عويل وطن
فلورنس غزلان
مالذي أجج شهوة القتل؟ ما الذي زرع فتنة الطوائف وعمق هوة الإخفاق، وذبح ماتبقى من خُلق وانتماء؟ من زرع أشباح الرعب فوق شفاه الطفولة واختصر أيامهم ليكبروا قبل الأوان؟ مَن يحفر موت وطن رويداً رويداً ويسلخ عنه رجولته؟..مَن جعل من الكلام خطيئة ومن المغفرة جريمة؟ من حرم النوم على العيون اليقظة؟ وامتهن فعل الموت بدلاً عن فعل الحياة؟ مَن فتح أعشاش الغربان وطوق بيوتكم بالأحزان؟مَن اختصر خارطة الوطن ورتل آيات دجل تخجل من ذكرها شياطين الأرض؟مَن أعلن أن الحُجُب مكشوفة عنه وأنه وليكم بإرادتكم وأنتم نيام لاقيام؟ مَن كتم على أصواكم وقص ألسنتكم من منابتها قبل أن تولد؟ مَن علمكم حروف الزنى في السياسة وحروف الكراهية لبعضكم ولجيرانكم؟ مَن غسل بصابون إبليس أكبادكم وعقولكم وجعل منكم مسخاً بشرية مسلوبة الإرادة ومسلوبة الكرامة؟
مَن رش حنطتكم بداء العته والبله السياسي ،؟ مَن قتل فيكم روح العشق للياسمين وروح المحبة بين العالمين؟مَن أفشى أسرار أرضكم لعدو يتربص بخضرتها وشمسها؟ مَن جعل ميزان عدلكم خاوياً وكفة الظلم فيه راجحة على الباطل؟ مَن أزهق روح المواطنة وكبلكم لينتقص من قدرتكم على الانتفاض؟ مَن أرضعكم حليب الزيف والفساد والسلب والسبي لبعضكم …لخيراتكم…لمنابع الماء فيكم…لمنابع النار وأطفأ لهيبها كي يروضكم ويربيكم عبيداً لسلطته وعبيداً للغة هجينة على تاريخكم؟
أي داء أصاب مفاصل حياتكم اليومية وعششت فيه ديدان الخراب وأنتم صامتون ؟ مَن أماتَ أحلامكم وآمالكم…وقتل شهوة الخلاص وتراتيل صلاة فجر ينتظره أبناءكم…فهلا استيقظتم؟
ــ وطن أقرأ فيه انتشار اللواطة، وتجارة الأجساد والمخدرات، وانتشار الجريمة، وقتل العذارى وتفجير الوحشية في قلوب أبنائه…
ــ وطن تسجل يومياته جوعاً يتضخم وعوزاً يتفاقم، وجرذان تنخر مخزونه التمويني وجراد يأكل مواسمه وهو غائب مُغَيَب عن الفعل.
ــ وطن يأكل الذباب والقذى عيون أطفاله، يبعدهم عن مقاعد الدرس وباحات اللهو فيحملون أكياس العمل ويشربون حنظل المسؤولية ويعتقدون أنهم رجال الغد.
ــ وطن يستبيح لحم نسائه دون رادع ويحمي قتلتهن دون عدل، ويتاجر بإنصافهن وهو المغتصب، وطن يحرمهن انسانيتهن ومسؤوليتهن عن أولادٍ كُنَّ سِرَ حياتهم وأوكسجين حياتكم.
ــ وطن لايحمل حكامه سوى المطارق والعصي ولا يستخدمون سوى الدواليب والكابلات لترويضكم ، لإخضاعكم، لتربيتكم…لأنكم بنظره لم يحسن أهلكم تربيتكم ..(.وطنياً )!…فما علمكم التاريخ وما تركه لكم الأجداد من تضحيات ، ماهي بنظرهم إلا خزعبلات…يتبنوها ويجعلون منها لبوساً لهم ويسخرونها لدروس في الانتماء لعشيرتهم…لأنها غدت وطنكم الجديد…كي تنسوا وطناً اسمه سوريا…فغدت سوريتهم وأنتم الأتباع…أنتم رعاياهم…
ــ وطن لاتطير فيه الأفراح ولا تلهج الأغاني إلا لتبجل حكامه، لايرتفع فيه آذان ولا تدق فيه نواقيس كنائس إلا لتدعو لحكامه بالثبات والنبات وطول البقاء أسياداً عليكم.
ــ وطن يسير رعاته في جنازاتكم كل يوم وجنازات نساءكم وشبابكم وخير مثقفيكم وكتابكم…تبكونهم بالصمت …وحتى لاتستطيعون أن تجهروا بالدعاء على يد قتلتهم بالكسر!…
ــ وطن صار لكم سجناً كبيراً، حُراسه تأكل لحومكم ولاتبقي فوق موائدكم إلا فتاتاً لتقتاتون به ويقولون أنكم تنعمون بالخير وبركات زعمائكم…ترضون بالصور الخادعة وتجبرون على النطق
بما لاتفكرون به أما م عدسات كاميراتهم وكاميرات العالم…لكنكم تندمون لاحقاً..فإلى متى سينفعكم الندم؟.
ــ وطن أقرأ وتقرأون في صحفه الرسمية يومياً ، أنباء الغش في اللحوم والألبان والأجبان والخبز ، ويبيعكم تُجَارَه ُما يسرطن حياتكم ومايلوث هواءكم وماءكم..دون أن يمنحكم حقكم في دواء أو استشفاء، فقد باتت مشافيكم أقفاصاً للموت…، لكنها دواء لمن يدفع ولمن يملك قوارض السلب…في سياسة العهر والدجل…وأنتم تطأطئون الرأس وتنتظرون فرجاً يأتيكم من عالم الماورائيات!…مع أنكم تعلمون أن خروجكم من نفقكم المظلم…لن يكون إلا إذا استخدمتم لغة الوطن..لغة الصراخ ….لغة مقاومة اللاعدل…لغة التضامن بينكم…لغة استعادة وعيكم وايقاظ النائمين منكم…لغة الاجتماع على حب سوريتكم والانتماء لها فقط…الاجتماع على حريتكم…ومن أجلها…يجب أن تفهموا أنها تحتاج لرجولتكم ونخوتكم …تحتاج لتضحياتكم ولو غلت…أما كفاكم تضحون دون طائل؟…تضحون بصمت وتغمضون العين والمخرز قريب منها…قفوا بوجهه ولتكونوا عورا …بعين واحدة لهو أفضل من العمى المستمر والمتواصل.
ــ وطن أضاع حكامه اسكندرونكم ووقعوا على بيعته، وهاهم يستنجدون إسرائيل علها ترضى وتتبسط معهم وتعيد لهم ماتاجروا به نصف قرن ..جولانكم..وما قالوا فيه خطباً على المنابر وجعلونا مسخاً وأضحوكة بين الدول…يُبَرمجون عسكراً وسلاحاً لايستطيع مواجهة أحد سواكم…لأنكم عدوه الأول قبل إسرائيل…لأن ثورتكم تعني غيابه في مجاهل التاريخ…ولعنته الأبدية على لسان أجيالكم القادمة، فهل سيبقى نهر الأحزان رفيقكم؟هل سيبقى ياسمين آرام ..” اسم دمشق قبل الإسلام” ذابلاً وحواريها مغلقة الشرفات؟ متى تخرج مواكب الأطفال بثياب العيد الملونة ورايات الحرية بأيديهم ترشهم نساءكم بعطر البهجة وحنان الفخر؟ متى تعلن منابر الوطن ووسائل إعلامه موعد صلاة الفجر ، وفيضان المحبة من عيون أمهاتكم…أما حانت لحظة انفجار صبركم؟.
ــ باريس22/03/2010
خاص – صفحات سورية –