صفحات سورية

ماذا وراء التهديدات المتبادلة بين دمشق وتل أبيب؟

null
جان كورد
صرّح صديقنا الغالي الأستاذ فراس قصاص، الناطق الرسمي لحزب الحداثة والديموقراطية، الذي لانشك في وطنيته وحبّه للبلاد التي يناضل من أجل تقدمها وتطورها وفي سبيل خلق مجتمع إنساني حديث ترفرف عليه رايات الحرية والديموقراطية، بأنه مستعد للقتال ضد اسرائيل فيما إذا هاجمت سوريا… موقف وطني شجاع ونابع بالتأكيد من وطنيين أحرار، وإنه كما أدري موقف جامع لشتى فصائل المعارضة الوطنية والديموقراطية السورية، أياً كان تواجدها، سواء في الشارع السوري، أو في المعتقل السوري، أو في المهاجر…والسوريون في هذا الموقف النبيل متفقون بالتأكيد…ولكن!
هل هذه التهديدات القاسية المتبادلة بين قادة سوريا واسرائيل جادة حقيقة، أم أن وراء الأكمة أكمة؟ وهل صدقها أخونا بالله، الأستاذ فراس قصاص، أم أنه يسعى لتسجيل موقف وطني آخر في مسلسل هذه الاعلانات السورية الغريبة والعجيبة، كما فعل الإخوان المسلمون وغيرهم من قبل؟
منذ أيام قلائل صرّح ايهود باراك، الذي يشكلّ عموداً أساسياً في النظام العسكري الذي تقوم عليه دولة اسرائيل، بأن عدم التوصّل مع سوريا إلى سلام أمر مضّر، والذي يفهم من هذا التصريح بأنه يسعى من أجل سلام مع سوريا، كما أن السيد الرئيس بشار الأسد الذي يختلف عن أبيه الراحل في نبرته السياسية، ويكاد أحياناً لا يتمالك نفسه، قد قال مؤخراً بأنه لن يعطي اسرائيل السلام قبل حصوله على الأرض، أو شيئاً شبيهاً بهذا…ويفهم من ذلك أنه يضع “استعادة الجولان” كشرط أساسي أو أوّل للسلام المثبت بمعاهدة كالمعاهدة الاسرائيلية – المصرية في أيام الرئيس الراحل محمد أنور السادات…
هذا هو الاتجاه الأساسي في التخاطب بين دمشق وتل أبيب…وكل ما عدا ذلك من تلاسن أو ملاسنة فهو “حرب نفسية”، و”لعبة شطرنج”، وتكتيكات وقتية هدفها اقناع الآخر بأن الحرب ليست في صالحه وأن السلام هو الأفضل…
فهل نسي الأستاذ فراس قصاص مخاطبة الرئيس السوري ووزير خارجيته حكام تل أبيب من منصات دمشق بشكل يكاد يكون مباشراً، فالخطاب جاء على وزن “جمع المخاطب” (أنتم) (واياكم) و(تعالوا إلى السلام) و (الحرب لاتفيدكم…!!!) وهكذا… وما الفرق بين أن تخاطب أحداً عبر ميكرفون منصة سياسية، ينقل الإعلام كلامك مباشرة إليه، وبين أن تدخل معه في مكالمة هاتفية أو تجلس بجانبه، كتفاً إلى كتف، في صالة من صالونات الفنادق الفاخرة، وتقول (له / لها) أو (لهم / لهن) ما في رأسك وقلبك مباشرةً، وتسخدم (أنتَ وأنتِ وأنتم وأنتنَ) وبخاصة فإن تطوّر الإعلام في عصرنا هذا جعلك ترى البعيد قريباً جداً، تكاد تلمسه…؟ ماالفرق بين أن يخاطب أسدنا السوري حكام اسرائيل من دمشق وبين أن يذهب إلى هناك ويقول لهم نفس الكلام؟
من ناحية أخرى، هل نسينا توسلات السوريين بأن تلعب تركيا دورها الهام في تفعيل المفاوضات “غير المباشرة” بين سوريا واسرائيل؟ وماذا تعني المفاوضات غير المباشرة؟ وفدان ديبلوماسيان يذهبان إلى استانبول أو أنقره، يقيمان في فندق أو في فندقين في ذات المدينة، يتنقّل بينهما الوفد التركي ولربما برفقة بعض رجال المخابرات الأوربيين والأمريكيين بصفة اعلاميين أو مراقبين سياسيين، ويجري الحوار على ذات المستوى الذي يجري فيه حوار مباشر أيضاً… وبرأيي فإن الحوار غير المباشر شيء مبتذل، ولا يمكن اعتباره رفضاً للآخر أو عدم اعتراف بوجوده، وإلاّ لما ذهب وفد سوري للحوار مع وفد اسرائيلي في فنادق تركية عن طريق وسيط … فعدم الاعتراف بوجود الآخر شيء آخر…
ويبقى مثيراً الدخول على الخط الساخن، من قبل السيد إفيغور ليبرمان، وزير الخارجية، من اليمين الاسرائيلي المتشدد في موضوع السلام والأرض، سواء تجاه الفلسطينيين أو تجاه العرب عموماً، هذا السياسي المعروف بتصريحاته النارية، التي لا تؤخذ في المحافل الدولية في معظم الأحيان مأخذ الجد، وخاصة قوله المباشر (من تل أبيب) للرئيس السوري بأن الجيش الاسرائيلي قادر على احتلال دمشق، وبأن عائلته الأسدية ستخسر الحكم في الحرب القادمة مع اسرائيل…مذكّراً بمصير العائلة التكريتية في العراق، وكيف انتهى حكمها في عام 2003 مع سقوط أوّل صاروخ أمريكي على قصور كبيرها صدام حسين…
ربما يتساءل بعضهم: أليس هذا بتهديد مباشر لسوريا؟
الأمريكان طالبوا رئيس الحكومة الاسرائيلية بنيامين ناتان ياهو بأن يعطيهم تفسيراً (توضيحاً) بذلك، وأرفقوا طلبهم بأن تخفف الحكومة الاسرائلية من لهجتها هذه، وتنتظر حتى يأخذ سفير أمريكي موقعه في دمشق، بهدف ترويض النظام السوري وكبح أخطاره واغرائه بعقد سلام مع اسرائيل، إضافة إلى التخلي عن التبعية لايران وملحقاته المقاتلة في لبنان وفلسطين واليمن والعراق، وأخذ مكانه ك”عنصر أمن واستقرار” في المنطقة، مقابل السعي الأمريكي للتباحث حول مصير “الجولان” ودعم مسيرة السلام في فلسطين، والعمل على انقاذ رقبة الأسد من أي قرار ترفضه المحكمة الجنائية الدولية الخاصة باغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق، الذي استشهد مع أكثر من عشرين انسانٍ في وسط عاصمة بلاده نتيجة عملية إرهابية كبيرة، توجهت على أثرها أصابع الاتهام نحو دمشق وجرت تحقيقات كثيرة فيها على أيدي كبار المحققين الدوليين، وطرد بسببها الجيش السوري من لبنان…كما ستساعدالولايات المتحدة النظام القائم في دمشق في الاستمرارعلى الحياة حيناً من الدهرعن طريق اهمال المعارضة السورية أو تقديم رأسها على طبق من ذهب للعائلة الأسدية فيما إذا قامت بواجباتها بشكل جيد… مثلما فعلت ذات الشيء مع زمرة صدام حسين الاجرامية في العراق من قبل…
يرى بعض المراقبين بأن تصريح ليبرمان (وهو شخص من العيار الثقيل باستمرار) جاء لأنه شعر بصفقة سرية مع سوريا يحاول تمريرها وزير الدفاع ايهود باراك بموافقة من رئيس الوزراء ناتان ياهو…وهذا يعني أن ليبرمان الذي أعطى ناخبيه كثيرا من الوعود بعدم التنازل عن “الجولان السوري” سيخسر مكانته وشعبيته، بل ومقعده في الحكومة أيضاً… فأضطر إلى اظهار موقفه المتشدد والرافض لتلك الصفقة بهذا الأسلوب الذي هو أسلوبه المحبب…
قال الرئيس المصري محمد أنور السادات قبل حرب 1973 بفترة، المعروفة باسم (حرب الغفران)، بأن “مصر لن تحارب والسادات لن يحارب حتى يكون القرار مصرياً…!” وفهم العالم بأسره وقتذاك أن القرار النهائي للسلام والحرب ليس في أيدي الحكومة المصرية أو الرئيس المصري، وانما هو مرتبط بجملة معقّدة من العلاقات العربية والدولية، وبالتوازن الاستراتيجي في المنطقة، وبالدول العظمى في العالم… وكلنا يعلم أن مصر أقوى من سوريا، عسكرياً وسكانياً وتعبوياً وتصنيعياً وموقعاً استراتيجياً، من سوريا التي حل بها الفقر وتحوّل جيشها من محارب يدافع عن البلاد إلى خادم يتسوق لبيوت الضباط، ولبناء قصورهم وتنظيف مسابحهم، بل هو يعطي ضباطه الرواتب، ليعمل لأولاده ليلاً ونهاراً من أجل تأمين لقمة الخبز التي كلما اقترب منها طارت مسافة أبعد…
هل سوريا قادرة على خوض حرب مع اسرائيل دون علم وموافقة ومشاركة مصرية وأردنية؟
ألن يخذل حزب الله المكشّر عن أنيابه أبداً جيش سوريا الذي لا يملك سوى معدات حربية سوفياتية قديمة صدئة، مثلما خذل “حماس” ابان حرب اسرائيل على غزّة قبل الآن؟
هل ستتحرّك دبابة عراقية واحدة لتدعم الجيش السوري، كما فعل ابان حرب الغفران في عام 1973؟
هل ستهاجم ايران اسرائيل أيضاً في حال نشوب حرب اسرائيلية – سورية؟ وهل تدخلت ايران إلى جانب الشعب العربي الكويتي لانقاذه من الغزو العراقي، أوهل شارك العرب وحلفاءهم في التحالف الدولي لطرد عدوه من الكويت؟ أو هل وقف الايرانيون إلى جانب العراق الجار ضد “الشيطان الأكبر!!!” أم أن ايران انتهزت فرص تلك الحروب لتبني قوتها من أجل لعب دور مستقبلي هام في المنطقة… نعم، ستدخل ايران في الحرب ضد اسرائيل وحلفائها، فقط عندما تسقط الصواريخ فوق مفاعلاتها النووية وحقولها النفطية وقصور ملاليها…أم أن أستاذنا القدير فراس قصاص يجهل ذلك؟!
سوريا لن تحارب والأسد لن يحارب لأن كل ما حولهما وما في أيديهما من قوة ليست كافية لمنع حدوث ما حدث للعائلة التكريتية في العراق…
المعارضة السورية وطنية يا أستاذ فراس قصاص، ولا غبار على وطنية “حزب الحداثة والديموقراطية”، والمعارضة السورية تؤمن جميعاً بأن الدفاع عن الوطن من واجبها قبل غيرها، بغض النظر عن موقفها من النظام…لذا أرى أن لا حاجة إلى مثل التصريحات، وكلنا يعلم بأن سوريا الأسد بحاجة إلى من ينقذها من أزماتها والعائلة الأسدية تطرق كل الأبواب لابقائها على سدة الحكم، حتى ولو أضطرت في النهاية إلى التعلّق بأكمام ليبرمان الاسرائيلي بذاته…
الحوار المتمدن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى