صفحات العالم

رسائل اللا أحد

عباس بيضون
ربيعنا قصير. يشويه الصيف قبل ان يزدهر. ربيع بيروت يتيم. يمر أحياناً بدون أي رسالة وحين نشعر بوجوده يكون اختفى. هذا العام احترقت الزهور قبل ان تفوح. أكثر من ذلك. نبتت على الحيطان أزهار طحلبية غريبة، انها صور المرشحين. الحيطان التي كانت في أيام غير بعيدة منصوبة للحداد. والتي كانت تنقل إلينا بريد النعي، الحيطان المسكونة بصورة الشهداء والقتلى هي الآن بروح باردة وفي الأمكنة ذاتها مليئة بصور المرشحين. هل نضحك، ليس الآن عرساً بالطبع وإن كان مضحكاً. لا تشبه صور المرشحين صور الشهداء. الشهداء فتيان في الغالب والجد الذي على وجوههم هو غالباً مقصود، لكن أعينهم تكاد تضحك من تحته، انه مللهم من الكاميرا ومن جدية المصور ومن الإطار الصارم الذي وضعوا فيه ومن المثل الغامض الذي يخيم عليهم ولا يستطيعون الا بصعوبة ان يلحقوا به. اخواننا مرشحو البلدية والمخترة ليسوا فتياناً بالطبع. لكنهم ليسوا في أي سن. انهم قدماء للغاية. بعض المهن تحمل دائماً تاريخها. اخواننا المرشحون لا يعبسون ولا يضحكون ولا يحملون على وجوههم أي امارة. انهم يشبهون من الآن الكراسي التي يريدون ان يصلوا اليها. المكاتب والكارتبالات التي يشتهون ان ينحنوا عليها. يشبهون معقبي المعاملات او المعاملات نفسها. يشبهون النساخ او معاطف النساخ. هم على الحيطان ووراءهم او تحتهم العلم. الوضع نفسه الذي يتصور به الرؤساء والقادة. إنهم منذ الآن سفاسف السلطة. نكرات السلطة. السلطة التي هي نفسها النكرة الكبرى. اخواننا المرشحون، صورهم فوق الصور المنزوعة لكن المتذكرة دائماً للموتى والشهداء. المكان يليق بهم. بريد النعي يمكن ان يحملهم أيضاً ما حمل دائماً الرسائل التي لا تصل. رسائل اللاأحد.
على طريق الربيع أيضاً. استعجلت الشرطة حمل المتهم الى القرية قبل دفن الضحايا. أرادوا في الغالب اظهار فعاليتهم فخاب القصد، لا بد ان الأهالي مزقوه، انه الهول بالطبع، لكن لا شيء يمكن ان يقاس الى عشرات السكاكين التي نفذت الى اجساد العجوزين والصغيرتين. لا بد ان الله بكى امام ذلك ونحن أيضاً لن نعرف إلا ان نبكي. لكنها أيضاً مناسبة لنتكلم عن التحضّر. نحن الذين نحوّل نعت «حضاري» الى ملح كلامنا. كالعادة صار النعت، الذي كان في بدوره عنصرياً ولا يعني سوى ان الآخرين همج، عاماً وبلا صاحب. انها مناسبتنا لنظهر تحضرنا ضد أهل كترمايا المصابين يمكن ان نلقي التبعة عليهم وحدهم الآن فنحن منها براء. لكننا لم نتحدث عن التحضر في السبوت السوداء ومجازر الكرنتينا والدامور سابقاً ولم نتحدث عنه الآن لدى مذبحة الجامعة العربية وقتل الزيادين وطعن العائدين من التظاهرات وقنص المارة او المطلين من الشرفات. هذه بالطبع صراعات اما الجريمة فعلى رؤوس أهل كترمايا، نعم أساليبنا حضارية وليست كذلك أيدينا ولا عقولنا.

السفير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى