موسم الهجرة من الشمال الحسكة تحتاج الى صحوة ضمير
حذر رئيس اتحاد الفلاحين في محافظة الحسكة خضر المحيسن من كارثة زراعية وديموغرافية واجتماعية بدأت تحل بالمحافظة -التي تسميها الحكومة- سلة الغذاء السورية. ذلك إذا ما استمر قصور اداء بعض المسؤولين عن تدهور الواقع الزراعي على ما هو عليه،و تشير الأرقام التقديرية المقدمة امام مؤتمرات الشُّعَب الحزبية بالقامشلي إلى هجرة 200 ألف شخص تركوا قراهم باتجاه العاصمة دمشق وريفها و درعا و حمص و اللاذقية و طرطوس وغيرها من المحافظات بحثاً عن العمل، فضلا عن الهجرة الخارجية إلى بعض الدول المجاورة وهي أفضل المتاح، في حين تشير تقديرات أخرى إلى أن منطقة القامشلي وحدها قد هاجرت منها 30 ألف عائلة، ومن منطقة (الشدادي) حوالي 50 ألف شخص، فيما لم يعرف الرقم الحقيقي لعدد المهاجرين من منقطة (جنوب الرد) التي تحولت قراها إلى أطلال بعد أن تركها أهلها وأغلقت مدارسها، وعينوا حارساً على ما تبقى من ممتلكاتهم بين جدران طينية لا تذكر إلا ببقايا الحضارات الغابرة.
مصادر في مديرية تربية الحسكة اكدت أن حوالي 16% من طلاب مرحلة التعليم الأساسي البالغ عددهم حوالي 320 ألف طالب قد هاجروا مع ذويهم، آخذين معهم أضابيرهم الدراسية بغية إكمال تعليمهم في المناطق التي هاجروا إليها، إلا أن هذه المصادر تؤكد أن نسبة هؤلاء لا تتجاوز 25% في حين تسرب75% منهم من التعليم!!.
الهجرة التي تكاد تكون قسرية، هي بفعل الظروف الطبيعية التي لا حول للإنسان فيها ولا قوة، وبفعل ظروف أخرى غير طبيعية مرتبطة بقرارات جديدة يرى المعنيون وأهالي المنطقة أنها خاطئة وجانبت الصواب وتركت آثاراً سلبية لايمكن تقدير تبعاتها، ولاسيما من ناحية المحاصيل الإستراتيجية، التي تؤكد مؤشراتها الخطرة التراجع الكبير في محصول القمح، إذ يبين الجدول التالي التراجع الحاد في كمية المحصول:
العام
الكمية
2007-2008
465 ألف طن
2006-2007
800 ألف طن
2004-2005
1,300 مليون وثلاثمائة ألف طن
ويعيد رئيس اتحاد الفلاحين في المحافظة هذا التراجع إلى عاملين: الأول تعاقب سنوات الجفاف، والعامل الآخر ارتفاع أسعار المشتقات النفطية وما ترتب عليها من ازدياد في تكاليف المنتج الزراعي خاصة مياه الري.
الفلاح إسماعيل الخليف من قرية ” رحية كبيرة” قال: “ارتفاع سعر المازوت العام الماضي وموسم الجفاف المستمر لاكثر من عامين أثرا بشكل كبير على تأمين مياه الري للقمح المروي مما أوقعنا في خسارة كبيرة، وكذلك الأمر بالنسبة لزراعة القطن وغيرها من المحاصيل الصيفية فمن سيعوضني عنها؟ وماذا سنعمل في السنوات المقبلة؟ كبرنا ونحن نعمل على زراعات حقلية تتناسب مع أجوائنا ومناخنا وهي زراعة القطن والقمح وقد بدات حياة الفلاحين في منطقتنا تزداد صعوبة مع تزايد عدد العاطلين عن العمل الذي ادى الى مشكلات اجتماعية خطيرة وبالتالي وجود حالة اجتماعية مزرية وسيئة جعلت بعض قرانا شبه مهجورة بعد ان تركها اهلها بحثا عن لقمة العيش “.
هذا الواقع حول المراكز التي حددتها مديرية الشؤون الاجتماعية والعمل لمبادرة المسح الاجتماعي إلى ساحات من الفوضى والمعاناة للمواطنين الذين سارعوا الى تسجيل اسمائهم وتقديم انفسهم على صور مختلفة من العوز والفاقة ظناً منهم بقدوم خير وفيربعد التسجيل في هذه المراكز.
علماً أن الغاية الأساسية من عملية المسح الاجتماعي- بحسب مدير الشؤون الاجتماعية والعمل بالمحافظة- لم تكن توزيع وتقديم رواتب ومعونات مادية إنما الهدف الأساسي يكمن في إقامة قاعدة بيانات أو بنك معلومات اجتماعية يستفاد منها فيما بعد.
الفلاح إبراهيم عبد العزيز يونس من قرية قليعة يقول: “إن وضع قرانا أصبح سيئاً بعد مرور موسمين من الجفاف وبعد توقف كثير من اعمال سقاية القمح والقطن في هذا العام، الأمر الذي دفع إلى تشكل ظاهرة هجرة الأسر إلى محافظات أخرى، فقد هاجر أكثر من سبع أسر من القرية التي أسكنها من أصل خمس وعشرين أسرة، يضاف إليها هجرة أكثر من عشرين شاباً بشكل إفرادي سعياً وراء الرزق إلى دمشق للعمل في المداجن والمعامل والمزارع الأخرى تاركين أراضيهم الزراعية تتحول إلى أراض صحراوية”.
اجراءات حكومية خجولة
يقول المحيسن: “في الشهر العاشر من العام 2008 قدمت لجنة وزارية إلى محافظة الحسكة لدراسة الواقع الزراعي في المحافظة، وأقرت اللجنة 22 قراراً لم ينفذ منها سوى خمسة، علماً أن أبرز قراراتها هي اقراض الفلاحين بغض النظر عن المديونية السابقة لهم ، وهذا ما لم ينفذ، بعد ان اعتبرقرار سابق المدينين (مختلسين) ويبلغ عددهم 500 مزارع يلاحقهم القضاء”.
وتساءل المحيسن: “كيف يصبح المزارع مختلساً في حين أن الجفاف وارتفاع أسعار المحروقات أدت إلى عجزه عن تسديد الديون المستحقة عليه؟!!”و بلغ مجموع الديون بحسب رئيس اتحاد الفلاحين حوالي 5 مليارات ليرة سورية في حين تشير أرقام المصرف الزراعي إلى 11 مليار ليرة سورية.
وأضاف المحيسن: “خلال مهرجان القطن الذي عقد في حلب طلبنا تمديد فترة الاقراض للموسم الصيفي لهذا العام للمدينين الذين شملهم قرار القيادة، وانتهت فترةالاقراض بتاريخ 31-3 ولغاية هذا اليوم لم يصل المقترح! فهل من المعقول أن تمتد فترة المراسلة أربعين يوماً؟!!”.
وختم رئيس اتحاد الفلاحين بقوله: “إن الروتين القاتل واجتهادات بعض المسؤولين في المحافظة أوصلتنا إلى هذه النتائج اضافة الى أن كثيراً من القرارات صدرت ولكنها لم تنفذ ومنها قرار القيادة الذي بقي منه 17 بنداً دون تنفيذ”.
ويتداول اهالي المنطقة طرفة عن أن مسؤولاً كبيراً في الدولة دعي إلى مأدبة غداء في مطعم سيروب الشهير في مدينة رأس العين، وأثناء الحديث عن ارتفاع أسعار المازوت وتأثيره على المردود الزراعي قال المسؤول مستغربا “ما علاقة المازوت بالزراعة؟!!”
قصص مأساوية
لم يكن حال الذين هاجروا بحثاً عن لقمة العيش أفضل ممن بقي يقاسي مرارة الجفاف والعوز، فقد قدموا إلى مناطق استغل بعض أبنائها حاجة هؤلاء للعمل، بحيث تم استغلالهم من الناحية المادية فضلا عن الكثير من التجاوزات اللاإنسانية واللاأخلاقية, فعلى سبيل المثال لا الحصر “تعرضت بعض الفتيات اللواتي يعملن في مشاغل في منطقة تل كردي بريف دمشق إلى اساءات لا يمكن وصفها ، وأخريات تعرضن للاختطاف، هذا فضلاً عن حالة الابتزاز المادي والأجر المتدني بحجة الأزمة المالية العالمية”.
قصة أخرى يندى لها الجبين فقد لقي أربعة أطفال من عائلة واحدة حتفهم إثر سقوط سقف منزلهم المصنوع من التوتياء في منطقة “خربة الورد” قرب السيدة زينب بريف دمشق, وذلك جراء العاصفة نهاية آذار الماضي.
ذلك ان الرياح القوية فاجأت عائلة علي العسكر من القامشلي المؤلفة من الأب, وزوجاته الأربع, وأبنائه البالغ عددهم 21, وأدت إلى انهيار سقف البيت, المبني من التوتياء والأخشاب, على رؤوس أفراد العائلة, وأسفرت عن قتل 4 من أبنائه؛ هم محمد 9 سنوات وسيف 8 سنوات وسوسن ومنال 4 سنوات.
مصائب قوم عند قوم فوائد
ومن المفارقات أن (مصائب قوم عند قوم فوائد) فهذه العبارة تتردد بشكل يومي على ألسنة المسافرين على طريق (الأوتوستراد) بين القامشلي والحسكة حيث تصل هذه الأيام آلاف من قطعان الماشية والأغنام من دير الزور وبادية تدمر بعد الإعلان عن موت الموسم في هذا العام ,حيث يباع الدونم الواحد من الزرع الذي لم يكتمل واصفرت أوراقه بـ 500 ليرة لترعاه الأغنام أمام عيون فلاحيه, وتتحول المحافظة السورية الأولى بالزراعة إلى بادية يتجول بها الرعاة والأغنام!!!
بعد كل هذا يبدو أن اجراءات الوزارات المعنية في الحكومة ما زالت قاصرة, رغم أن الرئيس بشار الأسد وجه خلال ترؤسه اجتماعا لمجلس الوزراء مطلع الشهر الحالي إلى “تغيير الآلية الحالية على صعيد الاهتمام بالمنطقة الشرقية إلى آلية أخرى أكثر فاعلية لمتابعة المشاريع التنموية في تلك المنطقة”. وحتى الان مازال اغلب المسؤولين عن معالجة قضايا المنطقة الشرقية بعيدين عن استيعاب التوجيه الرئاسي و يتخذون قراراتهم من مكاتبهم الوثيرة والمكيفة في العاصمة, وان تقارير المسؤولين المحليين الى هؤلاء تصلهم بالفاكس حاملة اليهم صورا وردية عن واقع المحافظة وعن الانجازات التي ينعم بها ابناء المحافظة وابناء المنطقة الشرقية عموما .المنطقة التي تدعم الاقتصاد الوطني بمنتجات ثلاث هي الماء والنفط والقمح ولا تأخذ من اهتمام بعض الوزراء والمسؤولين اكثر من زيارات استعراضية مصورة وقرارات بعيدة عن الواقع تتخذ وراء المكاتب وطاولات الاجتماعات والنقاشات “الديالكتيكية النظرية”.
الإله بعل!!
تتحدث واحدة من القصص الشعبية في الحسكة عن زيارة سفيرة من إحدى الدول الأوربية إلى المحافظة للتعرف على أسباب ازدياد طلبات الهجرة إلى بلدها, وبعد الزيارة وضعت السفيرة تقريرا لحكومتها مفاده أن الوضع المعيشي يدفع إلى الهجرة, ذلك أن بيوت السكن الترابية في هذه المحافظة تشابه بحالها البيوت والآثار المكتشفة في ذات المنطقة منذ زمن الإله بعل.
محطة أخبار سورية 10/5/2010
http://sns.sy/sns/?path=news/read/13508