رثــاء الخريطــة
نصر جميل شعث
الشيء.. أو شراب طفيف
حلُمَ أنّ يدًا غويطةً تخلعُ سِنّ القمر،
وأنّ قدَمًا تقِفُ على مَصفوفة البيضٍ
في أحشاء شبح.
وهُو يرتدي قميصَه،
في الصباح قُبالةَ جَبَل؛
سقَط الزرّ من الكمّ
والخيطَ النظيفَ من ياقةٍ
حلُمتْ بترتيبها يدُ
المرأة الأولى.
هل نجا…؟
خافتا مرّ الشيءُ على وجهه،
تَسلّقَ حَبْل السِّتارة،
وسال من يديه في المرآةِ
المُرّبعةِ فوق مغسلةٍ بيضاء…
خافتا ومُصاغًا كأحجيةٍ
في لكنةِ المُشاة إلى الصيد!
وحدَها بصمةُ البحيرةِ في تلّة الثلج
كانت شرابَ عينيه الطفيفُ.
بَريدٌ جديد
غير متاحٍ لنا
عبورُ الحياةِ من تلكَ الحياة.
خُذِي يدَك من يدي،
واخفضي صوتيَ في صوتِك العالي.
السُّقوطُ في تغريدة العدد
لا يعني تمامًا أنّ العصافيرَ خسرتِ
السماءَ.
في وسعيَ أنْ أكونَ سَنَةً
أو قصبةً على جبل،
كيما أجمعَ شفاهة الغيمِ،
وأغسلَ الحريرَ
الذي روّعته الأفاعى،
أن أكفّ العبيدَ، أصابعي، عن حفر العبادةِ.
وأنت الحافيةُ على لساني،
وجهُك تائهٌ وراءَ شَعرِك
وظهرُك ساترُ رمل،
مرسَمٌ،
من وراءه بريدٌ جديدُ
بين شجرةٍ وعاشقين!
صدى الخريطة
كاهن أجشّ،
ابتلعَ تفاحة لم يغسلها بندى أنامله،
وأسقط قمرًا من فمِ المزراب…
صارَ حجَرًا وراء عجلَة،
وطُعمًا في نيّة الصيّاد.
وحيثُ العالمُ يمّحي بأعقابِ سجائره،
والصمتُ يلهجُ بصورِه؛
أبصرَ الماءُ أنثى الكركدن
مقتولةً بتعرّج النهر!
أيّ ملح دافئ يمسّ خطيئة
كمنت في شفاهة الشّلال؟،
وأيّ زغب حمَام يُشعشعُ
في جرس النحاس القديم!
حنظلة
بعد أن قتلَتِ الحربُ جيوشَها
ذهَبتْ إلى الغابة؛
تستعيدُ مرآتها.
وأنا ذهبت إلى الأشياء
واضعًا يديّ خلفَ ظهري
– لا فوق رأسي –
لئلا تظنهما المرآةُ سِلاحًا
أو شجرتين!
المُبذّرون
مُبذّرو الجَمال…
أضاعوا فـَراشَهم،
والخريطةَ…
في سجّادة فارسيّة.
البخلاءُ في وصف الماء،
نُزلاء المائدة؛
أسرجوا خيلَهم العريضة
في نفق المُشاة!
الطريق
إذا النسيانُ دليلُ العراةِ،
ما لون الذاكرة:
قميصٌ مُعلّقٌ بعكازة
مقلوبة في الهواء،
أم بيانٌ من شغب الإكليل؟!
طريقي إليكِ خيطٌ
قطعته إطباقةُ شفتينِ../
وطريقُك إليّ كمينٌ
مموّهٌ بالأمل وقطعةٍ
من ماء غامض!
أعيدي إلى الأعمى ممشاه
في بصيرة الرمل الخفيف.
الحقيبة
الحقيبةُ السوداءُ،
ذات العجلاتِ الخشنة
المصنوعة في الصين
والمستوردة من عين النفق:
بيتُ قمصاني
علامةٌ في الثلج للسائح الفنلنديّ
الذي انزلقَ إلى هذه الأطراف
بصنّارةٍ وصندوقِ «فودكا» وضحكاتٍ
تَبادلَها مع صداه…/
وأنا أزفّ نشأتي
إلى نهايةِ مرفأ خشبيّ؛
درجاتها أقلّ من لون قصيدة،
وأعلى قليلاً من يدِ قارب!
وقفة
واقفًا
على عتبة بيتٍ خشبيّ
بين قدمي وقدمي هدنةٌ
وقيطان حِذاء مَحلول.
تقول عيناي إلى بياضِ صاحبي
الجَبَل: أنني رملٌ
بملابس النوم،
وأنّني دليلُ صاحبي
إلى ما فيه!
الجَبَل
مَحارةٌ هذا الجَبلُ،
أم مُحايدٌ في رأسه غيبوبة رسّام؟
عرفتُ في الحَصى شَمسًا…
الآنَ بردٌ يدي في قفازةٍ تُلوّحُ
لمركبٍ في اللسان…
هاأنذا أمدّ كلامًا يُشبه قطارًا أقلّني
إلى إغفاءة جبال على أكتافها البيضاء…
ما الذي
ما الذي
تُطيره لفتةُ رأسيَ الآن؟!
حَصوةٌ ثامنة
الجديدُ، جارُ البحيرةِ المشكولةِ
بقواربَ ومرفأ صغير،
المُطلّ على شجرٍ بلا عصافير؛
يَسمع الورقةَ لعظْمةِ اليد تقول:
بين الله والآه»لا»تسقط في البحيرةِ
من عينين تقرآن «غوته»
و «القدسَ العربيّ» كل نهار…
الراكبُ درّاجةً هوائيةً إلى الشمس
الملموحةِ وراء شيخوخة المنظرِ،
يَجسُّ حبيبتَه من هاتفه المحمول؛
ويلهجُ مثل غصن طائش،
مُثقل، هناك، بثلاثة عصافيرَ
وهيكلِ طائرةٍ ورقية
أفلتها من يدِ الولد حادثُ الشِّراع.
ما إحساسُ الشَّجرة الصغيرة
جارة الجدار القديم
المُكلّل بأنياب الزّجاحِ
وحثالة الشاي…؟!
– ومتى ماتت تلك العجوز…؟!
– بعدَ موتِ الزوج، أصابَها داءُ عدّ الحصى
– سبع حصوات –
في فسحةِ الرملِ…
حتّى بدَت دمعتُها على نفسِها حصوةً ثامنة!
([) شاعر فلسطيني من غزة
السفير الثقافي