أبي حسنصفحات الناس

إلى صديق أحبه في فريق 14 آذار بمناسبة صدور كتاب عن الحريري

null



أُبيّ حسن

صديقي, لقد صُدر حديثاً كتاب للخبير الألماني في علوم الجرائم السياسية يورجن كاين كولبه, والمعنون بـ” Mordakte Hariri Unterdrückte Spuren im Libanon”, يؤكد فيه تورط الموساد الإسرائيلي باغتيال الرئيس رفيق الحريري(وهذا ما لا يروق لفريق 14 آذار),

قبالة تورط الولايات المتحدة الأمريكية والقاضي ديليتف ميليس في تضليل التحقيق. وقد يصح يا صديقي أن يكون ذلك الكتاب الجديد مناسبة للعودة إلى الحديث عن الزلزال الذي أوجد شرخاً في العلاقات السورية- اللبنانية, والذي على أثره خرج الجيش السوري من لبنان, كما تعلم ونعلم.

من المعروف يا صديقي إن أصابع الاتهام, من قبل بعض الرموز اللبنانية, سرعان ما وجهت إلى النظام السوري ومنذ لحظة ورود نبأ اغتيال الرئيس الحريري. والأمر نفسه تكرر في الاغتيالات اللاحقة التي طالت شخصيات لبنانية(أخرى) مُعارضة لهذا النظام. لا بل إن الأمر سرعان ما تطور تدريجياً لدى بعض أركان 14 آذار إلى درجة بات “يتنبّأ” معها بعضهم بوجود لائحة اغتيالات ستنفذ قريباً بحق شخصيات لبنانية مُعارضة لهذا النظام! طبعاً ولا يخفي أولئك البعض –كما تعلم ونعلم- قولهم إن مصدر معلوماتهم هو الأمريكان(ومعروف أن الأمريكان لا “يكذبون” في سبيل مصالحهم السياسية, هل كذبوا في ما يخصّ الأسلحة النووية في العراق؟)!.

الآن, وبعد مضي أكثر من ثلاث سنوات على مصرع الرئيس رفيق الحريري ورفاقه, وما تبعه من عمليات طالت عدداً من الشخصيات اللبنانية المناوئة للوجود السوري في لبنان, أتذكر يا صاحبي كيف كنا مجموعة من الشباب السوريين الناقمين على النظام السوري سنتذاك, نجلس في مقهى الروضة في دمشق نحلل ونفسّر ونترقّب سقوط هذا النظام الذي اقتنعنا ضمنياً(على الأقل) بأنه خلف عملية الاغتيال تلك من دون أن يكون بين أيدينا أي دليل جنائي, شئننا في هذا شأنكم في لبنان, أعني حركة 14 آذار.

لاشك, أنني كنت وصحبي متأثرين حينذاك برأي من هم أكبر منا سناً وقدراً, وأكثرنا معرفة وإطلاعاً, سواء أكان من أعني من كبار المثقفين المعارضين أو “الحياديين” أم كانوا من التيار السوري القومي أو الناصري المُعارض.

لكن, صديقي, إن مجرد إلقاء نظرة سريعة إلى الوراء, والى الأحداث الكثيرة التي شهدتها المنطقة ومن ضمنها لبنان من بُعيد اغتيال الرئيس الحريري حتى الآن, تجعلنا نعيد الكثير من الحسابات, وفي مقدمتها موضوع اغتيال الحريري. فعلى سبيل المثال, وإذا ما عدنا إلى صلب التُهم التي وُجهت إلى النظام السوري و”دوافعه” إلى الاغتيال كما كنا نزعم, سأذكرك(إن كنت تذكر) كيف كنا نحيل دوافع “الاغتيال” إلى أسباب تبدو أكثر من صبيانية الآن مقارنة بما نشاهده من أحداث؟ هل تذكر الدوافع التي كثيراً ماسفحنا الكثير من وقتنا ونحن نثرثر فيها في مقاهي بيروت؟, تلك الدوافع التي تحدّث عنها “الصادق” مروان حمادة في جلسة مجلس نوابكم التي أعقبت عملية الاغتيال(ومن المشهود لمروان حمادة بالصدق, فهو كالسيد عبد الحليم خدام في سوريا, لا “يكذب” أبداً).. ولعلك تذكر, كما أذكر أنا تماماً, كيف كان السيد مروان حمادة خطيباً مفوهاً في تلك الجلسة, لقد فاق بفصاحته خطيب أي مسجد من مساجد القابون(الحي الشهير في دمشق), ومن نافل القول إن فصاحته نالت إعجابنا آنذاك!. نعم كم ستبدو فضائح من قبيل بنك المدينة وكازينو لبنان الخ… تافهة ومضحكة في ظل ما نتابعه الآن؟ لا بل كم ستبدو تلك الدوافع(الفضائح) تدعو للسخرية إذا ما قارناها في فضيحة حفلة الشاي في مرجعيون ذات يوم من تموز 2006؟ وبالتأكيد سنبدو مراهقين جداً إذا ما أجرينا مقارنة بسيطة بين تلك الفضائح(إن صدقت) مع موقف حكومة الرئيس فؤاد السنيورة من حرب تموز 2006, تلك الحكومة التي راهنت على سحق إسرائيل لحزب الله في أقل من أسبوع!.

هل تذكر كيف كنا نترقّب قناة “المستقبل” لنرى متى ستعرض لنا, ولسوانا من المنكوبين بمتابعتها هي وبرامجها, ذلك الشريط (المزعوم)الذي سجّله الرئيس رفيق الحريري من خلال قلم, وفيه تهديد الرئيس السوري له قبل التمديد للرئيس إميل لحود؟, ومع ذلك خذلتنا(كالعادة) فضائية “المستقبل” ولم تعرض الشريط!. لكن مهلاً, لم نكن وحدنا من صدّق وراهن تلك الأيام, إذ ثمة مثقف سوري بارز في المعارضة السورية روى لي حادثة أو نكتة(وهو الأصح) القلم ناسباً إياها إلى الراحل جوزف سماحة الذي أفاده (والحديث ما زال على عهدة المثقف السوري) إن الرئيس الحريري يومها سلّم نسخاً من ذلك الشريط المسجّل من خلال القلم إلى كل من الرئيس الفرنسي السابق جاك شيراك والرئيس المصري المؤمن محمد حسني مبارك والرئيس الباكستاني برويز مشرّف(راعي الديموقراطية في باكستان), وما زلت أجهل لماذا تجاهل جوزف سماحة(حال صدقت رواية صديقه السوري عنه) أن يخصّ الملك السعودي عبد الله بن عبد العزيز بنسخة من ذلك الشريط, خاصة أن الحريري الراحل هو ممثل المصالح السعودية في بلدكم المنكوب بمحبة الأمريكان والسعوديين له, تماماً كمحبة أجهزة المخابرات السورية له في ما سبق!.

تعرف جيداً يا صديقي إنني لست من المعجبين بنظام بلادي, ولم أكن ذات يوم من المتمجدين أو الموظفين لديه, كما لم يسبق لي أن هتفت ولو للحظة واحدة بحياة حزبه “العملاق”, وأدرك مثلك تماماً أنه نظام قمعي ومستبد وفاسد, لكنك توافقني الرأي أنه يبقى دون قمع وفساد واستبداد نظام خادم الحرمين الشريفين بكثير, فنظامنا على الأقل لا يقطع الرقاب في الساحات العامة ولا يسوق الناس بالعصي إلى الصلاة ولا يتدّخل في حياة الناس الخاصة كما هي الحال في مهلكة آل سعود, وهو بقمعه وفساده لن يطول كعب الفساد والاستبداد في جمهورية الأخ مبارك الذي يبدو أنه مهتماً كثيراً بشؤون بلدكم هذه الأيام(كأن الرجل حل مشاكل بلده وشعبه الذي لا يجد خبزاً يأكله!). وبالرغم من هذا لا أخفيك يا صديقي أنني سأبدي إعجابي الحقيقي والصادق بهذا النظام الذي سيكون حقاً نظاماً أسطورياً إذا كان هو من يقف خلف كل تلك الاغتيالات التي تطال (فقط) قياديين وأبواقاً في 14 آذار من دون أن يترك أثراً خلفه!, ولو دليلاً صغيراً يارجل!, ولعلك حال كنت منصفاً ستسارع مثلي لإبداء الإعجاب به. فالنظام الذي يستطيع أن يخرق المخابرات الأمريكية وقواعدها(لعلك تعرف أن الأقمار الصناعية الأمريكية دقيقة جداً ونادراً ما تخطئ, فهي تسمع دبيب النملة على الصخرة الصماء!) والمخابرات البريطانية والفرنسية والإسرائيلية والسعودية والإيرانية الخ.. التي تصول وتجول في طول بيروت وعرضها, ومع ذلك عجزت كلها عن الإمساك بدليل صغير يدينه هو نظام أسطوري واستثنائي فعلاً, ويستحق أن يقود العالم من دون مبالغة!.

من جانب آخر, صديقي, ألا يفاجئك حقاً كل هذا الاهتمام الغربي, تحديداً الأمريكي, بكم؟ ألا تعتقد أن لبنان الصغير لم يعد يتسع لكل تلك “المحبة” الأمريكية؟ وهل هو حب أمريكاني لوجه الله سبحانه وتعالى على طريقة “السخاء” السعودي؟. هل لفت انتباهك أن الولايات المتحدة الأمريكية تجاهلت كلياً مصرع بنازير بوتو رئيسة وزراء باكستان السابقة؟ ألا تستحق السيدة الفاضلة بوتو محكمة دولية؟ هل لأنها امرأة يجب أن لا تُعامل كما يعامل الرئيس رفيق الحريري؟ فليتعاملوا مع قضيتها كما تعاملوا مع محاولة اغتيال الحسناء(سابقاً) مي شدياق!, ومما كانت تشكو المسكينة بنازير؟ لقد كانت سيدة فاضلة حقاً, فلم يُعرف عنها أنها فتحت صالات للقمار في إسلام آباد, ولا أماكن للترفيه والدعارة كتلك التي افتتحت في عهد الشهيد رفيق الحريري في مدينة جونيه اللبنانية بقصد إراحة قلوب إخواننا المؤمنين من السعوديين وعرب الخليج!.. مسكينة بنازير بوتو, إذ بلادها بعيدة عن خارطة الشرق الأوسط الجديد.

أدرك جيداً, كما تدرك أنت, أن النائب الشيخ سعد الحريري, لم يسمع ببينامين دزرائيلي رئيس الوزراء البريطاني في النصف الثاني من القرن التاسع عشر, وبهذا المعنى هو لم يقرأ عنه: “لا يوجد لنا في السياسة صداقات دائمة ولا عداوات دائمة, بل لنا مصالح دائمة”, والشيخ سعد معذور في هذا, إذ يتوهم أن الولايات المتحدة صديقة له وتحنو عليه وهمها الوحيد دماء أبيه, ومعه حق, فضلاً عن كونه ولداً “باراً”. لكن ألا تعتقد معي أننا لا نستطيع أن نعذر الدكتور رضوان السيد الذي يصرّ على توريط الشيخ سعد في المزيد من الأوهام إلى درجة قلّدت معها حكومة الشيخ سعد برئاسة الرئيس فؤاد السنيورة أحد المسؤولين الأمريكيين وسام الأرز ولم تكن قد جفت دماء الأطفال اللبنانيين بعدُ ولا دموع الأمهات المفجوعات بفلذات أكبادها جرّاء حرب تموز؟. نستطيع أن نجد للدكتور رضوان مبرراً, أترك سر البوح به إلى حين لقياك في بيروت.

صديقي, إن حالة التجاذب الراهنة في موضوع المحكمة الدولية الخاصة بالرئيس رفيق الحريري, التي تمارسها الولايات المتحدة الأمريكية بغية ابتزاز النظام السوري, من شأنها أن تقدّم دليلاً إضافياً على براءة النظام السوري من تلك الجريمة(وما أعقبها من عمليات اغتيال في لبنان) التي تزداد قناعتنا يوماً إثر يوم إن من خطط لها وأخرجها ونفذها هي الجهة ذاتها التي ترعى مشروع الشرق الأوسط الجديد, والجهة ذاتها التي كانت وراء أحداث نهر البارد, والجهة ذاتها التي طلبت من إسرائيل القيام بعدوانها في تموز 2006, وللحديث بقية طبعاً.

وإلى أن نلتقي قريباً في بيروت يمكنك أن تقرأ جريدة “الأخبار” تاريخ 5/6/2008, ستجد خبراً في الصفحة الأولى بعنوان: “هل تحول أحمد مرعي إلى زهير صديق آخر؟”, اسأل السيد مروان حمادة عنه أو السيد وليد جنبلاط الذي كان يتباهى أن صناعة الوزير في لبنان تكلّف “تنكة” بنزين(مسافة الطريق إلى دمشق) عندما كان ملف لبنان بيد صديقكم السيد عبد الحليم خدّام.

أُبيّ حسن: ( كلنا شركاء ) 6/6/2008


مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى