صفحات سورية

ليست الطلقة الأخيرة بصدر اليسار..

null
طالب إبراهيم
في مقال للكاتبة السورية المقيمة في السويد منهل السراج والمنشور في جريدة الحياة اللندنية بتاريخ 9  4  2010 عبرت فيه عن ازدواجية المعايير الانسانية في طريقة التعاطي مع تجربتين للمعارضة السورية اتسمت الأولى بطابع يساريّ والثانية  بطابع إسلاميّ..
في سياق المقارنة التي اعتمدتها الكاتبة تؤكد أن ظاهرة الاعتقال التي تشابهت فيها التجربتين ظاهرياً واختلفتا بنيوياً قد عبرت بأمان للأولى وبألم للثانية..لذلك كان واجباً إيضاح الفرق بين التجربتين من مقالة الكاتبة ذاتها دون إضافات من تجارب أخرى  وسنغض الطرف عن الأشياء التي طالبتنا بغض النظر عنها في محاولة تأكيد أو نفي ما ذهبت إليه  ..
تفضل الكاتبة سرد بيانها باعتمادها” التوصيف لا التقييم ” كما تقول على الرغم من أحكامها القيمية والتي لم يسلم منها أي من الطرفين سلباً أو إيجاباً..
اليساري الذي عُنونَت المقالة به انسكب في سطورها ليغدو الشيوعي الذي اعتنق الشيوعية على أنها دين ثم تخلى عنها لأنها أيديولوجية , هذا اليساري خرج من الأيديولوجية إلى الثقافة, و”حدّث خطابه ليغدو أكثر مرونة وذكاء ليستأثر بالشاشة”..ويعيد الانتشار من جديد..”إن حرية المثقف اليساري الذي تخلص من قيود دينه ومن كل دين” ساهمت في تشكيل فكرته “لتغدو أكثر ذكاء وخدمة للرأي والغاية”..إن “وجود الكتاب بين أيدي اليساريين مكنهم من تعلم فن الإصغاء والتعبير فاصطادوا الوجه الثقافي السوري أدباً وفناً وسينما وتلفزيون”..على الرغم من أن ذهنية المجتمع السوري مختلفة مما يخلق شرخاً بين اهتمامات الناس اليومية والوجه الثقافي ..لقد عمل اليساريين على توظيف آلامهم في مصادرة المشاعر وفي استحلاب رعاية المنظمات الانسانية ..وقد اقتنص مثقفوا اليسار الأوسمة التي علقت على صدورهم ولم تعلق على صدور المعتقلين الإسلاميين..
الإسلامي الذي تدفق من عنوان المقالة باعتباره مفهوماً شاملاً إلى السطور ليخرج منها على أنه ” الأخوان المسلمون” هذا الإسلامي و”الذي لم يكن أمراً ممكناً الخلاص من الدين لديه “و مفردة الخلاص تحمل معنى التخلص  والتخلي التي اتسم بها اليساريون بتخليهم عن شيوعيتهم كما ورد في بداية المقالة..هذا الدين الذي كان “خلاصهم” من عذاباتهم ـ هذا الخلاص غير ذاك ـ لكن الواقع لم ينصفهم رغم “عبادتهم” الطويلة وتضحياتهم..بسبب أن الكثيرين منهم لا يجيدون الخطاب مع الآخر إلا من خلال الإسلام مما ينفر الكثيرين الذين لا يملكون وعياً كافياً…
طبعاً لا تهدف المقالة إلى دق اسفين في العلاقة التي لم ترق أبداً إلى مشروع  بين اليساري والإسلامي في مسألة صناعة دولة أو معارضة  أو خط سياسي محوري يتمفصل فيه تحقيق نقلة نوعية للنشاط السياسي بالعام..لكن قد يكون هدفها إعادة حق  ـ مغتصب ربما ـ لمعتقل إسلامي لم ينصفه القدر ولا البشر..ولا أعتقد أن الأديبة السورية توجه أصابع الإتهام في ذلك إلى المعتقلين اليساريين السوريين ـ على الرغم أن المقالة حملت في طياتها هذا الاتهام ـ والذين أفرزت تجربتهم السياسية والإنسانية كوادر ثقافية قدموا في مجال الثقافة ليس فقط تفاصيل تجربتهم وإنما تجارب من استطاعوا العبور في حياتهم أو اعتقالهم أو سجنهم و حريّ بسورية أن تحترمهم كما احترمهم العالم ومنظماته وعبر عن ذلك ببعض الجوائز لا أن تعتقلهم أو تسجنهم ومن ثم تتركهم ليموتوا بصمت.. هذه المنظمات  وزعت جوائزها وأوسمتها على صدور المثقفين من اليساريين وليس على صدور اليساريين حتى تتهم أنها تفرق بين ابن الجارية “اليساري” وابن السيدة “الاسلامي” ..هي فرقت بين اليساريين أنفسهم بمنحها الجوائز لمن أبدع في مجالي الأدب والسياسة وما تداخل بينهما من النشاط الحقوقي.. ولم تمنحها لمن اعتقل لانتمائه اليساري..واذا كان اليساريون قد ارتدوا عن يساريتهم أو عن شيوعيتهم هذا يعني أن الفكرة التي أعادوا بناءها واستقطاب العاملين في الشأن العام جديدة سيما ان حرية المثقف اليساري وانعتاقه من أي دين “كما تدعي الكاتبة” ساهما بانتاجها  .. هل تخلّى اليساري عن ديانته وأنتج جديداً ..لايمت للدين بصلة ساهم باعادة بناء أكثر شمولية من نظرته الخاصة السابقة؟!..أم أنه حافظ على عقيدته وبالتالي لم يكن من السهل التخلي عنها كما ورد في بداية المقالة؟!..و سيطرة اليسار على المشهد الثقافي  خلق شرخا بين الثقافة المعروضة والمجتمع  بسبب التناقض الجوهري بينهما..ربما تعتبر الكاتبة كل من يساهم بالنشاط الثقافي في سوريا يسارياً  وهذا شأنها أما إذا أرادت أن تفتش بين ثنايا المشهد وصفحاته الأساسية  لن تجد أسماء تملأ عدد أصابع اليدين ولها أن تتأكد من ذلك..من خرج من السجن وتمكن من الوقوف على قدميه من جديد كان” كوماندوس” اسطوري في عالم “غاباواتي”..لقد نظرت الكاتبة إلى الصورة من خلال عدسة ضيقة في ليل كالح فلم تر إلا التفاصيل التي تشع..أما ما ظلم من اللوحة والذي أتخمها حزناً وبؤساً وحرقة لم تنظره..
إذا كان الإسلامي لا يجيد الخطاب مع الآخر إلا من خلال إسلاميته فهذا يقرب الكثيرين منه و لا ينفرهم في مجتمع أوغل في الميثولوجيا وابتعد عن العقلانية … أما إذا كانت تقصد ابتعاد الناس عن السياسة فلذلك أسباب أخرى لسنا بصدد تعدادها..ما هو المجتمع السوري إذن .. ما هي ثقافته ؟! لايقبل ثقافة الإسلام ولا ثقافة اليسار ..ولاثقافة خرجت عن قناعاتها الفكرية الضيقة.. ولاثقافة ببعد قومي كما حلل القوميون مؤخراً… والتيارات الليبرالية تواجهها تهمة الأمركة وتعاني ما تعاني من السلطة ومن المجتمع..إذا كان المعتقل الإسلامي مهمل كما تحاول الكاتبة تأكيد ذلك لا تقع المسؤولية على كتف المعتقل اليساري هذا الكتف الذي ناء من ثقل التعذيب وسنوات السجن الطويلة وأسلاك الكلمات الشائكة…
كاتب سوري
خاص – صفحات سورية –

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى