صفحات الشعر

راي آرمانتروت حازت بولتيزر للشعر: المستقبل حولنا من كل الجهات

null
ترجمة وتقديم فوزي محيدلي
في الساعة الثالثة من الثاني عشر من نيسان (بتوقيت الولايات المتحدة) أعلنت لجنة جوائز بولتيزر فوز راي آرمانتروت بجائزة الشعر لعام 2010. بدأت آرمانتروت الكتابة في سبعينات القرن الماضي كمشتغلة عادية غير معروفة على لغة الشعر فيما تظهر قصائدها هذه الأيام بانتظام في مجلة “النيويوركر”. قالت لجنة بوليتزر في ديوان الشاعرة الذي يحمل عنوان “ضليع”: “عمل أخاذ لما فيه من إلمام وابتكار لغوي”، وتميزت القصائد “بأنها قنابل أفكار تنفجر داخل الدماغ بعد وقت غير قصير من القراءة الأولى”. وقد ردت آرمانتروت على هذا التوصيف: “ينطوي هذا على مديح وإطراء كبيرين، وصف القصائد بقصائد الفكر الصغيرة هو ما أردته لها أنا بالتحديد”.
ينطوي شعر آرمانتروت على رؤية مزدوجة انطلاقاً من توجهه الخارجي نحو الأشياء والحوادث في العالم، وتوجهه داخلياً قريباً جداً من وجود الإنسان ومن رغباته. هي تقوم “بمعالجة مباشرة للشيء”. أشياء قصائدها هي أشياء الحياة، وأشياء الانوجاد في الحياة. ثمة توجه في شعرها نحو “الايماجستية” (استعمال الصورة الكلامية) مازجة أيضاً بين الموضوعية والذاتية. ويقال إن الجهة “الموضوعية أو الذاتية” هي البقعة حيث تبدو فيها هذه الشاعرة مدهشة سيما وأن قصائدها تميل الى تغيير هذه الثنائية لتدلف الى حالة من التأكيد والسؤال. هذا لا ينفي أنها تميل أحياناً الى الشك. كل ذلك يخلق منظوراً غني التركيب، بل يخلق موطئ قدم خاص بها وحدها.
ديوانها “ضليع” ينطوي على متواليتين شعريتين: “ضليع” و”المادة السوداء”، حيث القصائد تتعامل مع مواضيع معينة مألوفة للشاعرة مثل الجسد، المجتمع المعاصر، والعنف، فضلاً عن استكشافات شخصية للمرض والفناء. كل هذا مصاغ ضمن صوت آرمانتروت المكثف الشفاف.
تزخر المتوالية الأولى، “ضليع” بإشارات لثقافة البوب وكلامها العادي. ثمة قصائد تبدو ذات ملامح سخيفة لكنها جدية بما لا يُقاس بعد التمعن فيها، “إذاعة/ خبر نيكول/ لدى دفنها/ إبنها”. في قصيدة “ركام” اللعوب تتساءل الشاعرة عما إذا راقت لها كلمات بريئة مثل “يخمن”. أما المتوالية، أو القسم، الثانية من الديوان، “المادة السوداء”، فتبدو أحياناً حميمية، وإن تكن كذلك كئيبة، حين تتأمل آرمانتروت، قصيدة “الحياة التالية”، صراعها مع السرطان بابتسامة مصدومة، “فيما ورم غير مكتشف/ يجثم على كليتها”. ثمة لحظات صدق تهكمي شديد، “سررت وتشاك/ لعثورنا على تبعة/ حيث يمكن نثر رمادي”. في لحظات كهذه تعمد الشاعرة الى صياغة ما يشبه الأسئلة الماورائية ذات النهاية المفتوحة.
للوهلة الأولى، قد يتراءى للبعض أن قصائد آرمانتروت بسيطة وربما ليريكية أيضاً، لكن التمعن فيها يحدث تأثيراً شبيهاً بالدوار أو الدوخة، فيما عناصر القصيدة تبدأ بالغزل بشراسة نحو احتمالات جذرية وربما تشائمية، بل شؤمية. تركيبة آمانتروت للقصيدة تميل الى تجميع الأشياء ضمن عناقيد. وتعلق آرمانتروت في مقالة “تتابعات” أن هذه “التجميعات ليست شفافة ومباشرة ولا تعسفية أو عشوائية، بل هي بين بين… يمكن للشك والاختيار التعايش داخل ذهن القارئ. بالنسبة لي هذا أكثر ما يقابله عندي شخصية التجربة”. لا تودّ آرمانتروت أن تكون شاعرة لغة “بمعنى أن يقوم تقسيم بين اللغة والتجربة، الفكر والشعور، الداخلي والخارجي. العمل الذي أفضله على غيره هو ذاك الذي يرى نفسه ويرى العالم. الكتّاب الذين أهواهم هم الذين تنطوي أعمالهم على الكشف. إنهم يرفعون تراكيب اللغة/ الفكر الى حالة وعينا”.
في مقالة لآرمانتروت بعنوان “بيان شعري” تقول، “أعتقد أن شعري ينضوي على وزنين متقابلين ومتساويين من التأكيد والشك. إنها شعرية تشير الى الجهتين ومن ثم تختفي في غَبَشْ ما يُرى، وما هو الرؤية، ما يمكن معرفته وما يجب معرفته. ذلك الرابط المزدوج”.
في السياسة، كما في الفن، من الصعب الحفاظ على مرتبة الجذرية، التطرف. فما يمكن أن يكون ذات مرة جذرياً، لاحقاً قد يتحول ليكون جزءاً من التيار السائد. الجزء الأول من “نتائج”، وهي القصيدة الافتتاحية في “ضليع” كتبت الشاعرة:
ضع علامة “كليك” هنا لتصوّت
على ما هو ناضج
للمكياج
أو لشراء شركة
ضمن هذه السلسلة الرائدة.

تسجل الأصوات
عند “السرفير”
ثم تعاد

كنتائج

إذا أخذنا البيت “ضمن هذه السلسلة الرائدة”، لا تكون الكلمات هي السلسلة الرائدة “التي قد تنساب حسب المنطق من الفقرة الشعرية الأولى، أحد التفاسير قد يشير الى مشاهد تلفزيوني يشارك في استفتاء، ولكن اعتماداً على أن الكلمات تظهر في الجزء الأول من السلسلة الشعرية، يمكن والحال هذه أن تكون لها دلالة ذاتية. هنا تغدو آرمانتروت هي “السرفير”، مما يشير الى عملية الطبع أو الكتابة. ويُقال هنا إن آرمانتروت هي الأكثر هوساً بطريقة الكتابة الخاصة بها.
هذا لا يعني أن آرومانتروت لا تكترث للمذيع المتملق الذي يقرأ الأخبار لتضعه في قصيدتها. بعد إلماحها الى بيئة التلفزيون في القصيدة الأولى ثم انحرافها عنها، تعود اليها في القصيدة التي تعطي اسمها للديوان:
“قضايا النهار”
تُبلت ملياً
بواسطة الوكلاء
كلمة “تبلت” هذه تنطوي على معانٍ عدة، بداية “فترة من التفكير العميق”، الى “إعطاء نكهة لمآكل”، فإلى “المادة التي تنشأ من تحلل النبات”. لا شك بأن الإلماح الذي تنطوي عليه هذه الأبيات الثلاثة غني.
في حين يظهر الإلماح الذي لطالما صبغ شعر آرمانتروت في هذا الديوان، إلا أن ذلك لا ينطبق على تقنية الكولاج، المغامرة الأسلوبية في الإلصاق، حتى لتكاد بعض قصائدها تشبه القصيدة الليريكية. لنأخذ الجزء الأول من القصيدة التي أعطت أسمها للمتوالية الثانية، “المادة السوداء”، حيث نقع على انسياب منطقي رغم استعمالها لتقنية التجميع العنقودي:
من أكون
لأجرب انفجاراً
يؤدي الى تشكيل نجم؟
أعرف ما سيأتي

بعد فورة الحماس
الأولى

تغور أي فكرة
وتظلم

يحلو للبعض التحدث عن آرمانتروت على أنها شاعرة مسلية أو مضحكة. بعض قصائدها قد تكون كذلك، لكن هذا يحدث في القصائد حيث هي أبعد ما تكون عن الإضحاك أو التسلية. قصائدها المزاوجة بين الموضوعية والذاتية والمنضوية على الإلماح هي قارسة بمقدار ما هي مضحكة.
[ حولنا
I
خلق الزمان
ليسحب نفسه
الى الخارج،
ليسمح لنفسه
بأنشوطات متأرجحة

ليكسبها
معنى،

هذا المعنى

أثناء تجواله
II
سررت وتشاك
لعثورنا على بقعة
حيث يمكن نثر رمادي
تبدد أشبه بموقع بناء
الآن
لكنها مجاورة
لساحل صخري يحبس الأنفاس
تشاك يبحث عن أماكن
مرشدنا في البحث
كانت سمارة
أبدينا اهتماماً لكن لم نتمكن
من إقناعها بتسوية السعر
III
“المستقبل
حولنا من كل الجهات

إنه مكان

أي مكان
حيث لا نعود موجودين
[مرثاة
“متوقعة جداً،
إذا شئت
أيتها الكارثة”.

الأشياء التي أود قولها
أقولها الآن

لأشخاص لم يعودوا
حاضرين

على بعد ياردات
ينشر شجر العرعر المقلم
أغصانه العادية المقوسة

“أوه، لا شكراً لك”
لا اريد أياً منها.

إذا ما نظرت إلي مراقباً
من مسافة متزايدة

تراني أكتب
هذا دائماً

المستقبل

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى