صفحات الناسمحمد ديبو

ليس دفاعا عن الحجاب ..حجاب فرنسا أم تحجيبها ؟

null
محمد ديبو
إن المتابع لتداعيات قضية الحجاب في فرنسا, لا يستطيع إلا أن يتعجب ويستغرب من حجم الضجة المثارة حول موضوع الحجاب فرنسيا ومن حجم الاسفاف الذي تعامل به قضية الحجاب من شخصيات وقيادات من المفترض أن يمثلوا نخبة فرنسا “الحرية والمساواة والاخاء”..الشعارات التي صدرتها الثورة الفرنسية إلى آخر بقاع الأرض مرفقة بأهم ما أنتجته البشرية موليير ورامبو وميرابو وسارتر وكامو ..ولاحقا فوكو ودريدا وغارودي …
أكثر الاسئلة التي تتبادر إلى الذهن : لماذا تتراجع فرنسا على النحو المفجع عن شعارات شكلت تاريخا وتراثا لها, خاصة العلمانية التي عرفت بأنها أرسخ العلمانيات الأوربية وأصلبها ؟
وهل حقا أن الحجاب يهدد الهوية الفرنسية العريقة ؟ وهل الهوية معطى كامل ومنجز ومغلق حتى يتم المحافظة عليه أم هي معطى مفتوح ولانهائي, وقابل للتشكل في كل لحظة؟
ما نقوله هنا ليس دفاعا عن الحجاب الذي نرى فيه مجرد زي له بعد ديني مما يجعل الأمر يدخل في نطاق الحرية الشخصية التي يجب احترامها, ولكن هذا يقودنا إلى ازدواجية مربكة لما يحصل في فرنسا, فمثلا هل تمنع الرموز الدينية الأخرى لديانات أخرى, لماذا تؤيد فرنسا الدولة اليهودية في فلسطين التاريخية ؟ كيف يمكن أن نكون منطقيين ونمنع رموز دينية في فرنسا بحجة الهوية ونستقبل البابا على أعلى المستويات؟ ونقبل بنفس الوقت سن قوانين تحرم مناقشة المحرقة لأنها تسئ لليهود كدين وليس كبشر ؟
عندما يدخل الدين في الهوية, يجب أن نكون منطقيين وعادلين ومتساويين ( في دولة المساواة) دون استثناء في تطبيق مبدأ الحياد الديني, كما يقول المفكر الصديق سعيد ناشيد في إحدى مقالاته. فلتمنع كل الرموز الدينية ولتعود فرنسا أم العلمانية وعندها يكون كلام آخر, سنكون كلنا معه ومضطرين لاحترامه أما الانتقائية ضد أديان معينة فإنها تدخل فرنسا في دوامة من التناقضات التي ستؤدي في النهاية إلى تحجيبها كدولة, لأنها بذلك تلغي جزءا من مكوناتها التي لا يمكن التغاضي عنها بأية حال.
انظروا التناقض الصارخ : فرنسا التي تتدخل في كل شاردة وواردة في مجتمعاتنا بحجة حماية الأقليات الدينية ( ونحن مع ذلك دون شروط وتحفظ لأنهم مواطنين في وطن وليسوا لأنهم أقليات عرقية أو أثنية أو دينية ) هي من يعادي الحريات الدينية ويخرق مبدأ الحياد الديني..
ومن يتابع مايجري في فرنسا بدقة سيجد أن قضية الحجاب أضحت قضية يومية, كل يوم يتم اختراع مشكلة جزئية لفتاة ترتدي الحجاب ويتم تعميمها كأنها قضية الساعة, مما يشير بطريقة ما إلى وجود مناخ عام يتم تعبئته وتحريضه وأخذه نحو مناخات لا تليق بفرنسا التي نعرفها.
آخر هذه القضايا, قضية الهام أم سعيد التي رشحها حزب “الجديد” المناهض للرأسمالية، لتمثيل الحزب عن إقليم الفوكليز بجنوبي فرنسا.
في ردود الأفعال نقرأ الأخبار التالية :
خبر ثالث : أعلنت النائبة شنتال برونل من “الاتحاد من أجل حركة شعبية” اليميني الحاكم بزعامة الرئيس الفرنسي، نيكولا ساركوزي، أن ترشيح أم سعيد يُعتبر “استفزازاً واستغلال شعائر دينية لأهداف انتخابية، إنه لأمر مشين في خضم النقاش حول النقاب والبرقع”، كما أفادت صحيفة البيان الإماراتية.
هكذا أصبح مجرد زي يستفز فرنسا العريقة ؟
خبر ثان : حزب الجبهة الوطنية اليميني انتقد قرار ترشيح أم سعيد قائلاً إن الحزب الذي رشحها يعمل على جلب شريحة جديدة من الناخبين.
وهنا نتساءل أليس من حق المسلمين أن يكونوا شريحة مسلمة ؟ وأليس من حقهم أن يكون لهم من يسعى لجذب أصواتهم أم أنهم خارج سياق المعادلة الانتخابية في سياق “المساواة الفرنسية”.
خبر ثالث : أكد زعيم كتلة الحزب الحاكم (الاتحاد من أجل حركة شعبية) في البرلمان الفرنسي، جان فرانسوا كوبيه، أنه حشد تأييد حوالي 212 نائبا في البرلمان للتصويت لصالح “حظر ارتداء النقاب بكافة الظروف في فرنسا.”
نحن مع هذا القرار شرط أن يطبق على كل الرموز الدينية الأخرى,التي تمثل ديانات أخرى, ونقول هذا الأمر من مبدأ علماني بحت, لأن العلمانية في صيغة من صيغها تعني الوقوف المحايد ضد كل أشكال الرموز الدينية, وتعني في صيغة أخرى منع كل أشكال الرموز الدينية من الظهور في الفضاء العام.
مايجري في فرنسا اليوم ليس ثورة ضد الحجاب, بقدر ما هو ثورة ضد فرنسا نفسها..دعوة إلى تحجيب فرنسا عبر الغاء مكون أساسي من نسيجها الاجتماعي ..هذا الالغاء الذي قد يقود إلى ما لا تحمد عقباه, لأن التجارب علمتنا أن من لايستطيع التعبير عن نفسه بالوسائل السلمية سيجد نفسه مضطرا لاستخدام العنف ؟
وعندها تتحجب فرنسا فعلا ..
شاكو ماكو

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى