صفحات الناس

مزارعو الأمس “عتالو” اليوم..أرصفة وساحات دمشق تتكلم

null
أيمن محمد
شريك الرصيف والطريق، يتقاسم معه حرالصيف وبرد الشتاء، حليف المطر والأشعة فوق البنفسجية، رصيفٌ أبيض وأسود أو علبة السمنة مقعده، ساحة أو كراج سيارات موطنه، يدان قويتان وظهر صلب أدواته،”العتال” لا راتب محدد له ولا جهة رسمية تحفظ حقه، كل رهانه على صلابة عموده الفقري وقوة قدميه بالجري السريع خلف (سوزوكي) الزبون المجسدة لرغيف خبزه..
ماذا سيفعل الفلاح إذا بدأت الأرض بالتخلي عنه؟
أنطلقنا في شوكوماكو من أحد مواقع تجمع العتالين في مدينة جرمانا، وما أن اقتربنا منهم حتى تدافعوا علينا ظناً منهم أننا زبائن، وبعد أن أوضحنا لهم أننا صحافة عادوا إلى أماكنهم ليبقى فقط حسين العلي البالغ من العمر 46 عاماً، الذي أفضى لنا بكل ما لديه، فسألناه عن الأسباب التي دفعته للعمل كعتال، فيعلق قائلاً “أنا كنت أعمل في الزراعة، وكانت الأمور مستورة والحمد لله، لكن في السنوات الأخيرة ومع ضعف هطل الأمطار، حاولت الإعتماد على مياه” الحفريات” لسقاية الأرض، لكن بعد غلاء المازوت لم أعد قادراً على تحمل أعباء الأرض، حيث أصبحت عملية الزراعة عملية صعبة ومكلفة في ظل عدم الدعم الرسمي لي ولبقية الفلاحين”……….
ولدى سؤاله عن المكاسب المالية من مهنة العتالة، يرد قائلاً “خليها على الله أسبوع كامل بـ1000 ليرة”، ولدى سؤاله عن القروض التي تقدمها المصارف الزراعية للفلاحين، لماذا لا يطلب قرض من المصرف لزراعة الأرض، يجيب قائلاً ” حتى إذا حصلنا على قروض وزرعنا الأرض، المشكلة في حال كان المردود سيء في نهاية الموسم ماذا سأفعل، أنت لا تعلم وضع الفلاح، فالفلاح يعمل طوال العام من أجل أن يقوم بدفع الديون للسمان ومحلات الملابس وأشياء أخرى، عملي في سنة يذهب في شهر، لتبدأ الديون في التراكم من جديد، أنا أعلم أن بعض الفلاحين الذين كانوا يزرعون القطن تأخرت المصارف في دفع مستحقاتهم إلى أكثر من 6 أشهر” ويضيف ” ليس مسموح لمن كان يزرع الأرض بمحصول القمح أو الشعير بأن يحولها إلى بستان أو بغرس أشجار بدلاً من زراعة الحبوب”، ويكمل قائلاً ” من لديه المال ليدفع الرشوة يزرع الذي يريد، ولا أحد يقترب منه”،  ويختتم بالقول “ماذا سيفعل الفلاح إذا بدأت الأرض موطنه الأصلي بالتخلي عنه”.
كما استفسرنا عن وضع عائلته، يقول حسين العلي “الزوجة والأولاد في مدينة مسكنة بريف حلب، وأزورهم في الشهرين مرة واحدة، مثلي مثل باقي الذين يعملون هنا”.

من الزراعة إلى العتالة
أحد العتالين الشباب رمضان حمود، يؤكد “بأن إهمال الزراعة وشؤون الفلاحين من قبل وزارة الزراعة واتحاد الفلاحين، هي السبب الرئيسي وراء هجرتنا إلى المدن الكبرى، والعمل في هكذا مهنة”، كما دعا إلى “فتح معامل لتأمين فرص العمل، أو جلب مياه من نهر الفرات للقرى التي يعمل سكانها بالزراعة، إذ يقول “أن الأراضي القابلة للزراعة مساحتها كبيرة وإستغلالها قليل، نتيجة ارتفاع سعر المازوت والسماد وشح المياه في الآوانة الأخيرة، ونحن منذ ولدنا نعمل بالزراعة والعتالة ليست مهنة، ولكن ماذا نفعل إذا كنا قد تركنا الدراسة باكراً لنعمل في الأرض والزراعة”.
ولدى سؤاله لماذا لا تعمل في مدينة قريبة من بلدتك، أجاب قائلاً “في البداية جربت العمل في مدينة حلب في أحد معامل الألبسة، ولكن والله يتعامل المشرفون معنا كما يتعاملون مع العبيد، بالرغم من الرواتب الضئيلة التي كانوا يعطوننا أياها في نهاية الشهر، وكل أبناء بلدتي إما يعملون في بيروت أو في دمشق، ومن يعيش في البلدة حالياً إما موظف أو مدرس، ولا وجود لعمال بسبب غياب فرص العمل هناك”، ولدى سؤاله بحكم أنك شاب، لماذا لا تتعلم مهنة تكسب منها رزقك بشكل دائم، قال رمضان “هل يوجد لدي وقت الآن لأتعلم مهنة ، ومن سيصرف علي، أنا أعمل لأني بحاجة المال، ولكن إذا قدموا لنا أراضي في البلدة وقدموا لنا المساعدات، أنا وباقي الشباب سنعمل ولو بمقابل مقبول، وهم سيستفيدون ونحن سنستفيد”.
دسك بالجملة !
ذهبنا إلى شارع الثورة وسألنا مجموعة من العتالين عن المتاعب الجسدية التي يواجهونها جراء ممارسة المهنة، فأوضحوا أن آلام الظهر والفقرات تكاد تكون موجودة لدى جميع العتالين، إضافة لضعف النظام الغذائي نتيجة غيابهم عن بلداتهم، وعيشهم حياة عزابية، كما أوضحوا أنهم يلاقون معاملة سيئة من بعض الزبائن، حيث قال أبو محمد من الحسكة “والله شاب بعمر ابني صار يتأمر علي، وبشكل غير مؤدب، كما أن بعض الزبائن ينعتوننا بالشواية”.
أحمد من مدينة منبج بريف حلب، تحدث عن المعاملة السيئة من قبل بعض الزبائن له ولبعض أصدقائه حيث قال “لو استطاع الزبون حمل الأشياء التي نحملها لما فكر أصلاًباللجوء إلينا، ولكن عندما نطلب أجرتنا منه يبدأ بالدمدمة، وكأننا نشحد منه. ولدى سؤاله العمل بالزراعة أفضل أم العتالة، أجاب قائلاً “بالتأكيد العمل في الزراعة، على الأقل أبقى قريباً من بيتي وعائلتي، وأعمل هنا إلى أن يفرجها الله علي”.
حتى الرصيف يطردهم
كما التقينا بعض المقيمين في جوار ساحات العتالين، فقال الدكتور جورج “أن وجود هؤلاء البسطاء على مداخل البنايات منظر غير حضاري وغير لائق بالبلد، وذات مرة زارني صديق أجنبي وقال لي ألا توجد لديكم نقابات عمال تهتم بتشغيل العمال، كما أضاف الدكتور جورج “لا بد للدولة من إيجاد حل لهؤلاء بأن تجد عملاً لهم، أو تعالج مشاكلهم، أو تحدد أماكن لوجودهم، فمن غير المعقول أن يبقوا في الشارع”.
وكانت قد قامت بعض المحلات التجارية وبنك سورية والخليج بمنعهم من الجلوس على الرصيف المجاور بطريقة غير إنسانية فاقتصر وجودهم عند الساحة فقط على حد قول عمر، حيث قال “إن وجودنا بقرب بعضنا يخلق مشاكل بيننا وخاصة عندما يأتي زبون، ولهذا نتوزع على مجموعات لكي لا تحدث مشاكل فيما بيننا، ولكن نتيجة زيادة عدد الوافدين من المناطق الشرقية نتيجة هجر الزراعة وغياب فرص العمل، بدأنا نجلس أمام المحلات التجارية، وذات يوم أتى صاحب محل وقال لنا “شو أنتم ما بتفهموا مكتوب الرجاء عدم الوقوف أمام واجهة المحل”.
ولدى سؤاله ماذا تنتظر من المستقبل، أجاب قائلاً ” أتمنى أن أجلس في بيتي قرب أولادي، لكن كما تعلم أن فرص العمل لمثلي قليلة جداً.
شوكوماكو

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى