صفحات الشعر

راينر ماريا ريلكه

null
على ضفاف الفتيات: راينر ماريا ريلكه
الترجمة عن الألمانية : عبد الرحمن عفيف
القصائد مختارة من مجوعة ريلكه المبكّرة- احتفالا بنفسي- المنشورة سنة 1900
العنوان الأساسيّ والعناوين الفرعيّة: من وضع المترجم.

يرفعن الأيدي في الرّيح

قبل أنْ تبدأ الحديقة تماما
مانحة نفسها للحسن،
تقف الفتيات فيها ويتزلزلن
مِن المعايشة المتردّدة،
ومن التوجّلاتِ الضيّقة يرفعن
الأيدي في الرّيح.

ويذهبن في أحذية خجلة،
كأنّما يضغطن الأثواب:
وهذه هي الملامح الأولى،
التي يقابلن بها بعاطفة
من الحفلات حلمهنّ…

فقيرة ورقيقة وعمياء

واحدة تغنّي:

كنت في غربةٍ بعيدة طفلة،
إلى أن سرقت نفسي:
فقيرة ورقيقة وعمياء-
من خفري؛
أنتظرُ خلف الغابة والرّيح
بالتأكيد منذ زمن طويل نفسي.

إنّني وحيدة وبعيدة عن البيت
وأتفكّر بهدوء: كيف هو مظهري؟-

———————-

اسألوا أحدا ما، مَن أكون؟
… يا اللّه، إنّني شابّة و
إنّني شقراء
ولقد استطعتُ صلاةً
وأعبر أكيدا هباء محاطة بالشّمس
وغريبة بنفسي…

عند سفحِ الحديقةِ

الفتيات عند سفحِ الحديقةِ
ضحكن طويلا
وبغنائهنّ
مثلما بخطوٍات واسعة
أتعبن أنفسهنّ.

الفتيات عند السندياناتِ
يرتجفن: السّاعة تبدأ،
حيث لا يعرفن، لمن
كلّ الأشياء تكون.

نحن الآن بجعات

أنتنّ يا فتيات مثل القواربِ؛
إلى ضفاف الساعاتِ
أنتنّ معقودات،-
لهذا تبقين هكذا شاحبات:
بدون تفكّر،
تردن إهداء أنفسكنّ للرّياح:
حلمكنّ هو البركة.
أحيانا يأخذكنّ هواء الشاطىء
معه إلى أن تتوتّر السّلاسل
ووقتئذ تقعن في هواه:
يا أخوات، نحن الآن بجعات،
تسحب عند خصل الذّهبِ
محارة َالفتيات.

الغريب شاحبٌ

أنتنّ أيّتها الفتياتُ مثل الحدائق
لدى مساءِ في أبريل
الربيع على العديد من الرّحلات
لكن لا هدف في أيّ مكانٍ بعد

أنتنّ ملكات وثريّات.
وأكثر بالأغاني ثراء
من الأشجار المزهرة.

أليس كذلك، الغريب شاحبٌ؟
لكن أكثر، أكثر شحوبا
هي أحلامه المحبّذة،
إنّها مثل الورود في الحياض.

شعرتنّ بهذا على الفورِ:
ملكات أنتنّ وثريّات.

نشيب كلّنا في كدر

الآن هنّ بأنفسهنّ جميعا نساء.
أضعن أطفالا وأحلاما،
وولدن أطفالا
وولدن أطفالا،
وهنّ يعلمن: في هذه البوّابات
سوف نشيب كلّنا في كدر.

كلّ ما لهنّ لديه مساحة في المنزل.
فقط رنين العذراء له
عند قلبهنّ معنى،
ويخرجن منه متعبات.

حين تبدأ الطّرقات تنمو،
ويقدم باردا طقس من جهة كامباغنا
وهنّ كمثل أغنية عتيقة…

لى طول الأزقّة

أذهبُ على طول الأزقّة
هنا الفتيات البنيّات يجلسن
ويتفرّجن ويتعجّبن
خلف مشيي.

إلى أن تبدأ واحدةٌ تغنّي
وكلّهنّ من صمتهنّ
ينحنين مبتسمات إلى الأسفل:
أيّتها الأخوات، علينا أن نظهر له
مَن نحن.

يكون مثل وجل

الفتيات يشاهدن: رحلة القواربِ
ترجع من بعيد إلى داخل المرفأ،
وينظرن حيّيات ومحتشدات بضيق.
كيف ثقيلا صار الماء الأبيض:
لأنّ هذا هو أسلوب المساء،
أن يكون مثل وجل.

وهكذا ليس ثمّة عودة
تأتي من البحرِ المرهقِ
السّفن سوداء وكبيرة وخاوية،
لا بيرق يطير في الأعلى
كأنّما أحدٌ ما غلبهم.

ضنى صبيّة شابّة

لم تصمت الموجة لكم أبدأ،
هكذا أنتنّ أيضا لستنّ هادئات قطّ
وتغنّين مثلها:
والذي يريده جوهركنّ عميقا في الدّاخل
يصير نغما.

وخفر الجمالِ أنشأ فيكنّ
اللّحن؟
لأجل مَن أيقظه ضنى صبيّة شابّة؟

الأغاني جاءت، كما الشوق جاء،
وسوف تنقضي ببطء مع
العريس…

دموعهنّ الصبيّة

حين المجدلات الشقراوات
يمضين في ألق بلاد الغروبِ:
إنهنّ كلّهنّ ملكات
ويفكّرن ويبدأن
تتويجهنّ الخاصّ.

لأنّ النّور الذي يعشن فيه،
هو منح رحمة كبير-
ويأتي من الباطنِ،
والقشّ، الذي يخصلنه،
شرب من دموعهنّ الصبيّة-
وصار ذهبا وثقيلا.

تُرى، مَن يكون عريسنا

الأخوات الشقراوات يضفرن فرحات
في المشي جدائل من القشّ الذّهبيّ،
إلى أنْ تبدأ الأرض أمامهنّ
في الازهرارِ كالذّهبِ
حينها يقلنْ لأنفسهنّ: مكانٌ عجيب
وقعنا فيه.

يصير المساء على الأزهارِ ثقيلا،
الأخوات يقفن في حياء
ولايحرّكن أيديهنّ
ويصغين طويلا ويبتسمن بخواء،-
وكلّ واحدةٍ تتشوّق: تُرى، مَن
يكون عريسنا…

إنّهنّ انكسرن
الفتيات يغنّين:
الوقت الذي تحدّثت عنه الأمّهات،
لم يجد إلى غرف نومنا،
وفي الدّاخل ظلّ كلّ شيء أملس وواضحا.
يقلن لنا، إنّهنّ انكسرن
في سنة مطارَدةٍ بالعاصفة.

لا نعرف ماهي العاصفة؟

نعيشُ دائما عميقا في البرجِ
ونسمع أحيانا فقط من بعيد
الغابات في الخارج تهتزّ؛
وذات مرّة بقي نجمٌ غريب
عندنا واقفا.

وحين نكون عندئذ في الحديقةِ،
هكذا نرتجف، لتبدأ العاصفة،
وننتظرُ يوما تلو يومٍ-

ولكن لا ريح في أيّ مكان،
تقدر أن تطوينا.

الفتيات المضيئات

لا تدرك بعد شئيا من خريف الرّوض،
فيه تمشي الفتيات المضيئات ضاحكات؛
فقط أحيانا يقبّلك مثل تذكارٍ بعيدٍ، لطيفٍ
هواء العنبِ،-
يصغين، وواحدةٌ بانشراح تغنّي
أغنية مؤلمة عن اللّقاء ثانية.

في هواء خفيض تتمايل الغصون،
مثلما حين يلوّح أحدهم الوداع- عند الدّربِ
تقف الورود في الأفكارِ؛
يشاهدن صيفهنّ يمرض،
وأياديه تنحني
بهدوء من أدائه النّاضج.

صار حزرا وحديثا

الفتيات يغنّين:

ضحكنا طويلا في الضياءِ،
وكلّ واحدةٍ جلبت لأخرى قرنفلا وعشبا فوّاحا
باحتفال كأنّما لعروسِ-
وصار حزرا وحديثا.

بعدئذٍ رصّعت السكينة نفسها بالنّجوم
باسم اللّيل ببطءٍ.
عندها كنّا كأنّما استيقظنا من كلّ شيءٍ
وجدّ بعيدين من بعضنا البعضِ.
تعلّمنا الشّوق الذي يحزن
كمثل أغنية…

والله يبدأ

ويتابعن:

نحن لنا أخوات.
لكنّها مساءات، حيث نقشعّر بردا
ونضيّع بعضنا البعض،
وكلّ واحدة تودّ
أن تهمس للصديقاتها: الآن تخافين.

الأمّهات لا يقلن لنا، أين نحن،
ويتركننا وحيدات تماما،-
حيث تنتهي المخاوف والله يبدأ
ربّما نكون…

ينسدل الفستان

كلّ الطّرق تذهب
الآن إلى الباطن في الذّهبِ:
البنات أمام الأبوابِ
أردن هذا بهذا الشّكلِ.

لا يقلن الوادع القديم،
ولكنّه هو: يرحلن بعيدا،
مثلما يمسكن ببعضهنّ البعضِ بتميّز
هكذا بخفّة وبحريّة
وفي طيّات أخرى
ينسدل الفستان
على القامات المنيرات.

طريقة حبّ وموت حامل الرّاية كريستوف ريلكه
راينر ماريا ريلكه
الترجمة:عبدالرحمن عفيف
راينر ماريا ريلكهعلى صهوات الخيول، الامتطاء، الامتطاء، خلل النّهار، خلل اللّيل، خلل النّهار. الامتطاء، الامتطاء، الامتطاء. والشّجاعة أصبحت هكذا متعبةً والشّوق هكذا كبيراً. لم تعد هناك جبالٌ بعدُ، بالكادِ شجرة. لا شيءَ لديه الجرأةُ على القيام. أكواخ غريبةٌ تقرفصُ عطشى عند آبارٍ استنقعتْ. لا برج في أيّ مكان. ودائما الصّورة نفسها. لدى المرء عينان أكثر من اللازمِ. فقط في اللّيل أحيانا يظنّ المرءُ أنّه يعرفُ الطّريق. ربّما نرجع في القريب دائما من جديد المسافة إلى الوراء، تلك التي في الشّمس الغريبة برهقٍ ربحناها؟ هذا ممكنٌ. الشّمس ثقيلةٌ، مثلما عندنا عميقا في الصّيف. لكنّنا أخذنا الوداعَ في الصّيف. أثواب النّساء برقتْ طويلاً من الأخضر. والآن نخبّ الركوب طويلاً. إذن ينبغي أن يكون الخريف. على الأقلّ هناك، حيث نساءٌ حزينات يتذكّرننا. ذلك الّذي من لانغناو يتقدّم في السّرجِ ويقولُ: ” السيّد ماركيز…” جاره، الفرنسيّ القصير الأنيق،
في البداية تكلّم لثلاثة أيّام وضحك. الآن لا يعرف أيّ شيءٍ بعدُ. إنّه مثل طفل يريدُ النّوم. الغبارُ يمكثُ فوق ياقته المرتفعة البيضاء النّاعمة؛ وهو لا يلاحظً هذا. إنّه يصبح ببطءٍ يابسا في سرجهِ المخمليِّ. لكنّ الذي من لانغناو يبتسم ويقول: ” أنتم تملكون عيونا عجيبة، يا سيّد ماركيز. أكيدٌ تشبهون أمّكم-” عندئذٍ يزهر القصيرُ مرّة ثانية وينفض ياقته وهو كأنّما جديدٌ.
أحدٌ ما يقصّ عن أمّه. على الأغلب ألمانيّ. بعلوّ وبهدوءٍ يتابع كلماته. مثل فتاةٍ تربط الزّهور، بتفكّر مجرّبة زهرة وراء أخرى ولا تعرف بعد، ما الذي سيتكوّن من الكلّ- : هكذا يوصل كلماته. بغبطة؟ بعذاب؟ الجميع يستمعون. حتّى القيام بالبصقِ يتوقّف. لأنّهم سادة خالصون يعرفون ما المناسب. والّذي لا يعرف الألمانيّة في الثلّة، فإنّه يفهم فجأة، يشعر بكلماتٍ مفردة: ” مساءً”…” كان صغيرا…” هنا جميعهم قريبون من بعضهم البعضِ، هؤلاء السّادةُ الذي يأتون من فرنسا ومن بورغوند، الذين من هولندا، من وديان كيرنتن، من القلاع البوهيميّة ومن القيصر ليوبولد. لأنّ الشيء الّذي يقصّه
أحدهم، فإنّهم هم أيضا خبروه وعايشوه وهكذا الآن. كأنّما توجد فقط أمّ واحدةٌ للجميع… هكذا يركب المرءُ إلى داخل المساء، إلى مساء ما. يصمتُ المرءُ ثانيةً، لكنّه يملك في جعبته الكلماتِ المضيئة. ها الماركيز يرفعُ الخوذة. شعره المظلم ليّنٌ و، كما يثني هامته، ينبسط كمثل شعر النّساء على رقبته. الآن يميّز الّذي من لانغناو أيضا: بعيداً يشمخُ شيءٌ ما في السّطوع، شيءٌ أهيف، داكن. عمود منعزل، نصف منهار. وكما هم منذ زمن طويل عبروا به، بعد ذلك، يتذكّر، أنّ هذا كان إحدى المادونات. نار حراسة. يجلسُ المرءُ في الأنحاءِ وينتظرُ. ينتظرُ أنْ يغنّي أحدٌ ما. لكنّ المرء هكذا متعب. الضّوءُ الأحمر ثقيل. يقع على الأحذية المغبرّة. يزحف حتّى الرّكبِ، ينظر في باطن الأيدي المضمومةِ. لا يملك أجنحة. الوجوهُ معتمةٌ. فوق ذلك تلمع لوهلةٍ عيون الفرنسيّ القصيرِ بنورٍ ذاتيّ. لقد قبّل وردةً والآن تستطيع أن تذبل باستمرارٍ فوقَ صدره.
الّذي من لانغناو رأى ذلك، لأنّه لا يستطيعُ أنْ ينام. يفكّر: لا أملك أيّة وردةٍ، أبداً. عند ذاك يغنّي . وهذه هي أغنيةٌ قديمةٌ حزينةٌ. تغنّيها في الوطنِ الفتياتُ على الحقولِ، في الخريفِ حين تنقضي المحاصيلُ. يقول الماركيز القصير: ” أنتم شابٌّ جدّا، أيّها السيّد؟” والذي من لانغناو، في نصفِ كآبةٍ ونصف عناد: ” ثمانية عشر.” عندئذ يصمتان. بعدئذ يسألُ الفرنسيّ: ” ألكم أيضا خطيبةٌ في الوطنِ، أيّها السيّد يونكر؟” ” أنتم؟” يردّ الذي من لانغناو. ” إنّها شقراء مثلكم.” ويصمتان ثانيةً، إلى أنْ يصيح الألمانيّ. ” لكن إلى الشّيطان، لماذا تجلسون إذن في السّرجِ وتركبون الخيل خلل هذه البلاد السامّة في مواجهة
الكلاب التركيّة؟” يبتسم الماركيز.” لكي أرجع ثانية.” والذي مِن لانغناو يصبح حزينا. يفكّرُ في فتاةٍ شقراء لعب معها. لعبا وحشيّة. ويريد الّذهاب إلى المنزل، لمقدار نظرةٍ فقط، لمقدار وقت يحتاجه ليقول فقط الكلماتِ: ” ماغدالينا،- لأجلِ أنّني دائما كنتُ هكذا، العذر!؟
هكذا- كنتُ؟ يفكّر السيّد الشابُّ. – وهم بعيدون.
مرّة، في الصّباحِ، أحد الخيّالة هنا، وثمّ واحدٌ ثانٍ، أربعة، عشرة. بالكاملِ في الحديدِ، طويلون. ثمّ آلاف في الخلف: جيش.
على المرءِ أنْ ينفصل. ” ارجعوا محظوظين إلى البيتِ، أيّها السيّد ماركيز.-”
” ماريّا تصونكم، سيّد يونكر.”
ولا يستطيعان من بعضهما البعض. إنّما صديقان فجأة، أخوة. يثقان أحدهما بالآخر أكثر؛ لأنّهما يعرفان الآن هكذا الكثير أحدهما عن الآخرِ. يتردّدان. والعجلة ووقع الحوافرِ حولهما. عندئذ يسحب الماركيز القفّاز الأيمنَ الكبير. يخرج الوردة الصّغيرة، يأخذ منها بتلة. مثلما يقصم المرء خبز القداس. ” هذا سوف يظلّلكم. رافقتكم السّلامة.” الذي من لانغناو يدهش. طويلا ينظر خلف الفرنسيّ. ثمّ يدفع البتلةَ الغريبة تحت تنوّرة الأسلحة. وتخفق البتلةُ عاليا وأسفلاً فوق أمواجِ قلبهِ. نفير أبواق. يجري ممتطيا إلى الجيش، يونكر ذاك. يبتسم حزينا: تحميه إمرأةٌ غريبةٌ.
يومٌ خلال وحدات الإمدادات. لعنات، ألوان، ضحك-: منها تعمي الأرض. يركض أولادٌ ملوّنون قادمين. عراك وصياح. بغايا يأتين بقبّعات قرمزيّة في الشّعر الفائضِ. تلويح. عبيد يأتون، سود حديديّون كليل متجوّل. يقبضون على البغيّات بحرارة فتتمزّق أثوابهنّ. يضغطونهنّ فوق طرفِ الطّبلِ. ومن الدّفع الوحشيّ المضادّ للأيدي العجولة تصبح الطّبلات يقظة، مثلما في الحلم تقرع، وتقرع-. وفي المساء يرفعون للحلمِ مصابيح، نادرة، نبيذ، مشعّا في قلنسوات حديديّة. نبيذ؟ أم دم؟- مَن يستطيع أن يميّز؟
أخيرا أمام شبورك. بالقرب من فرسه البيضاء يشمخ الكونت. شعره الطّويل له لمعان الحديد. الذي من لانغناو، يطيّر نفسه من الجواد ويحني نفسه في غيمة من الغبارِ. إنّه يجلب معه مكتوبا، يوصي به لدى الكونتِ. لكن هذا يأمرُ:” اقرأ لي الجزازة.” وشفاهه لم تحرّك نفسها. لا يحتاجها لذلك؛ هي لصبّ اللّعنات جيّدة كفاية. ما وراء ذلك، تتكلّم اليمنى. نقطة انتهى. ويلاحظ المرء ذلك عليها. السيّدُ الشابّ منتهٍ منذ زمن طويل. لا يعرف أكثر، أين يقف. شبورك قبل أيّ شيء آخر. حتّى السّماء توارت. حينها يقول شبورك، الجنرال الكبير:
” كونت.”
وهذا كثير.
العصبةُ تقع في الجانب الآخر من الرّاب. الذي من لانغناو يخبّ إلى هناك، لوحده. سهل، مساء. الغطاء في الأمام عند السّرج يلتمع خلل الغبارِ. وعندها يرتفع القمرُ. يرى ذلك فوق يديه.
يحلم.
لكن فجأة يُصاح عليه.
صياح، صياح،
يمزّق حلمه.
هذا ليس بومة. الرّحمة:
الشّجرة الوحيدة
تصيح عليه:
يا رجل!
وهو ينظر: شيء ما ينتصب، أنثى تنتصب على طول الشّجرة، وأنثى شابّة،
دمويّة وعارية، تهاجمه: فكّني!
وهو يقفز هابطا إلى الأخضر الأسود
ويبتر الحبال الحارّة؛
ويرى نظراتها تلتهب
وأسنانها تعضّ.
أتضحك؟
يصيبه الرّوع.
ويقتعد صهوة جواده
ويفرّ في اللّيل. حبال دمويّة بقوّة في القبضةِ.
الذي من لانغناو يكتب رسالة، بالكامل في الأفكارِ. ببطءٍ يرسم بحروف كبيرة، جديّة، قائمة:
” أمّي الطيّبة،” كونوا فخورة: إنّي أحمل الرّاية،” كونوا بغير همّ: أحمل الرّاية،” أحبّوني: إنّي أحمل الرّاية-”
عندها يخبّىء الرّسالةَ في تنّورة الأسلحةِ، في المكان الأكثر سرّانيّة، بجانب بتلةِ الوردةِ. ويفكّر: سوف تفوح قريبا برائحتها. ويفكّر: ربّما وجدها مرّة أحدٌ ما… ويفكّر…..؛ لأنّ العدوّ قريب.
يخبّون فوق فلاّح مقتول. عيناه مفتوحتان بوساعة وشيءٌ ما ينعكس في داخلهما؛ ليس ثمّة سماء. بعدئذ تنبح كلابٌ. تقترب إحدى القرى إذنْ، أخيرا. وفوقَ الأكواخِ ترتفع حجريّةً قلعةٌ ما. الجسر معدّ لهم. البوّابة ستكون كبيرة. عاليا يرحّب البوقُ. اسمع: قرقعة، رنين ونباح كلاب! صهيل في الباحة، وقع حوافر ونداء.
الاستراحة! كون المرءِ ضيفا مرّة. ليس دائما خدمة الرّغبات الذّاتيّة بنفسه بغذاء مقتر. ليس دائما الفكر عدوانيّا في كلّ شيء؛ مرّة ترك الأشياء تحدث للمرء ومعرفة: الذي يحدث للإنسان، هو شيء طيّب. البسالةُ أيضا عليها ذات مرّة أنْ تتمدّد وتنبسط في نفسها عند حوافّ ألحفة حريريّة. ليس دائما البقاء جنديّا. مرّة حمل الخصل مفتوحة والياقة الواسعة المفتوحة والجلوس في الكنبات الحريريّة وحتّى أطرافِ الأصابعِ هكذا: تشهٍ للاستحمام. والتعلّم من جديد، ما النّساء يكنّ. وكيف البيضاوات يصنعن وكيف الزّرقاوات يكنّ؛ أيّةُ أيدٍ لهنّ، كيف يغّنين ضحكهنّ؛ حين يجلب أولادٌ شقر الآنية الجميلة، مثقلة بالفواكه الطّازجة.
بدأ الأمرُ وليمة. وأصبح حفلة، بالكادِ يعرفُ المرءُ كيف. الشّعل العالية برقت، الأصوات دندنت، أغان تائهة رنّت من الزّجاج والسّطوع وأخيراً من الإيقاعات التي أصبحت ناضجة: انبثق الرّقص. وأخذ بتلابيب الجميع. كان هذا ضرب أمواج في القاعات، لقاءات وانتقاءات، الوداع والاجتماع من جديد، التلذّذ باللّمعان وعميان الأضواءِ والتمرجح في أهواءِ الصّيفِ التي في ثياب النساء الدافئات. من النبيذ المظلم وآلافِ الورودِ تسيلُ السّاعةُ بخريرها إلى حلم اللّيلِ.
وواحدٌ يقف ويدهش في هذه الرّونقة. وطبعه هكذا أنّه يترقّب فيما إذا كان سيفيق. لأنّه فقط في النّوم يبصرُ المرءُ هذه الدّولة واحتفالات النّساء هذه: ملمحهنّ الأصغر طيّة واقعة في القصب. إنّهن يرفعن ساعات من محادثاتٍ فضّيّة، وأحيانا يرفعن الأيدي هكذا-، وعليك أنْ تظنّ أنّهنّ من مكان ما، حيث لا يمكنك الوصول، يقطفن ورودا ناعمة لا تراها أنت. وعندها تحلمُ: التحلّي بهنّ ومسعودا بطريقة أخرى وكسب تاج لنفسك، لأجل جبهتك التي فارغة.
ذاك الذي يرتدي حريرا أبيض يدرك أنّه لا يستطيع أن يستفيق؛ لأنّه مستيقظٌ ومتوّهٌ من الواقعِ. هكذا يفرّ وجلا إلى الحلمِ ويقفُ في الحديقةِ، وحيدا في الحديقة السّوداءِ. والحفلُ بعيدٌ. والنّورُ يكذبُ.
واللّيلُ حوله قريبٌ وباردٌ. ويسأل امرأةً تميل إليه:
” أأنتِ اللّيل؟”
تبتسم المرأة.
حينها يخجل من ثوبهِ الأبيض. ويرغب أن يكون بعيداً ووحيداً وفي السّلاح.
بالكاملِ في السّلاح.
أنسيت أنّك وصيفي لأجل هذا النّهارِ؟ أتتركني؟ إلى أين تمضي؟ ثوبك الأبيض يعطيني حقّك-.”
” أتتشوّق إلى سترتك الغليظة؟”
” أتشعر بالبردِ؟- أتحنّ إلى الأهلِ؟”
تبتسم الكونتيسةُ.
لا. لكن فحسب، لأنّ الطّفولة سقطت من كتفيه، هذا الثّوب النّاعم الغامق. من الّذي ذهب به؟ ” أنتِ؟” يسأل بصوتٍ لم يسمعه قطّ. ” أنت!”
وعندها لا شيءَ به. وهو عارٍ مثل قدّيس. مضيء وممشوق.
بتؤدةٍ تنطفىء القلعةُ. الجميع ثقيلون. متعبون أو عاشقون أو سكِرون. بعد كلّ ليالي الخلاءِ الكثيرة هذه، الفارغة الطّويلةِ. أسرّةٌ. أسرّةٌ واسعةٌ من السنديانِ. هنا الاستلقاء شيءٌ آخر عمّا في الإخدودِ البائس أثناء الطّريق، ذلك الذي يصير قبرا حين يريد المرءُ النّوم.
” يا الله، كما تريد!”
الصّلوات أقصر في السّرير.
لكن أكثر حميميّة.
حجرةُ البرجِ معتمة.
لكنّهما يضيئان في الوجه بابتسامتيهما. يتلمّسان أمامهما كعميان ويجدان الآخر كبابٍ. تقريبا مثل أطفال يرتاعون من اللّيل، يدخلان في بعضهما البعضِ. وثمّت لا يخافان. لاشيء هنا ضدّهما: لا بارحة، لا غد؛ لأنّ الوقت منهار، وهما يزدهران من خرائبه.
هو لا يسألُ:” بعلك؟”
هي لا تسأل:” اسمكَ؟”
لقد وجدا أحدهما الآخر، ليكونا لبعضهما البعض جنساً آخر. لسوف يعطيان لنفسيهما مئات من الأسماءِ الجديدة ويخلعانها، بهدوء، مثلما يخلعُ المرءُ قرط أذنٍ.
في القاعة الأماميّة فوق أريكة هناك معلّقةٌ سترة الأسلحة، حزام الخناجر ومعطف الذي من لانغناو. قفّازاته مرميّة على الأرضيّة. رايته تقف مائلة، مسنودة على صليب النّافذةِ. إنّها سوداء وهيفاء. في الخارجِ تجري عاصفةٌ على السّماءِ وتصنع من اللّيلِ قطعا، بيضاء وسوداء. نورُ القمرِ يمضي كمثل برق طويل، والرّاية السّاكنةُ لها ظلالٌ مضطربة. إنّها تحلم.
أكانت نافذةٌ ما مفتوحة؟ هل العاصفة في المنزلِ؟ مَن يسدّ الأبواب؟ مَن يذهب خلال الغرفة؟-
دع، فليكن مَن يكون. في غرفة البرج لن يجد شيئا. كأنّما خلف مئاتِ الأبوابِ هو هذا النّومُ الكبيرُ، الذي يمتلكه شخصان ملتقيان سويّة؛ هكذا سويّة مثل أمّ أو موت.
هل هذا هو الصّباح؟ أيّة شمس تشرق؟ كم كبيرةٌ الشّمس. أهذه طيورٌ؟ أصواتها في كلّ الأرجاءِ.
كلّ شيءٍ منار، لكنّه ليس النّهار.
كلّ شيءٍ عالٍ، لكنّها ليست أصوات الطّيورِ.
إنّها الدّعامات تلتمعُ. إنّها النّوافذ تزعق. وتصيح، حمراء، في داخل الأعداءِ الذين يقفون في الخارج في الأرضِ المتبارقة، تصيح: حريق.
وبنومٍ ممزّقٍ في الوجهِ يتدافعون، نصف حديد، نصف عار، من غرفة إلى غرفة، من ركن إلى ركنٍ ويبحثون عن الدّرج. وبنفس متهافتٍ تتلجلج الأبواقُ في الباحة:
جمّعوا، جمّعوا!
وطبولٌ مهتزّة.
ولكنّ الرّاية ليست هنا.
نداءات: يا حامل الرّاية!
أحصنة سريعة، صلوات، صياحات،
حديد على حديد، أمر وتنبيه؛
هدوء: يا حامل الرّاية!
ومرّة أخرى: يا حامل الرّايةِ
والاندفاع خارجا على الصّهوات.
لكنّ الرّاية ليست هنا.
يركض في منافسة مع المداخل المشتعلة، خلال الأبواب الّتي تحوطه بلظاها، فوق الدّرجات التي تحرقه، يقفز خارجا من المبنى المتسارع. فوق ذراعيه يحمل الرّايةَ مثل امرأة بيضاء فاقدة الوعي. ويجد حصانا، وهو مثل صيحة: منطلقا فوق كلّ شيءٍ وعابرا بكلّ شيء، أيضا بأصحابهِ. وعندها تأتي الرّاية أيضا إلى نفسها وقطّ لم تكن هكذا ملكيّة؛ والآن جميعهم يرونها، بعيدة في المقدّمة، ويميّزون الرّجل المشعّ الذي بغير خوذة ويتعّرفون الرّاية…
لكنّها تشرع في البريق، ترمي نفسها إلى الأمام وتصبح كبيرة وحمراء…
تشتعلُ رايتهم في وسط العدوّ، وهم يلاحقونها.
الذي من لانغناو عميقٌ في العدوّ، لكن بالكاملِ لوحده. الذّعر صنع حوله فضاء مدوّرا، ويمسكه، في داخله، تحت رايته الملتهبة ببطءٍ. ببطءٍ، تقريبا بتأمّل، ينظرُ حوله. الكثير من الغريب، الملوّن أمامه. حدائق- يفكّر ويبتسم. لكن حينها يشعر أنّ عيونا تراقبه ويتعرّف على رجال ويعرف أنّهم الكلاب الكافرة -: ويرمي بحصانه في الوسط منهم. لكن، حين تنغلق الحلقة خلفه، فإنّها ثانية الحدائق، السّيوف الدّائريّة الستة عشر التي تهبّ عليه، شعاع وراء شعاع، إنّها حفلٌ. فنّ ماء ضاحك.
تنّورة الأسلحة محترقة في القلعة، الرّسالة وبتلة الوردة التي للمرأة الغريبةِ.- في الرّبيع التالي( حلّ حزينا وباردا) أتى مبعوث من بارون بيروفانو بتؤدة على فرسه إلى لانغناو. هناك وجد امرأة عجوزا وهي تبكي.

“العزلة”
تهطل العزلة كالمطر.
ترتفع من البحر لتلاقي المساء؛
ترتفع من السهل المظلم البعيد
نحو السماء، كما لو كانت تعود إلى مسقط رأسها.
ثم تهطل على المدينة من عل.

إنها تهطل كالمطر في الساعة الرمادية المريبة
حين تكون الشوارع كلها متجهة نحو الفجر،
وحين تكون كل تلك الأجساد، وقد خوت آمالها
بما سعت إليه، وحيدة وحزينة؛
وحين يزحف كل الناس، بالكراهية المشتركة،
إلى سرير مشترك ليناموا؛

عندئذ تتدفق العزلة مع الأنهار . . .
من مجموعة كتاب الصور  (1902)

ضـيـفٌ لـم يـأتِ البـتَّـة

راينر ماريا ريلكه

تضاريس الحب

دائمًا من جديد – ولو أننا نعرف تضاريسَ الحبِّ أيضًا

وباحة الكنيسة الصغيرة ذات الاسم الشجيِّ

والوادي الصامت المهول الذي فيه

ينتهي الآخرون: دائمًا من جديد نتمشَّى نحن الاثنين

تحت الأشجار العتيقة، نضطجع دائمًا من جديد

بين الأزهار، قبالة السماء.

* * *

لأنِّي لم أقبضْ عليكِ قطُّ

أنتِ،

التي لا أقول لها إنِّي ليلاً

أضطجع باكيًا،

التي جوهرُها يجعلني متعبًا

كمثل مهد،

أنتِ،

التي لا تقول لي حينما تسهر

بسببي:

كيف نتحمَّل هذه الأبَّهة

فينا دون أن نرويها؟

تأمَّلِ العشَّاق،

حين التصارُح لم يزل في مقتبله،

كيف سريعًا يكذبون.

أنت تصيِّرينني وحيدًا. فقط إيَّاكِ أستطيع أن أبادل

لهنيهةٍ أنتِ، بعدئذٍ يكون الحفيفُ ثانيةً،

أو عطرٌ بغير بقيَّة.

آخ، في الذراعين فقدتُ جميعهم،

أنتِ فقط، أنتِ ستولدين دائمًا من جديد:

لأنِّي لم أقبضْ عليكِ قطُّ، أقبض عليك بقوة.

* * *

داخل الورود

أين لهذا الباطن

خارج؟ فوق أيِّ وجع

يضع المرءُ كتَّانًا كهذا؟

أية سماوات تعكس نفسَها

في البحر الداخلي

لهذه الورود المتفتِّحة،

التي لا همَّ لها؟ – انظر:

كيف مفكوكةً في مفكوك

تمكث، كأنما لا تستطيع قطُّ

يدٌ مرتجفةٌ أن تبعثرها.

تكاد لا تقدر أن

تتماسك بعدُ – العديدات

امتلأن وطفحن

من الفضاء الداخليِّ

في الأيام التي لا تنفك

مترعةً أكثر فأكثر تغلق نفسها،

إلى أن يصير الصيفُ كلُّه غرفة،

غرفةً في حلم.

* * *

في مقابل الأصياف

لا أريد أن أتودَّد إلى الحياة الضاجَّة

ولا إلى الأسئلة عن الأيام الغريبة:

أشعر كيف أحملُ بتلاتٍ بيضاء،

وهي ترفع في البردِ أريجَها.

جمَّة تنبثق من أراضي الربيع،

في باطنها تشرب جذورُها الأعماق،

لئلاَّ تقدر بعدُ أن تطوي الرُّكَب

في مقابل الأصياف

التي لن تباركها أبدًا.

* * *

تلك الغيمة

تلك الغيمة التي تصيخ السمع فوق الغابة –

كم تعلَّمنا أن نحبَّها،

مذ أدركنا كيف بسرعة مذهلة

تهطل كمطرٍ موقظٍ

على الثمار الحالمة.

* * *

ضحك خفيف خفيف

الورود الأولى تفيق

وفوحُها نَزِقٌ

كمثل ضحكٍ خفيفٍ خفيف،

مختلسًا بأجنحة السنونو المنبسطة،

يمسح النهار.

وإلى أيِّ مكان تصل

لا يزال الخوف هناك.

كلُّ لمعان حَيِيٌّ،

ولم يَصِرْ أيُّ إيقاع بعدُ أنيسًا،

والليل جدُّ جديد،

والجمال خَفِر.

* * *

هذا البيت الوحيد

من ذا الذي ذات مرَّة بنى هذا البيت الوحيد؟

ما استطعت أن أسترق السمع في أيِّ مكان إليه.

قمم الأشجار أيضًا لا تتجرَّأ

أن ترفع حول سموِّه حفيفَها.

* * *

القتل القديم

في المتنزَّه: ميتةٌ كلُّ نأمة –

والألوان كلُّها لائذةٌ بالفرار،

وحدها التويجات القانية القانية ابتهلت…

كأنما كان على شقائق النعمان

أن تفشي القتلَ القديم

دائمًا من جديد،

من ولدٍ إلى ولد.

* * *

لم يأتِ البتَّة

في الأرض السهلة كان ثمَّة ترقُّب

لضيفٍ لم يأتِ البتَّة.

ومرةً ثانية تسأل الحديقةُ الوجلة،

بعد ذاك ببطء تشلُّ ابتسامتها.

وفي الأحراج المتكاسلة

يُقفِرُ مساءً الدربُ المشجَّر،

التفاحاتُ تفزعُ على الفروع،

وتصيبها كلُّ هبَّة ريح بالألم.

* * *

والبيوت كلُّها شاحبة

أحيانًا يحدثُ في الليل العميق

أن تسهرَ الريحُ مثل طفل

وتأتي عبر دروب الشجر وحيدةً،

خفيضةً، خفيضة إلى القرية،

وتجسُّ الأرضَ حتى حوض الماء،

وعندئذ تتسمَّع ما في الجوار:

والبيوت كلُّها شاحبة،

والسنديانات كلُّها بكماء…

* * *

ما عاد بعدُ واضحًا

هذه هي الحدائق التي أؤمن بها:

حين يصفرُّ التورُّد في مضاجع الأزهار،

وفي الرمل تحت الورق المنطفئ،

ينساب الصمتُ متخلِّلاً الزيزفون،

فوق حوض الماء من الدوائر المتألِّقة

يعوم بجعٌ إذ ذاك من جانب إلى جانب،

وعلى جوانحه البارقة يكون هو أول

مَن يجلب رقَّة القمر

إلى الشاطئ الذي ما عاد بعدُ واضحًا.

*** *** ***

ترجمة: عبد الرحمن عفيف

منتزه الببغاوات

رقم القصيدة : 80845     نوع القصيدة : –     ملف صوتي: لا يوجد

تحت شجرِ الزَّيـزفون التركيِّ المُـزهـرِ

على حـوافي المَرج المُعـشَـوشِـبِ ،

تـتنفّس الببغاواتُ بهدوء في مواقعها المتأرجحة ،

وقد هـزّها الحنينُ إلى أوكارها ،

فأخذت تفـكِّـر في أوطانـها

التي ، وإنْ لـمْ تَـقعْ أعينـُها عليها ، لا تتـغيَّر .

غُـرَبـاءُ في هذه الخضرةِ المتـزاحمة كموكب استعراض ،

تتـباهى وتـتعالى وتشـعر أنَّـها فوق الجميع .

وفي مناقيرهـا الثمينة المصنوعة من اليَـشْمِ واليَـشَبِ

تعـلـك شيئاً رمادياً وتقـذفـه بعيداً ،

لأنها لا تستـسيغ طعمَـه .

.

ومن تحتها تلـتـقط الطيورُ الحَـزانى مـا قَـذَفـتْه ،

بينـما تنحني الببغاواتُ الساخراتُ من فوقها انحناءةَ استهزاءٍ .

وبين كلتـيْهـما تفرغ أواني الطعام سريعاً ،

وتـبدأ بالـتأرجح مرةً أخرى وتـنـامُ وتراقبُ ،

وبألسُـنها السّـودِ التي تـنطق الكَـذِبَ عن طيب خاطر،

تـعبث بسلاسل الأغلال في أرجلها . تنـتظر المشاهدين .

*

ترجمة : د. بهجت عباس

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى