عقبة العدد الهائل من الرسائل النصية والاتصالات مما يجعلهم عاجزين عن مراقبة أي كان. إلا إذا كان الشخص تحت المراقبة الدقيقة فعلاً.
يوجد لدى فرع الأمن السياسي التابع لوزارة الداخلية قسم خاص بالمعلوماتية، لكنه لا يتدخل إلا في المحتوى الموجود على الانترنت وليس مخصصاً لمتابعة الأفراد. وعلى خلاف معظم الدول المجاورة، لم يستحدث في سوريا قسماً مخصصاً للجرائم الالكترونية، يعنى بمتابعة المواقع وتحديد أصحابها وغربلة المواقع غير المعروفة مرجعيته منها.
تعاني الأجهزة الأمنية من ضعف الكوادر والخبرات الكافية لمتابعة ما يدور على الشبكة، وما حدث من اعتقالات لأشخاص معينين إنما يدل على متابعتهم ومراقبتهم شخصياً.
قائمة العار
بتاريخ 30 نيسان/ أبريل 2009 أصدرت لجنة حماية الصحافيين تقريراً عن أسوأ عشرة بلدان في التعامل مع للمدونين، وذكر التقرير أن “السلطات في إيران وسوريا والسعودية وتونس ومصر تعتمد على مزيج يجمع بين الاحتجاز وفرض الأنظمة الرقابية والترهيب، وتعتبر هذه الدول بأنها الأشد استخداماً للقمع ضد مستخدمي الإنترنت في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا”. وأضاف التقرير أن “الصين وفيتنام تعد من بين أسوأ البلدان في آسيا للمدونين، حيث ترتطم ثقافات التدوين المزدهرة بجدار الرقابة والقيود المكثفة. وأما كوبا وتركمانستان، حيث يخضع الدخول إلى الإنترنت إلى قيود مشددة، فتختتم بهما -قائمة العار-“. بحسب تقرير اللجنة.
وقال التقرير عن سوريا أن “الحكومة تستخدم أساليب برامج الترشيح لحجب المواقع الحساسة سياسياً. وتقوم السلطات باعتقال المدونين لنشرهم مواد تعتبر”زائفة” أو “تضعف الوحدة الوطنية”، حتى وإن كان مصدر هذه المواد أطرافاً ثالثة. وتنتشر في سوريا الرقابة الذاتية على نطاق واسع أيضاً. وفي عام 2008، أمرت وزارة الاتصالات أصحاب مقاهي الإنترنت بطلب البطاقات الشخصية من جميع زبائنهم لتسجيل أسمائهم وأوقات استخدامهم للإنترنت وتقديم سجلات بهذه البيانات إلى السلطات بصورة دورية. وتشير جماعات حقوق الإنسان إلى أن السلطات تضايق وتحتجز المدونين الذين يعتبرون مناهضين للحكومة”.
وأشار المركز السوري للإعلام وحرية التعبير في تقريره السنوي عن حالة الإعلام وحرية التعبير في البلاد لعام 2008 – 2009 أنه “لا يزال الإعلام الالكتروني في سوريا خاضعاً للوصاية الأمنية منذ أن تقرر اعتبار هذا المولود “لقيطاً”، فتبرأت منه كل من وزارة الإعلام والقضاء السوري ومجلس النواب، ليترك في رعاية إدارة أمن الدولة – بانتظار إصدار قانون الإعلام الالكتروني الموعود – والتي أبدت كل الاهتمام به فأوكلته إلى أحد أهم فروعها المركزية -فرع المعلومات- وأصبحت مراقبة نموه ومتابعة سلوكه شغله الشاغل، بالتعاون مع أهم الأخصائيين التربويين الذين استحضروا من دول العالم الحر (شركة بلاتينيوم الكندية) التي تقول عن عملها في سوريا: هدفنا بسيط إرضاء الزبون غايتنا، وكانت هذه الشركة جهزت الحكومة السورية بأحدث تقنيات الحجب والفلترة والمراقبة من خلال استخدام بروكسي (Thunder Cache)”.
تحجب الجمعية العلمية السورية للمعلوماتية والمؤسسة العامة للاتصالات، /244/ موقعاً إلكترونياً حتى تاريخ 6/12/2009 حيث تتربع المواقع الكردية على صدارة الحجب، إضافة إلى مواقع المعارضة السورية والمواقع العربية والأجنبية التي تقوم بنشر مواضيع تنتقد النظام السوري. كما تحجب أيضاً مواقع تواصل اجتماعية عالمية مثل الـ”فايس بوك”، و”يوتيوب”، إضافة إلى مئات الآلاف من المدونات الشخصية.
تنفق الحكومة السورية بحسب مراقبين محليين ملايين الدولارات سنوياً على حجب هذه المواقع، عن طريق التقنيات المستخدمة في الحجب والاستعانة بالخبرات والكوادر التي تقوم بتدريبها وتشغيلها لتقوم بالمراقبة والرقابة الإلكترونية، ولو أنفقت هذه الأموال على تحسين وتطوير الانترنت المتوافرة حالاً في سوريا، لنال نصف الشعب السوري خدمة سريعة ومتطورة، تخوله مواكبة التطور التقني العالمي. لكن النظام السوري اختار ستر العيوب عوضاً عن إصلاحها، وزاد سنة بعد سنة حدة الرقابة على التواصل الرقمي، متناسياً المقولة الشائعة… من راقب الناس مات هماً!.
دمشق
سكايز