صفحات من مدونات سورية

رؤوس أقلام حول التدوين السوري ( 1 )

ياسين السويحة
قبل الدخول إلى الموضوع, و تحسباً لأي فهم خاطئ لهذه السطور و كاتبها, أؤكد على أنها مجرّد رأي شخصي لمدوّن عادي حول الواقع التدويني السوري, و هي دعوة للمناقشة حول هذا الموضوع و تبادل الآراء بغية تحسين واقع التدوين السوري (كمفهوم).
قمت بتجزئة الموضوع لأنه طويل بعض الشيء, و من الأفضل سرد النقاط بشكل متفرّق كي تأخذ حقّها من النقاش و الرأي.

حول التدوين, معانيه و أهدافه:
هناك الكثير من التعريفات و الشروحات حول ماهيّة التدوين و معانيه, و بعض هذه الشروحات أكاديمي و مدروس بشكل محترف, و لن أنقل أيّاً منها إلى هنا لأنه من المؤكد أن كل شخصٍ بيننا له رأيٌ و نظرة في الموضوع, لكنني أعتقد أنه لا يمكن فهم التدوين دون المرور بفكرة (المجهود الشخصي), أي أنني أعتقد أن أيّ شخص يفتح مدوّنة و ينشر فيها ما يشاء هو مدوّن, مهما كانت مواضيعه و مهما كانت اهتماماته, دون فرض أي مقاييس على نوعية المواضيع و جودتها و أهميتها و هدفها أو أي شيء آخر.. لكن يجب التركيز على الجهد الشخصي للمدوّن (أو لمجموعة المدوّنين في حالة المدوّنات المشتركة) مهما كان هذا الجهد ضعيفاً.. لن أدخل في تقييم إن كان المدوّن الذي يكتب مقالاً طويلاً و يجتهد في شرحه و تفصيله هو “أفضل تدوينياً” من الذي يضع صورة مضحكة و يكتب تحتها تعليقاً ساخراً.. هذا يعود لمن يقرأ له فقط! و ربما, بل و على الأرجح… المدوّن ذو الصورة و التعليق المضحك هو أكثر شعبية و تأثيراً و وصولاً من صاحب المقالة, و لا يوجد خطأ في ذلك أبداً!
لكن, في لحظة معيّنة يجب فرض مقياس للجهد الشخصي, فلا يمكن مساواة مدوّنة مخصصة فقط لنقل الأخبار و المقالات و مدوّنة ينشر فيها صاحبها نتاجه الشخصي (أيّاً يكن هذا النتاج كما أسلفنا, إن كان مقالةً جدّية و غنية أو خاطرة أو تعليقاً مضحكاً على صورة ظريفة), و هذا الرأي ناتج عن أسباب ألخصها في نقطتين:
الأولى: إن إدخال نتاج الإعلام التقليدي بغزارته داخل مصطلح التدوين كجزئية من الإعلام البديل (و أعتقد أننا بحاجة إلى نقاش معمّق حول الإعلام البديل) هو إضعاف للتدوين و إفقاده لمعناه.. التدوين كمفهوم هو أن أقرأ أو أشاهد أو أسمع رأي أفرادٍ لا صوت لهم داخل الإعلام التقليدي.. ليس التدوين هو أن أقرأ أخبار المواقع الإخبارية التقليدية… في مدوّنة!
الثانية: الظلم الذي يقع على المدوّن صاحب الجهد الشخصي عندما تختلط مدونته بمواقع النسخ و اللصق.. خصوصاً فيما يتعلق بالمواقع التي تتابع ما ينشره المدوّنون (مثل مجتمع المدوّنات السورية أو كوكب سوريا أو غيرها).. فعلى سبيل المثال يكتب أي مدوّن موضوعاً حول أمر يهمّه و يريد إيصال وجهة نظر حوله, و بالتأكيد سيوظف وقتاً و جهداً فيه, بغض النظر عن كمّه, كما أنه سيضع فيه تصورات نفسانية (مثل أن ينتظر ما رأي من سيعلّق عليه و هل سيقرأ الموضوع عدد كبير من الناس و كيف سيرد عليهم و غيرها من هذه الأمور التي هي بالنهاية جوهر التدوين و متعته).. و هذا المدوّن سيُظلم عندما يأتي صاحب “موقع إخباري شبيه بالمدوّنة” و ينشر عدد كبير من الأخبار و المقالات بطريقة النسخ و اللصق بجزء بسيط جداً من الوقت و الجهد الذي وظّفه المدوّن في تجهيز موضوع واحد فقط.. و نرى أن موضوع المدوّن قد “طار” من الصفحة الأولى لمجتمع المدوّنات السوريّة (كمثال ليس أكثر) التي احتُلت من قبل مقالات القص و اللصق لصاحبنا الآخر, و بالتالي خسر المدوّن صاحب الجهد عدداً من القرّاء لمصلحة مقالات و أخبار ليست تدوينية و يمكن قراءتها في الإعلام التقليدي.
بطبيعة الحال من حقّ صاحب مدوّنة القص و اللصق أن يفعل ما يشاء في موقعه و أن ينسخ إليه ما يريد, لكن يجب أن يفهم أنه يحتل حيّزاً من الساحة مخصص لنوع آخر من النشر, هناك عشرات الوسائل لنشر ما ينشره هو, لكن التدوين (العربي و السوري تحديداً) ليس له حيّز للالتقاء و التعارف و التبادل إلا في هذه المواقع.. و يمكن اعتبار كلامي دعوة للقائمين على مجتمع المدوّنات السورية و كوكب سوريا (بعد الشكر و التحيّة على جهدهم الرائع طبعاً) أن يروا إمكانية حلّ هذه المشكلة, و لا أعني إلغاء مدونات القص و اللصق أو المواقع شبه الإخبارية و حذفها من المواقع فلست مع إلغاء أحدٍ.. و لكن بإيجاد صيغة أخرى مثل صفحة مستقلة و مخصصة أو أيّاً يكن.
لو تقبّل أصحاب مواقع نسخ الأخبار و المقالات من صديقهم كاتب هذه السطور نصيحة لقلت لهم أن يجرّبوا أسلوب “تدوين الخبر”, و لعلّ هذا الأسلوب هو الأكثر انتشاراً في كلّ الأوساط التدوينية العالمية, و فيه ينشر المدوّن خبراً, أو رابط يوصل إلى خبر في موقع آخر, و يكتب فيه رأيه حول الموضوع, أو ما لفت انتباهه في هذا الخبر و جعله يشير إليه. على الأقل هناك لمسة شخصية للموضوع و رأي قد يغني نقاشاً لاحقاً..

هل يوجد تدوين سوري ؟
أعتقد أنه يوجد مدونون سوريّون لكن لا يوجد تدوين سوري..
لدينا عدد من المدوّنين ذوو علاقة بسوريا (مقيمين أو مغتربين, يتحدّثون عن الواقع السوري لجمهور سوري أو غير سوري, أو يتحدّثون عن واقع خارجي لجمهور سوري, و بالطبع هذا التصنيف ليس محدداً و من الممكن اجتماع بعض هذه التوصيفات أو جميعها في مدوّن واحد), لكن نتاج المدوّنين السوريين لا يعدو عن كونه “عزفاً منفرداً” دون وجود جو تدويني سوري مميّز.
بطبيعة الحال لا أدعو إلى إيجاد كيان تدويني مغلق اسمه “تدوين سوري” أو إنشاء نقابة أو ما شابه, كما أنني ضد وضع توصيفات و شروط و مواصفات للمدوّن السوري (مهما كانت تلك الشروط و المواصفات عامّة و عريضة): عن ماذا يكتب, كيف يكتب, لمن يكتب.. الخ. لكنني أفتقد وجود جو تدويني سوري يناقش القضايا السوريّة.. لا يوجد نقاش و تبادل آراء (أو قذائف) بين المدوّنين حول مسائل شأننا العام ( و من المؤكد أن الخوف و الحذر الطبيعيين من الخوض في قضايا معيّنة قد تجلب المتاعب للمدوّن و خاصة للمقيمين له دور..) لكنني لا أتحدّث فقط عن الجانب السياسي. هناك الكثير من المجالات الأخرى الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و الفنية و غيرها.. و لا يوجد نقاش بين المدونين السوريين حولها (أعتقد أن آخر مرّة نوقشت فيها قضية بين المدونات كانت حول مشروع قانون الأحوال الشخصية الجديد و تشديد حكم جرائم الشرف).
ليس هناك جو نقاش بين المدوّنين السوريين (و بالطبع لا أستثني نفسي), فقد اعتدنا أن نتفاعل فيما بيننا فقط عندما نقيم حملات, أي عندما نجذف جميعاً (أو عدد منا) في اتجاه واحد, و لست أنتقد الحملات التدوينية فقد شاركت في بعضها بمنتهى السرور, لكن خارج هذا التفاعل و التعاون لا يوجد علاقة نقاش فكري بين المدوّنات و المدوّنين.. لا نجد مدوّناً سورياً يكتب موضوعاً رداً على مدوّن آخر.. إن كان مؤيداً أو مخالفاً, و كثيراً ما يحدث هذا منعاً للمشاكل و الحساسيات و المشاحنات ربما.. و هذا خطأ باعتقادي لأنه ليس هناك سوء في أن يكون النقاش حامياً و أن تكون الآراء متباعدة و متناقضة, كما أن غاية النقاش ليست توحيد الآراء كما يعتقد البعض!
نفتقد أيضاً إلى ثقافة “تدوين الواقع”, خصوصاً بالنسبة للمدوّنين المقيمين في سوريا, و أعني بذلك نقل ما لا ينقله الإعلام التقليدي بطريقة جديدة و مختلفة و إبداء رأي فيه و غيرها من هذه الأمور.. و أكرر أنني لا أعني أنني أدعو المدوّن للمخاطرة بالدخول في مواضيع “حساسة” , لكن على سبيل المثال أذكر موضوعاً للأخ أنس حول حصر دخول أحد المجمّعات التجارية في دمشق للعائلات فقط خلال يومي الخميس و الجمعة.. لقد نقل شيئاً عايشه و رآه و كتب عنه في مدونته, و هو خبر قد يكون عادياً جداً لكن من الممكن أن يقوم على إثره نقاش اجتماعي من نوع معيّن.. و أليس هذا ما نريد؟!
يتبع ..
http://www.syriangavroche.com/

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى