وزيرة الاقتصاد السوري بين حكومة تنظر للنصف الممتلئ من الكأس ومواطن ينظر للنصف الفارغ
سعاد جروس – دمشق
مع قدوم لمياء مرعي عاصي إلى موقع وزيرة الاقتصاد والتجارة في سورية، كأول امرأة تتسلم هذا المنصب في سورية، يتمنى الشارع السوري أن يكون قدومها خيرا على المواطن،ليس لحسن وجهها، فالوزير السابق عامر حسني لطفي لم يكن يفتقر لحسن الطلعة، وإنما عسى أن تكون المرأة أكثر رأفة في اتخاذ القرارات الاقتصادية الصعبة التي تتوالى منذ تخلي سورية عن الاقتصاد الموجه لتلحق بركب اقتصاد السوق عام 2005، والدخول في المرحلة الانتقالية الشاقة لاقتصاد أراد منظروه أن يكون اقتصاد سوق «اجتماعي» لكن لغاية الآن لم تظهر أي علامة من علامات الرأفة الاجتماعية، ربما بسبب الظروف الدولية والإقليمية التي عصفت بعملية الإصلاح وتكالبت مع عوامل داخلية جعلت المرحلة الانتقالية عسيرة ومتعثرة.
لمياء مرعي عاصي، ابنة مدينة قارة في ريف دمشق، وخريجة كلية الاقتصاد والتجارة من جامعة دمشق، أكملت دراسة البرمجيات في الكويت، كما درست هندسة الأنظمة في اليابان، وهي عضو في مجلس إدارة الجمعية المعلوماتية السورية 1993 إلى 1997 (الفترة التي تم التأسيس فيها لإدخال المعلوماتية وتعميمها في سورية)، حاصلة على ماجستير في إدارة الأعمال 2005 من المعهد العالي لإدارة الأعمال، وصلت إلى موقع معاون وزير المالية. لشؤون التقانة من 2002 وحتى 2004 لتعين سفيرة سورية في ماليزيا من 2004 حتى 2010، متزوجة ولها ثلاثة أولاد. تقول مصادر مطلعة إنها اكتسبت خبرة من الاطلاع على التجربة الماليزية خلال فترة عملها كسفيرة لدمشق في كوالالمبور، ولديها الآن أفكار عن برامج وخطط لتوسيع قاعدة المساهمين في تطوير الاقتصاد الوطني من مؤسسات صغيرة ومتوسطة ودعم المبادرين وتطوير المؤسسات الاقتصادية إداريا. الذين يعرفون الوزيرة عاصي عن قرب يشهدون بكفاءتها، ويتمنون لها أن تنهض بما ألقي على أكتافها من مهام لا شك في أنها ثقيلة، ويقول أحد معارفها من المسؤولين السابقين الذي رفض الكشف عن اسمه لـ«الشرق الأوسط»: إنها «سيدة مجتهدة وتستحق هذا الموقع»، مضيفا أن نجاحها مهم لأنه سيضاف لرصيد المرأة السورية التي أثبتت جدارتها بالمواقع القيادية. فيما تقول مدرّسة تلقت الخبر بتفاؤل إن «مجرد وصول امرأة إلى هذا الموقع يحسب للمرأة السورية»، قبل أن تستدرك «لكن على محك المعيار ليس المرأة أو الرجل وإنما نتائج العمل والتجربة وهذا المهم، فنحن بحاجة إلى اقتصاديين يترأفون بحال المواطن الفقير قبل أي شيء آخر». في العام الماضي بدأت تتضح معالم الفرز الطبقي في سورية، وصار ظاهرا للعيان صعود طبقة صغيرة ثرية ثراء فاحشا وطبقة واسعة فقيرة جدا، أما الطبقة الوسطى فما تزال تراوح على الحافة قبل الانزلاق إلى الفقر. وتشير الدراسات الاقتصادية في سورية إلى أن معدلات الفقر زادت عام 2008 مقارنة بعام 2004 إذ أظهرت دراسة جرت عام 2008 ارتفاع معدلات من هم تحت خط الفقر إلى ما يزيد عن 12%، وهو ما يؤكد فشل خطط الفريق الاقتصادي في تخفيض معدل الفقر من خلال الخطة الخمسية العاشرة التي أخذت على عاتقها تخفيض معدل الفقر من 11.4 إلى 7.5% خلال مدة تطبيقها (2006 – 2010). منى صيدلانية تقول: «مع أن الدخل تحسن خلال السنوات الأخيرة، لكن الإنفاق زاد كثيرا جراء ارتفاع أسعار المحروقات والكهرباء» وتتابع موضحة لـ«الشرق الأوسط»: «إننا لا ننفق على أشياء كمالية أو على الترفيه وإنما على الحاجات الأساسية؛ طعام.. هاتف.. كهرباء.. المازوت.. مواصلات.. تعليم.. إلخ. كلها باتت مصاريف منهكة». وتعطي مثالا على ذلك إنفاق ابنتها التي تدرس الصيدلة في جامعة خاصة وتقول إنها تحتاج ما لا يقل عن نحو 500 ألف ليرة (عشرة آلاف دولار) مطلع كل عام دراسي كأقساط وتكاليف عدا مصروف الجيب هذا بالنسبة لإنفاق فرد واحد من أسرة تضم خمسة أفراد، وتقول «نحن درسنا في جامعة حكومية بأقساط رمزية أو شبه مجانية وقبل عشر سنوات كنا نخرج كل أسبوع نزهة نتعشى في مطعم، أو ندعو أصدقاءنا، الآن بات هذا عبئا لا طاقة لنا عليه مع أني وزوجي مهندس نعد من ذوي الدخل الجيد». الطبيب بسام وهو اختصاصي مفاصل يعمل في ريف حمص يقول إن دخله لم يتحسن رغم ارتفاع أسعار كشف الطبيب، وذلك لأن غالبية مرضاه في الريف هم من الفقراء، فهو يضطر لتخفيض سعر الكشف بما يناسب دخل المرضى ومع ذلك في العام الأخير «تراجع كثيرا عدد الزائرين لعيادته ولم يعد هناك من يأتي إلى العيادة إلا بعد تدهور حالته إلى درجة لا يعد ينفع معها المسكنات» ويلفت أن «الغالبية باتوا يختزلون الطريق ويقصدون الصيدلي مباشرة، وبسعر الكشف الطبي يشترون مسكنات يصفونها لأنفسهم». أم جابر، سيدة شابة متوسطة الحال لديها ثلاثة أطفال ما بين 2 – 4 – 6 سنوات، تحدثت عن زيادة النفقات وتقول إنها تعمل مشرفة في حضانة أطفال وزوجها مدرس في المرحلة الإعدادية، بالإضافة إلى عمله في الدروس الخصوصية مساء، لكن دخلهما لا يكفي لتغطية النفقات اليومية وهي عادت مع سيدات في الحي إلى حياكة الملابس الصوفية والخياطة المنزلية والبداية كانت لتوفير ثمن ملابس أولادهن ثم تحول ذلك إلى مصدر رزق، «فالكنزة الصوفية الجاهزة ومتوسطة الجودة للأطفال لا يقل سعرها عن 500 ليرة 10$، بينما لا تكلف حياكتها 150 ليرة، لذلك نحيك الكنزات ونبيعها بـ200 ليرة». لا أحد ينكر أن زيادات عدة طرأت على الرواتب والأجور وأن مستوى الدخل تحسن، لكن هذا التحسن امتصته زيادات الأسعار التي شهدت جنونا عاصفا عامي 2007 – 2008، قبل أن تعود لتستقر عند حد معين العام الماضي. والمواطن السوري وإن كان قد بدأ بهضم الصدمة التي تعرض لها فإنه ما زال ينوء تحت ظلال غلاء المعيشة ولا يبدي ثقة بالتحول الاقتصادي الجاري رغم تفاؤل التقارير الاقتصادية الرسمية التي تؤكد أن «الاقتصاد السوري خطا خلال عام 2009 خطوات ثابتة مكنته من تحقيق معدلات نمو مقبولة في أكثر من قطاع رغم التحديات الكثيرة التي واجهته وتواجهه في ظل الأزمة المالية العالمية، فقد وصلت نسب التنمية إلى نحو 5 و6%» وهي مؤشرات يفتخر بها الفريق الاقتصادي ويعتبرها «جيدة حيث لا توجد لسورية مديونية خارجية وتمتلك كميات وافرة من القطع الأجنبي ومعدلات التضخم مسيطر عليها تقريبا وسعر صرف الليرة مستقر وثابت منذ سنوات عدة وأن معدل نصيب الفرد من الناتج المحلي وصل عام 2008 إلى 68.4 ألف ليرة». كما تقول الحكومة بحسب ما نقلته وكالة الأنباء السورية (سانا) عن مسؤولين اقتصاديين «إن تحرير التجارة الخارجية أعطى الاقتصاد الوطني منافع كبيرة وسمح بتوسيع النشاط الاقتصادي وزيادة الطلب على المنتجات السورية مما أسهم في توسيع عمل المصانع السورية واستقطابها لأيد عاملة إضافية وزيادة إنتاجيتها وحصولها على قطع أجنبي إضافي نتيجة ارتفاع نسب نمو الصادرات مما سمح باستقطاب مشاريع استثمارية جديدة. وأن التجارة مع الدول العربية ازدادت بشكل كبير خلال السنوات القليلة الماضية إذ وصل حجم المبادلات التجارية مع الدول العربية بين عامي 2006 و2007 إلى 55 مليار دولار وخلال عام 2008 تجاوزت المبادلات 60 مليار دولار وارتفعت الصادرات السورية وحقق الميزان التجاري فائضا كبيرا للغاية إذ بلغ معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي بالأسعار الثابتة نحو4، و5% بين 2005 و2009، وازدادت قيمته من 1151.4 مليار ليرة سورية عام 2005 إلى 1343.2 مليار ليرة عام 2008 ويتوقع أن يصل الناتج الإجمالي لعام 2009 إلى 1422 مليار ليرة. لكن الصناعيين لهم رأي آخر ويؤكدون بحسب تقارير نشرتها الصحف الرسمية أن «ارتفاع تكاليف الإنتاج (ارتفاع أسعار الطاقة، أجور النقل، تدني أسعار المنتجات المنافسة، غياب هيئة تدعم المصدرين، عدم توفير بعض مكونات الإنتاج) أضرت بالصناعة المحلية وهذا أضر بالجزء المعد للتصدير منها مضعفا موقفها التنافسي. وعلى سبيل المثال ضعفت قدرة صناعة الألبان والأجبان السورية على المنافسة نتيجة ارتفاع تكاليف المحروقات والنقل قياسا بصادرات الدول الأخرى، فسعر نقل الحاوية مثلا من مصر إلى الساحل الشرقي للمتوسط 300 دولار بينما من سورية إلى بيروت 2400 دولار. هذا بالإضافة إلى انعكاسات الأزمة المالية العالمية على الاقتصاد السوري، الذي لا يخوض فيها كثيرا الكلام الرسمي. ويقول المراقبون إن الأزمة العالمية ألقت بظلالها على عدد من المفاصل الاقتصادية المهمة في سورية وفي مقدمتها قطاع النسيج والنقل البحري. إلا أنها لم تكن كارثية لكن لا يمكن إنكار انخفاض مبيعات الغزول بنسبة 50%، وانخفاض قيمة الأسطول البحري السوري خلال عام 2009 من مليار دولار إلى نحو أربعمائة مليون. وأنه بعد البورصة السورية وبعد مرور عام على افتتاحها لم تتمكن من استقطاب مليارات الدولارات المهاجرة والمحلية. يضاف إلى ذلك ما تعرض له القطاع الزراعي السوري في السنوات الأخيرة. وقد اعترف رئيس الفريق الاقتصادي نائب رئيس الوزراء لشؤون الاقتصاد عبد الله الدردري مؤخرا بتراجع القطاع الزراعي وأنه «رغم أهميته غير قادر على تأمين فرص عمل»، فيما أشار تقرير صادر عن مجلس الوزراء مؤخرا إلى تراجع حصة الزراعة في الناتج الإجمالي المحلي إلى 20% بعد أن كانت تسهم بنسبة تتراوح بين 27 و30% من الناتج المحلي، علما بأن نسبة العاملين بالزراعة في سورية تبلغ نحو 26% من إجمالي المشتغلين، كما يلعب القطاع الزراعي في سورية دورا مهما في تأمين الغذاء وتوفير المواد الأولية للصناعات التحويلية والغذائية…..
وأرجع التقرير ذلك إلى «ظروف الجفاف التي تعرضت لها سورية خلال السنوات الثلاث الأخيرة» فيما يرجعها المزارعون بالإضافة إلى الجفاف إلى ارتفاع تكاليف الزراعة المروية بعد تحرير سعر المحروقات وانخفاض هامش الربح، وسد حاجة السوق بمواد مستوردة بأسعار تكاد تساوي سعر المواد المحلية. وهو ما يحصل أيضا بالنسبة للمشاريع الصناعية الصغيرة، التي لم تعد قادرة على الصمود في وجه المستوردات الصينية الرخيصة التي أغرقت السوق. إلا أن التحدي الأخطر هو تراجع الزراعة جراء الجفاف وما ترتب عليه من تداعيات اجتماعية حيث نزح نحو 300 ألف شخص عن منازلهم، في المناطق الشمالية الشرقية، ليتجهوا نحو المنطقة الوسطى والجنوبية، بعدما فقد كثير من الفلاحين محاصيلهم واضطروا إلى بيع مواشيهم أو ذبحها. ولأول مرة وبسبب الجفاف تحولت سورية إلى بلد مستورد للقمح العام الماضي. ولاحتواء هذه الأزمة تسعى الحكومة بالتعاون مع الأمم المتحدة إلى إرسال مساعدات عاجلة إلى المناطق المتضررة من الجفاف، التي كانت تعد سلة سورية الغذائية، وتعمل الأمم المتحدة على جمع مساعدات مالية طارئة لسورية تبلغ 53 مليون دولار، لكنها لم تحصل على أي أموال من الدول المانحة، لتبدأ الأسبوع الماضي عملية الإغاثة ببعض المساعدات من أموالها.
لكن ومع ذلك أكد وزير المالية محمد الحسين خلال محاضرة ألقاها الاثنين الماضي أن «سورية تعيش حاليا أوضاعا اقتصادية ومالية مستقرة وتعتمد في تأمين موازنتها على تمويلها المحلي وإمكانياتها الذاتية بنسبة 98.5% خلافا لكثير من الدول الأخرى».
أقوال وزير المالية جاءت بعد انتقادات للخطة الخمسية العاشرة وجهها يسير الرداوي رئيس هيئة تخطيط الدولة الذي أقيل على خلفيتها مؤخرا بحسب ما تداولته الأوساط السورية ليخلفه وزير الاقتصاد عامر لطفي حسني، ولتحل مكانه الوزيرة الجديدة لمياء عاصي، وقال الرداوي في افتتاح سلسلة محاضرات الثلاثاء الاقتصادي بداية الشهر الحالي إن هناك سبعة تحديات أمام الاقتصاد السوري يجب أن تراعيها الاستراتيجية الاقتصادية بشقيها الآني والطويل الأمد وهي: 1- الطلب المتنامي على فرص العمل في ظل قصور النشاط الاقتصادي 2- قلة المياه وضعف كفاءة استخدامها 3- الطلب المتزايد على الطاقة. 4- التفاوت التنموي والتنمية اللامتوازنة بين المحافظات 5- عدم كفاءة النظام التعليمي وكيفية ملاءمة هذا النظام للتطورات الاقتصادية بما في ذلك تحدي الأمية 6- ضعف القطاع العام وعدم قدرته على التعاطي مع التطورات الجديدة بالشكل الصحيح 7- الضعف الإداري والمؤسساتي. وبالتالي يمكن معالجة هذه التحديات من خلال الاهتمام بركائز أساسية أهمها تعميق عملية التنمية الإنسانية والتنمية الاقتصادية. وتحديد أولويات الإنفاق العام من خلال تحسين مناخ الاستثمار وزيادة حجمه في القطاعين العام والخاص علما بأن مساهمته في الناتج المحلي لا تتجاوز 25% وهذه النسبة برأي الرداوي «غير كافية» حيث تصل هذه النسبة في البلدان الصاعدة إلى 40%. وأضاف أن «عائدات النمو تمركزت في أيدي فئات قليلة من السكان ذات ممارسات استهلاكية وترفيهية وادخارية تعيق عملية النمو وتوجه الطلب على سلع وخدمات خارجية والأهم من ذلك توجه الاستثمارات إلى قطاعات ليست إنتاجية». ودعا إلى وضع استراتيجية قطاعية تتركز في «زيادة مساهمة قطاعي الزراعة والصناعة التحويلية والناتج المحلي الإجمالي حيث إنها في الوقت الحالي تشكل نسبة بين 30 و35% لكنها في البلدان الصاعدة تزيد على 50% وتزيد نسبة مساهمة الصناعة التحويلية عن نسبة مساهمة القطاع الزراعي». وأوضح الرداوي أن هذا «يعني أن الاقتصاد السوري يعاني من خلل قطاعي ولم تنجز بعد عملية التحول الهيكلي التي تصاحب عملية التنمية» وأضاف أن «الخطة الخمسية العاشرة حددت كهدف أن ينمو قطاع الصناعة التحويلية بواقع 15% وسيكون هدفها في الخطة المقبلة معدل 20% بمعنى أن مساهمة هذا القطاع في الناتج الإجمالي يجب أن تصل إلى الضعف مع نهاية الخطة الخمسية الحادية عشرة وهذا لن يحصل إلا بزيادة الإنتاجية الزراعية وزيادة دخل سكان الريف وزيادة طلبهم على السلع الصناعية». كلام الرداوي لم يكن متوقعا في مناخ رسمي تغلب عليه التصريحات المدعمة بالأرقام المتفائلة، أو بمعنى آخر النظر إلى النصف الممتلئ من الكأس، وهي النظرية التي تفضلها غالبية الأنظمة العربية في الترويج لمنجزاتها.
الشرق الأوسط