تحية لمعن عاقل
مازن كم الماز
انتقل معن عاقل بلمحة عين من عالمه العادي , من مكاتب جريدة الثورة و شوارع دمشق و مداعبته لطفله , إلى عالم مختلف تماما , عالم السجن و مكاتب التحقيق و الحنين إلى تفاصيل حياته خارج السجن . سبق لمعن خوض تجربة مشابهة , لكنه يومها كان معارضا سياسيا , كان أصغر و أكثر شبابا و لم يكن قد اعتاد مداعبة طفله بعد , لكن معن اليوم يختلف تماما عن ذلك المعتقل السياسي , كان معن قد انضم إلى ماكينة النظام الإعلامية و مارس لعبتها لفترة من الوقت و أصبح لديه عالم خاص يحبه و يخشى أن يخسره . اعتقل معن هذه المرة لأنه تجاوز الخطوط الحمر التي رسمها النظام لمن يكتب في جرائده الرسمية أو لكل من يستطيع التحدث بصوت عال أمام الناس من منابره تلك . إن تجاوز هذه الخطوط الحمر يفترض إما أن تكون قادرا على التعاطف مع المهمشين و الفقراء أي أن تتجاوز شروط مهنتك إلى أن تكسر تلك الإشارات الحمراء التي تحاصرك بحيث تجد نفسك في نهاية المطاف و قد أصبحت خارج اللعبة نفسها , خارج مكانها و حدودها , و قد تماديت في حبك الجديد , لدرجة تجعلك جاهزا لاستبدال حياتك خارج السجن بالحياة الباردة المظلمة داخله بكل ما يعنيه هذا , أو أن تنتظر منافع أكبر من زيارتك للسجن , و هذا مستبعد جدا في حالة معن , أو أن تكون ساذجا , تورطت في الدوس على الخطوط الحمراء التي يعرفها الجميع أو دون أن تحسب تبعات هذا الفعل , و هذا أيضا مستبعد جدا في حالة معن . يعتمد استمرار معن في عالمه الجديد على شيئين : أولا على سجانيه و ثانيا على معن نفسه , لا سيما درجة استعداده للتعاون مع سجانيه , اعتذاره , تراجعه , و تعهده بعدم العودة للتفكير في الدوس على خطوطهم الحمراء , يمكن معرفة أن معن كان مستعدا لتبعات مواقفه من ما كتبه في بعض مقالاته , رغم أن الوقوع في المحظور يختلف عن توقعه , خاصة إذا أخذنا بالاعتبار طريقة استدراج معن إلى السجن مرورا بمكتب رئيس تحرير جريدته , فرد الفعل الأول هو صدمة ما , يتبعها التفكير الجدي في الوضع الجديد . للسجانين ظروفهم الخاصة أيضا , و أغراضهم الخاصة , التي قد تحدد هي أيضا مدة بقاء معن داخل قفصه الجديد , و أهمها قد لا يتعلق بمعن نفسه بل بمن بقي من الصحافيين خارج السجن , أو بمن تمكن معن من إزعاجهم و استثارتهم لدرجة استشعروا ضرورة إسكاته . لأن السجن عالم سري , كما هي كواليس الأجهزة التي تحاكم و تقاضي معن اليوم , فإننا ما نزال بانتظار التهم التي ستوجه لمعن , كي نتمكن أكثر من فهم أين يقف معن اليوم من كل ما قاله بالأمس و من حياته الجديدة و من سجانيه و مما سيمكنه ( أو لا يمكنه ) أن يكتبه في الغد , لكن ما يبدو حتى الآن أننا أمام رجل انتهى إلى السجن لأنه اعتبر بيوت الفقراء التي فتحت أمامه أبوابها جزءا أصيلا من عالمه , تماما مثل بيته الخاص , لأنه لم يستطع التخلص منهم كجزء من أسرته الشخصية , لذلك يستحق معن منا تنهيدة عميقة , يستحق قلق انتظار صديق حميم……………
خاص – صفحات سورية –