الطموح الأدبي الكبير يحبط كتّاب أميركا
نشرت مجلة “نيوزويك” (عدد 23 شباط 2010) مقالة عن فن الرواية الأميركية وطموحات الروائيين وهواجسهم الكبرى. من المقالة نقتطف:
هل فكرة الرواية الأميركية العظيمة هي أسوأ ما حصل للروائيين الأميركيين العظماء؟ هذا ما يبدو في بعض الأحيان. فالكتاب الأميركيون الذين يكافحون لتحديد الحياة الأميركية من خلال جمع كل تفاصيلها في رواية واحدة يصابون بشكل شبه دائم بالإحباط. ولا أحد يجسد هذه المعضلة بشكل أفضل من رالف إليسون، الذي لم ينشر إلا قصصاً ومقالات في السنوات الـ40 التي أعقبت نشر روايته (الرجل الخفي) التي أدهشت عالم الأدب. لم يخف على أحد أنه كان يعمل على رواية ثانية طوال تلك المدة، وقد نشر مقتطفات منها خلال حياته، وظهر قسم منها يكاد يشكل رواية كاملة بحد ذاته قبل عقد. الآن، وبعد نشر كتاب من 1,100 صفحة يتضمن مسودات وأجزاء وفصولاً مكتملة، بإمكاننا أن نرى ما كان يعمل عليه، ومدى تقدمه في إنجازه، والأماكن التي نجح فيها، وفي النهاية سبب فشله بعدما حاول كتابة رواية تفوق قدراته أو قدرات أحد. هدفه، وليس قلة موهبته، هو الذي خانه، فقد أراد أن يسبر أغوار لغز ومعضلة العرق والهوية في المجتمع الأميركي. كان رجلاً دمره طموحه. لكن لولا هذا الطموح، لما كان الشخص الذي عرفناه.
الطموح الكبير ليس محصوراً بالأدب الأميركي. تولستوي ومان وديكنز وبروست وجويس وتانيزاكي، هم خير أمثلة عن كتّاب عظماء يعملون على نطاق كبير. لكن مقارنة بنظرائهم الأميركيين، فقد كانت مهمتهم سهلة، حتى روسيا أو على الأقل روسيا التي كتب عنها تولستوي كانت ثقافتها أحادية. لطالما كانت الولايات المتحدة مكاناً أكثر تعقيداً، هرمياته الاجتماعية أكثر مرونة، ويكثر الجدال بشأن أنظمته العقائدية ويتم دحضها وتحصل دائماً تجاذبات بشأنها. من بين كل الكتّاب الأميركيين الذين حاولوا التركيز على ذلك، لعل أكثر من نجح في ذلك هو الشاعر والت ويتمان.
لكن مؤلفي رواياتنا يحاولون حصر كل التاريخ الأميركي في رواية عظيمة واحدة، على الأقل منذ أن كتب هيرمان ملفيل عن حوته الأبيض.
لسوء الحظ، فإن معظم الكتّاب الذين كان لديهم طموح شبيه بطموح ملفيل أنتجوا كتباً لم تكن عظيمة واقتصرت على كونها خرافات يستحيل تقبّلها، بدءاً من كتاب An American Tragedy (مأساة أميركية) وThe Bonfire the Vanities (مشاعل الغرور) وصولاً الى Blood Meridian (منتصف نهار دموي)، نرى مؤلفين يحاولون جاهدين كتابة رواية عظيمة لكنها تكاد تنهار تحت وطأة ثقل حبكتها. هناك أيضاً أدباء أبرزهم إليسون وترومان كابوتي كانوا يسعون لتأليف أعظم الكتب، لكنهم بعد سنوات وحتى بعد عقود من العمل، لا ينجحون في كتابة نصوص يمكن نشرها. ومن ثم هناك أعظم مثال عن هؤلاء الأدباء، وهو الكاتب الراحل جيه دي سالينجر. من يعرف ما كان يفعله خلال العقود الأربعة أو الخمسة الأخيرة من حياته؟ هل كان يكتب بشكل محموم أو يحدق الى الورقة البيضاء نفسها؟ كل ما نعرفه هو أنه لم ينشر أي كتاب، ونظراً الى غزارة إنتاجه قبل أن يتوقف عن النشر، فإن الأمر يثير الكثير من التساؤلات. لعل موته سيكشف اللغز. ولعل سالينجر كان أحد أولئك المؤلفين غير المحظوظين الذين تخطى طموحهم قدرتهم على الكتابة وكانوا يعون ذلك جيداً. من المؤكد أن الطموح المفرط تفشى كالوباء بين الكتّاب الأميركيين الذين نشأوا في ظل إرنست همنغواي الشديد التنافسية، لكننا لا نزال نرى بعضاً من ذلك بين الكتّاب الأكثر عصرية؛ لننظر مثلاً الى رواية Union Atlantic الجديدة من تأليف آدم هاسليت الذي حاول تضمين كتابه قصة عن انهيار مصرف وحرب الخليج الأولى والكثير من الأفكار العميقة على طريقة إمرسون. يكاد ينجح في تحقيق ذلك، لكن لا أحد يتمتع ببراعة كافية تخوّله التوصل الى ذلك.
الأدباء الذين نجحوا في تصوير أميركا من خلال الكتابة فعلوا ذلك بشكل تدريجي وليس دفعة واحدة. فمجموع أعمال تواين ووارتون وفولكنر هو الذي يكشف نظرتهم الى أميركا، وليس أحد كتبهم. مع ذلك، لا يزال هناك احتمال مشوّق بأنه يمكن هذه المرة ربما، ومن حيث لا ندري، التوصل الى ذلك من خلال رواية واحدة. ما يعزز هذا الاحتمال هو الاعتقاد الأميركي الصرف أنه كلما كان الهدف صعباً، كان العار أقل في حال الفشل. من يفضل عدم قراءة أي شيء على قراءة تحفة أدبية منقوصة؟ ففي النهاية، حتى توين عجز عن إيجاد الطريقة المثلى لإنهاء رواية Huckleberry Finn.
http://www.newsweek.com/id/233001
المستقبل