اليوم الأول في سجن عدرا
طالب إبراهيم
خرجنا من القلم وهو مكتب الاستقبال الرئيسي في سجن عدرا, بعد أن تم تسجيلنا في ملاك السجن على أننا موقوفين لمصلحة محكمة أمن الدولة “العليا”..
في “الكردور” الطويل, كانت خطوط الماء الآسن المتبقية ترجح احتمال مسحه في ساعات الصباح الوردي الجميل هذا..
لم يفهم أي من الموجودين هناك لماذا تم إرسالنا نحن السياسيين إلى سجن مدني على غير العادة فقد درجت أن يتم إرسالنا إلى صيدنايا أو تدمر بعد أن تم إغلاق سجن المزة العسكري..
أو إرسالنا إلى الجناح رقم “2” في سجن عدرا الخاص بالسياسيين, ولكن ذلك لم يتم ..
استقبلنا أمام استديو التصوير الشرطي “خلف..” وطبع بيديه ورجليه بصماته على وجوهنا أولاً ثم باقي أجزائنا, ساعده فيما بعد ثلة من حماة الدّيار هناك….
في النهاية التقطوا لكل واحد منا صورتين,صورة أمامية, وصورة جانبية… للذكرى…
دخلنا إلى الجناح رقم “7”…
سجن عدرا, كان خمسة صفوف متوازية من الأجنحة,كل صف هو طابقين ,وكل طابق هو جناح يختص بنوع من الجرائم ,لكن كثرة المجرمين, وتنوع الجرائم, جعل من المستحيل تنظيم الجرائم في الأجنحة القليلة تلك,فاختلط الحابل بالنابل ..
لم نفاجأ بالأعداد الهائلة للمساجين, فقد أتينا من فرع فلسطين,وقد وضعونا هناك قبل مغادرتنا الفرع في المهجع الخامس وكنا حوالي خمسين رجلاً قبل أن ينقلونا إلى فرع الأمن العسكري التوأم السيامي لفلسطين إلى المهجع العاشر..وكنا أكثر من مائتي رجل هناك ..سأتحدث عن ذلك فيما بعد..
مجموعة من اليساريين مارست نشاطاً سياسياً سلمياً تم اعتقالها وتعذيبها وإرسالها إلى سجن جنائي مزيداً في التنكيل والتعذيب..
لم يكن لدينا أمتعة فقد سُرقنا من بيوتنا أو من جامعتنا..لم يكن لدينا نقود فقد سرقها
“ابو حسن ـ بسام حسن ” رئيس سجن فرع فلسطين..
وقد خُطفت نظراتنا مسبقاً بسياط جلادي الفرعين السابقين..وسواعد حماة الديار في عدرا..
دخلنا إلى مهجع رئيس الجناح”و.. ع..س” وهو سجين جنائي بتهمة اعتداء على قاصر,عرفنا ذلك فيما بعد,وقد تم تكليفه بحقيبة رئاسة الجناح السابع نظراً لتمرسه بكتابة التقارير..وعلاقاته الحميمة بالأمن, ” وتلقيه كرت واسطة من أحد المتنفذين في السلطة”
تعامل بقرف فظيع وأرسلنا إلى المهجع “77 “..
رفض المساجين دخولنا المهجع لأننا مصابين بالجرب والقمل…
فرشنا بطانية عسكرية في الساحة وخلعنا ثيابنا “لنفلّيها”من القمل ونفقسه, كما شرح لنا أحد المساجين..
كانت الشمس دافئة وحنونة وقد أرسلت خيوطها الذهبية لتُفلّي معنا وتفقس..
لم نجلس طويلاً حتى جاءتنا مجموعة من الزعران وشتمتنا , وهددتنا , ونحن نحاول أن نفهم منها عن المشكلة التي اقترفتها أيدينا بهدوء وروية, قافزين فوق كل الإهانات التي تناولونا بها دون نتيجة, في ذلك الجو المشحون ظهر “أبو راشد..ع ..ع..”أحد قبضايات الجناح, وزعيم لا يشق له غبار,وقف الزعران خلفه,كتف يديه كما يفعل أبطال الأفلام الأمريكية, وقلده الآخرون,ثم بأشنع الكلمات طردنا من ساحته..فقد كنا نفلي القمل فيها و التي ورثها أباً عن جد وبكل جد وجهد واقتدار, رغم انف كل حماة الدّيار هناك, وكل المسؤولين والضباط والعناصر والنجوم…..
ذهبنا إلى ساحة أخرى طردنا منها “أبو علي..ع..س””قبضاي آخر” ومنافس أبو راشد على زعامة الجناح, لأنه وارثها هي الأخرى, بنفس القوة والمروءة والشجاعة..
الساحة الثالثة الوحيدة المتبقية,كانت مشاع إلى حد ما ..
فما تبقى من زعامات ,وأتباع ,أخذوا مساحات خاصة بهم..وتقاسمت البقية مسامات جلدها المحروق , والمطعون ببصاق بنيّ ملوث بخطوط من الدم يفضح صدور الكائنات هناك المصابة بالسل…
لم نستطع فرش البطانية بسبب وجود المئات من المساجين, فجلس كل واحد منا في مكان وبدأت عملية تطهير الجيوب من عصابات القمل الوطني..
لم نستلم طعامنا لعدم وجود أوعية لدينا..تلك الليلة نمنا بجوار التواليتات لأن جميع المساجين رفضوا مشاركتنا معهم أرض المهجع…
لم نكن نقوى على الصراخ,ولسنا مستعدين الآن للدفاع عن حقوقنا فقد كنا نجهل ما هي ,وكنا نجهل أيضاً القوانين, وكنا نعتقد أن عيون الفرعين السابقين تلاحقنا, لذلك اتفقنا ضمناً على الانتظار تحت تلك الظروف لنعرف ماذا بعد..؟!
الحوار المتمدن