صفحات من مدونات سورية

سيحدث ذات مرة في سيراليون

بما أنني لم أكن يوماً مواطناً صالحاً ولم أستوفي أدنى الشروط للمواطنة الصالحة ، حيث كان لساني دائماً متشرداً ولم يعرف معنى أن “ينضبّ” في فمي للحظة واحد ، وحيث أني كنت أعرف كيف أميز بين الحق والباطل والمنيح والعاطل،ولم أكن منتسباً إلى حزب من العشرات من الأحزاب المختلفة في الأسماء والمتطابقة في الأنباء، ولم أقف يوماً احتراماً لمعلمي الذي كان قد تم تعيينه بتوصية من سائق رئيس الديوان الذي يكون صهر مرافق سيادة الوزير المسؤول عن إطعام التبن للفقراء والمحتاجين، وكما أنّي كباقي المجانين الذين لا زالو خارج القضبان، لا زلت أقف كلّ يوم على موقف السرفيس ، وأدوس بقدمي اليمنى على ما خلّفه لي الوالد الأكبر – رحمه الله عندما كان تحت تأثير المخدر – من قيمٍ ومبادئ يتشدق بها الجزء اللابأس به من هذا المجتمع العليل، وحيث أني أعتبر نفسي – مستقبلاً – سائحاً من الدرجة الأولى كما كان والدي، فقد خططت لزيارة كافة معالم سيراليون هذه المشهورة ، وحتى الآن فقد كنت محظوظا في زيارة كفرسوسة وانا بهذا العمر ووالدي – رحمه الله بكفّ مغيب عن أعين الحكام – كان قد اتخذ عرزالاً في المزة ولعدد كبير من السنوات لم يتسنَ لي أن أحصيها لأنه لم يكن قد فكر في إنجابي بعد ، و والله قد غضبت غضباً شديداً تزلزلت الأرض والسماء له حين علمت بذلك لأنه لم يدعوني لزيارته يوماً وندمت لأني لم أتخذ دور الشيطان “وأزنّ في ودانهم” كي ينجبوني قبل هذه النزهة فأحظى بمتعتها، واستمراراً للنهج فإنني قد وضعت نصب عيناي أن أكمل مسيرة والدي فلا زال لدي بضعة أثار من تدمر والقلعة والشيخ حسن والعدوي والقصاع والطلياني والروضة وقطنا ودوما والنبك والضمير والقابون والراموسة وأخيراً لن أنسى أن أقوم بزيارة مطولة إلى صيدنايا وربما أنقل معي عرزال والدي معي لربما طالت إقامتي هناك.
وحيث أني أتيت على ذكر تلك المعالم السياحية الضخمة فإنه يحكى في بلادي / فقط / والمسماة سيراليون / سيريا – ليون … الخ الخ الخ
كان هناك شخصٌ يختبئ في الظلام من شمسٍ تبحث عن جاهلٍ ما لتعلّمه، ولكن لأنه في بلادي حيث طغى الكره على الحب ، والحقد على الأخوة ، والكذب على الصدق ، والسبات على اليقظة ، وحيث أنه لم تزل الشمس تظن أنها تطل على جزيرة مهجورة ، فلم يجد هذا الشخص صاحبنا إلا أن يختبئ في الظلام، ولأن الساكت في نعمة وإن تفوهت بحرفٍ فإنك خائن بحقّ، وناكر للنعمة.
وبينا كان هذا المختبئ لوحده ، بين لحظةٍ وأخرى أجد بأن هذا الـ “وحده” قد أصبح لديه بقيّة، عدا واحداً منهم كان قد تسمّر جامداً – وبكل وقاحة ها – في منتصف دائرة الشمس، ومن خوفي عليه أن يجنّ مثلي، وأيضا من منطلق الفقرة الأولى أعلاه حيث ذكرت صفاتي الغير حميدة فقد صحت به أن يأتي ، أو بالأحرى أن تأتوا إن كان معه أحد، وأن لا يخشى ، فلديّ من الشتائم في بلادي ما يكفي للجميع لعدة سنين فلتأتي بكل ما أوتيت / أوتيتم من فوضى، فإن هذه البلاد لا تحتمل المزيد من النظام ، ولتأتوا بعتادكم الكامل من زنازين وقيود وبقايا أفكار، فإن بلادي لم تعتد بعد أن تطأها أقدام الأحرار، ولتحاول قدر الإمكان أن تصطحب معك أكبر كمية ممكنة من القذارة والنجاسة والقسوة والنذالة وإدعاءٍ للإنسانية، فهذه الأرض لم تخلق لك يا صديقي ، إنها فقط حكر على البشر، وحاول قدر المستطاع أن تقف في الظلام وأن تتدثر بحزنك المكتوم، وتتصنع البكاء، ولا ترني وجهك، لأني لن أميزك عنهم حتى لو كان تمييز الوجوه هذا من ضمن قدراتي الإعجازية، ولا فائدة من أن تشيح بوجهك تجاهي، لأنك حتى أنت لن تعود قادراً أن تعرف وجهك وتميّزه.
ولا تقف هكذا بغباءٍ فطريّ، وإياك أن تسلك هذا الطريق ، فهو يعجّ بمخلفات قذارة الإنسانية من سياسيين ووزراء ونوّاب وحكّامٍ دكتاتوريون.
والطريق الآخر لا يعرفه أحد
والآخر لا يعرفك فيه أحد
وإن كنت مصرّاً على أن تمضي كما أنت
فقد تبقى لكَ طريقٌ ربما تستطيع العبور منه
فهو لم تدسه أحذية العابرين
ولم تدنسه عجلات سيارةٍ سوداء ، تملأ وقودها من دمي ومن عرقي ، أو من عرق أمثالي البؤساء، الذين لا زالوا حتى الآن يقفون في ذلك الطابور الطويل ، حيث عندما يصلهم الدور إما سترتفع أسعار الشعير ، أو ستدوسهم أقدام الحمير أو سيشتعلون سعيراً، فيصبح الموت عليهم أهون، وربّما أكثر توفيراً.
ولا تخشَ من أن يصبح حذاءً بالياً أرخص منكَ ، ولن تكون هذه النهاية ، فالأحذية يا صديقي ، هي بقايا البشر، وأنتَ لا زلت حتى الآن حياً ، وحين يحين موعدكَ المنتظر، ستصبح جثّتك ذات قيمة أعلى من الحذاء.
بل اخشى أن تكون قيمتك أعلى من الحذاء في حياتك، فحينها ستصبح قيمتكَ تساوي أجرة عاهرةٍ ترقص في قصر أحد الأمراء.
ولا تفكر بالمستقبل هنا ، تعال لأحدثك عن المستقبل
بعد حين .. ستغلق مصانع الأحذية
وبما أن الله سيتبرأ ويخرج من ثوب البشرية ، ولن يرسل عزرائيلاً واحداً ليُميت أحداً
وتلك الكائنات المسؤولة عن تفكيك وتحليل الجثث لتصبح خامات نفطية ، ومن ثم من بقاياها تصنع الأحذية.. ستكون أشرف وأنقى واطهر ، من أن تلامس جثةً هامدة، تسمى جثة بشرية.
وسيهجر العالم الأرض ، حتى أولئك الذين استهلكوها، سيرحلون، لكنهم سرعان ما يعودون ، وبأقنعة جديدة الأرض ذاتها سيسكنون.
وأنا ، والجميع ، وحتى أنت
ستستعبدون
سيتاجرون بكل ما تملكون من دم وعرق
وسيجعلون للدمِ سوقاً
ويقفون على المصفاة التي شيدوها لحصر عرق البؤساء
وكما سيصبح للكرامةِ سوق بورصة
ترتفع أسعارها وتهبط
ولكنكم ستبقون كما أنتم
أرخص من أي حــــذاء
فيا صديقي
كفاك تشريعاً للكفر بأحلامك
ستوقظك الحقيقة يوماً ما
وتجلس وقتها مذعوراً
تتلفت يميناً وشمالاً
وسيهزأ بك ثلاثة شهود عيان
البشري والملاك والشيطان
فهدئ من روعك يا صديقي
وكفاك تعاطياً بكابوس
يوهمك أنك ستصبح إنسان
على أرض
وفي بلدٍ
وفي وطنٍ
لا يشبه أياً من الأوطان
ودمتم كما أنتم
http://blog.syrtofolio.com/?p=485

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى