غرغرينا النظام السوري
فلورنس غزلان
ــ يخرج العالم العربي من جلد الاستبداد، يشق ممزقاً كل ماربطه سنيناً طويلة بوجوهٍ حكمته بالحديد والقيود وسلاسل التأبيد وحكم الفرد، تعلن معظم العواصم العربية من مغربها إلى مشرقها شق عصا الطاعة وكسر حاجز الصمت، تريد شعوب المنطقة أن تتنفس حرية ، أن تقرر مصيرها بيدها، أن تتخلص وإلى الأبد من هذه الوجوه العتيقة الجديدة بامتدادها ..تريد أن تعيش كباقي شعوب الأرض، أن تنتصر لكرامتها المهدورة يومياً على أيدي أجهزة أمن تنتشر كالفطر ترقب وتعد أنفاس المواطن ومفرداته اليومية، كلها يريد الحياة..كلها يسعى للحياة الحرة ، للعدالة الاجتماعية لمحاربة الفساد، الذي أصبح صنو هذه الأنظمة وأعمدة تحَّكُمها بلقمة عيش المواطن، هذه الشعوب حرمت من قوانين عادلة..حوكمت دون سبب بمحاكم عسكرية واستثنائية..شعوب عمرها أعواماً طويلة من الاستثناء والطواريْ…لكن رغم كل مايجتاح المنطقة..مازالت سوريا تغط نظاماً في عسل الحديد..في عسل القيود..حتى أيام خلت ..كنت أعتقد أن النظام السوري سيصحو من غفوته.. سيتلمس طريقه نحو المجتمع..سيفتح نافذة صغيرة باتجاه شعبه…سيفهم أخيراً وليس متأخراً..مايريده شعبه…لكني وبعد أن أقوم بالمرور يومياً على صحافة النظام، وبعد أن قرأت اليوم حوار الرئيس السوري مع التلفزيون الدانيماركي المنشور في ” كلنا شركاء” ، أيقنت..أن هذا النظام لم يفهم ولن يفهم.. لا الآن ولا لاحقاً..وبكل ألم وللمرة الثانية يتهم رئيس دولة شعبه بالقصور..سواء في مقابلته الأخيرة مع صحيفة ” وول ستريت” أم في هذه المقابلة…إن كان شعبك قاصراً ياسيادة الرئيس فمن أين أتيت أنت؟ ومانوع رئيس يحكم شعب بهذه المقاييس؟ وكيف تحول هذا الشعب من شعب مثقف واعي ..حسب قولك وتقهقرت ثقافته وتراجعت وإزدادت نسبة الارهابيين فيه؟!!..من هو المسؤول ياسيادة الرئيس؟..وكي لاأتهم” بنشر أنباء كاذبة توهن نفسية الأمة”، أنقل لكم بعضاً من أقوال سيادته:ــ
“كيف بإمكانك أن تجعل الناس على تواصل مع الثقافات الأخرى ، كي يفهموا هذه الثقافات بشكل أفضل أو ليستفيدوا وليتعلموا من الثقافات الأخرى، إن لم يكن لديك هذه التفاعلات فستعيش في عزلة، وهي تنافي مانملك من وسائل ولدينا الأنترنت والأقمار الصناعية، ومحطات التلفزة ولدينا كل وسيلة تضمن مزيداً من التواصل ، لكن إذا نظرت إلى الوضع في المنطقة حالياً، بل في العالم أجمع وليس فقط في المنطقة، فإنك ستجد أن هناك تواصلاً أقل، وتفهماً أقل مما كان عليه الحال قبل ثلاثين سنة مضت وهي فترة تمثل جيداً جيلاً كاملاً قد مر، هذا هو اليأس”.
هل فعلا العالم أقل تواصلاً اليوم ثقافياً عنه قبل ثلاثين عاماً؟ أجيبوا الرئيس السوري…على تحليله العظيم..العالم يطلع ويتعرف على ثقافات الكون ويتفاعل معها أكثر بعشرات ومئات المرات مما كان عليه قبل ثلاثة عقود…إلا في سوريا…لأنه” العزل واليأس وسيادة الإرهاب” ــ حسب أقوال الرئيس..فإذا كان الإرهاب سيداً، فمن المنطق اعتبارك إرهابياً كسيد لسوريا ياسيادة الرئيس!
وحسب رأي سيادة الرئيس، سوريا بلد يعيش” سن اليأس”…مع أنه وحسب كل المعطيات والمقاييس العالمية، مجتمع شاب ومعظم سكانه من جيل الشباب…لكنه مصاب بعجز مبكر” سن اليأس”!…واليأس كما يقول الرئيس يقود للإرهاب…وهو يخاف على سوريا من الإرهاب!..لم ننتهِ ولم نتعلم ولم نخجل من اجترار نفس اللغة العقيمة..نفس اللغة الخشبية المحنطة…لمن لايريد الإصلاح ولا إمكانيته إلا بعد أجيال…بعد زمن طووووووووووويل..والديمقراطية تحتاج لوقت وديمقراطيتنا مختلفة عن مقاييسكم ياعالم الغرب!..يجب أن تكون مصنعة في مصنع آل الأسد حصرياً..ثم يعود للقول:ــ” لِمَ اليأس؟، عندما تفقد الأمل فأنت يائس…عندما تفقد الأمل وتحقيق أي وضع أحسن حالاً”!!!…نعم بهذه النقطة صدقت..لكنك بررت فقدان الأمل بفقدان الحق في إستعادة أرضنا ” الجولان”..وفقدان الحق..نعم الحق في أن نكون شعباً يتمتع بحقوقه أمام قانون ينصفه لاطواريء ومحاكم استثنائية…نعم نفقد الأمل بك وبمن حولك وفي إمكانية تحسن أحوال معيشة المواطن السوري وحصوله على عمل يكفيه قوت يومه، نفقد الأمل مادام أمام وجهنا من يعرقل تحقيق الأمل..وأملنا داخلي وليس خارجي…أملنا مفقود لأننا لانتفاهم مع سيادتك..التفاهم والحوار مفقود..أنت منفصل عن شعبك ياسيادة الرئيس تعيش في عزلة وليس شعبك من يعيش في عزلة…الشعب يعرف طريقه تماماً ولا يختلف في مطاليبه عن الشعوب ، التي ثارت وتثور كل يوم على أرض الأشقاء..تثأر لكرامتها…تثأر لحقها..تثار لإنسانيتها، تثأر من وجوه تعبت من مطالعتها كل صباح وكل افتتاحية لتلفزة..لكنها لاتراها إلا عبر التلفزة…لاتعرفها إلا عبر تنفيذ الأوامر…لاتعرفها إلا عبر إعلان الطاعة والخضوع بكرباج الأمن…كيف يمكنني أن آمل بعد أن إصلاحاً ما سيأتي على يديك ويد نظامك؟!..وأنا أقرأ تشرين هذا الصباح تغمز من ثورة الشعب الليبي..وتدافع ضمناً قلباً وقالباً عن نظام القذافي، فتطالعنا وعلى لسان سفيرنا الموجود في طرابلس ــ القذافي حتى الآن ــ” لم تتلق السفارة أي بلاغ عن حدوث أي مشكلة تعرض لها أبناء الجالية في ظل الظروف الحالية، التي تعيشها ليبيا متمنياً أن يعم الأمن والاستقرار ربوع هذا البلد الشقيق”!!…ثم تكمل صحيفة تشرين واصفة ثورة ليبيا ب” مع تواصل الاحتجاجات الليبية المطالبة بإصلاحات عادلة ، شهدت مدينة الزاوية اشتباكات بين المحتجين والقوات الليبية وسط أنباء عن قناة ” الشبابية” الحكومية في شريط الأخبار ( أن الحكومة الليبية تعرض عفواً عن المعارضين الذين يلقون أسلحتهم).
كل مايحدث في ليبيا هو مجرد احتجاجات للإصلاح!!كل هذه الدماء، كل هذا الدمار والقصف المدفي الأرضي والبحري والفضائي، مجرد احتجاجات تريد إصلاح حكومة القذافي لاتنحيته عن الحكم!!,,ويتمنى سعادة السفير السوري الأمن والاستقرار في ظل القذافي طبعاً..كيف لا..، وقد نقلت الأنباء الغربية والعربية، أن طيارين سوريين يعملون مع الطيران الليبي على قصف الثوار الليبيين!!..لماذا لم نستخدم هذا الطيران للرد على اختراق إسرائيل لسيادة أراضينا في ” عين الصاحب” وفي شمال شرق سوريا” منطقة الكبر” وفي أكثر من خرق واستباحة للفضاء السوري؟
المثل يقول ” يلي استحوا ماتوا”، ويبدو أن لاحياء في الكذب ولا حياء في قلب موازين الأمور ولا في تجييرها لصالح طغمة الاستبداد، حتى البارحة كنت آمل أن يتعض هذا النظام، أن يبادر لخطوات حسن نية تجاه شعبه، أن يقوم بإطلاق سراح المعتقلين السياسيين وكل سجناء الرأي والضمير…أن يرفع على الأقل ــ حلة الطواريْ وعمرها يقارب النصف قرن من عمر الشعب السوري وتعاقب أجيال عليه لاتعرف سواه وسوى عائلة واحدة تحكمه كما يحكم العبيد بسوط الأمن وكم الأفواه وزج كل من يحاول أن يمارس حقه في التعبير عن رأيه كإنسان، كمواطن يحب وطنه…لكنه يجب أن يحب رئيس بلاده ونظام بلاده..فهم الوطن والوطن هم حسب رؤية هذا النظام، وإلا فالارهاب واليأس وعدم الإصلاح ..وربط كل إصلاح بالخارج وبعلاقة سوريا بالخارج…أين علاقة الحكم بالمواطن؟ هذه مفقودة منذ أربعين عاماً ونيف..ينسى الرئيس السوري حين يقوللنفس القناة الدانيماركية:ــ ” أني لا أملك سوريا ، وإنما أقودها” بالضبط كما يقول القذافي…” أنا لست رئيساً، وإلا كنت تنحيت ورميت لهم الاستقالة بوجوههم، إنما أنا قائد للثورة ، قائد للأبد”..كيف لاتملك سوريا، وأنت من يتحكم بمصير 23 مليون مواطن ، تملك كل الصلاحيات المطلقة لحكم الفرد المستبد،وينطبق عليك بالحرف قول المرحوم عبد الرحمن الكواكبي قبل مايزيد على قرن من الزمان: ( حكومة الحكم الفرد المطلق، الذي تولى الحكم بالغلبة أو الوراثة). الذي يجعل من السلطة التنفيذية وأجهزة الأمن سيدة على الوطن، الذي يعين قضاة لمحاكم أمن الدولة تفصل بالسياسي وتتخصص في كيل التهم لكل من يفكر العمل في السياسة خارج نطاق حزب السلطة” القائد للدولة والمجتمع”، ولا يعين قاضياً دون أن يكون موالياً أو عضواً في هذا الحزب، فكيف نضمن نزاهة القضاء واستقلاليته؟ السيد الفرد المطلق، الذي بيده يرفع ويمد بعمر قانون الطواريء..بحجة أننا في حالة حرب…أين هي حالات التعبئة العامة ياسيادة الرئيس؟ السيد المطلق، الذي يمسك بكل خيوط الوطن الاقتصادية والقانونية، والسياسية، والثقافية، والمناهج التربوية، إصدار القوانين والمراسيم..وحزب الشعب بيصم فقط!!…لااستبداد يدوم ولا حكم لفرد دام قبلك..وشعب سوريا ليس قاصراً، بل أشد وعياً من مسؤوليه، وستثبت لك الأيام القادمة أنك واهم…حين تدخل بقدميك شرنقة صنعتها لتصطاد شعبك فتقع بها حين تتخلى عنك أعمدتك الكرتونية، التي خذلت صدام وابن علي ومبارك ..وهاهي تنهار حول علي عبدالله صالح والقذافي..ولن يطول انهيار هرمك الكرتوني ،وتغلغل غرغرينا الوهم مطيحة بجسد أحلامك منتصرة لأحلام الشعب السوري.
باريس 12/03/2011