هل من صالح السوريين إسقاط اتفاقية السيداو؟
يحيى الأوس
أعتقد أن المضي في تصوير اتفاقية السيداو على أنها خطر داهم يهدد السوريين في حياتهم وأخلاقهم ودينهم هي مسألة سخيفة تصورنا كمجوعة من الساذجين الغير قادرين على المحافظة على أي خصوصية أمام اتفاقية دولية إنسانية ناهز عدد الدول المصادقة عليها الـ190 دولة من مختلف المستويات والديانات والثقافات. واستغرب عندما أستمع إلى إحدى الخطب الرنانة في تقريع الاتفاقية من حجم التهويل الذي يتم بثه فيها، فأكاد اصدق نفسي بأن هناك حركة حقوق نسوية مدنية في سورية باتت على وشك دفع الحكومة لإزالة التحفظات عن الاتفاقية، لولا أني أعرف تماماً أن الاتفاقية بحكم المجمدة منذ سنة التوقيع عليها فلا تحفظ أزيل ولا هناك من يسعى نحو إزالة اللبس المحيط بها كحد أدنى.
الإيغال في تجريد الاتفاقية من مضامينها الإيجابية
منذ سنوات يضع أعداء الاتفاقية نصب أعينهم هذه الاتفاقية كهدف لهم فلا يفوتون فرصة إلا ويكيلون الشتائم لها ولأنصارها “الزناديق” الذي لا هم لهم سوى تفكيك مجتمع الأخلاق والعفة الذي نعيشه!!. فقبل سنتين وجه أحد الشيوخ هجوماً عنيفاً على الاتفاقية وذلك عبر برنامج تلفزيوني يبث على شاشة التلفزيون الرسمي قال فيها إن هذه الاتفاقية ليس لها أية هوية ثقافية أو اجتماعية أو أخلاقية وإن كانت في الظاهر تدعي أنها ترعى حقوق المرأة، رافضاً رفع التحفظات السورية على بعض بنود الاتفاقية خاصة المادة السادسة عشرة التي حمل عليها بشدة واصفاً إياها بأنها تهدف إلى نسف الأسرة من خلال ما تمنحه للمرأة من حقوق تجعلها متقدمة في العلاقة الأسرية أو من خلال منحها حق الحضانة حتى في حال رغبت الزواج من شخص آخر بعد طلاقها أو من خلال منحها نفس الحقوق والمسؤوليات أثناء الزواج وعند فسخه، مما يجعل من عقد الزواج وفسخه تجارة رابحة للمرأة، كما يقول.
وقال الشيخ أنه لم يجد في اتفاقية السيداو مادة واحدة تنص على حماية الأسرة ولا على المسؤوليات التي تشيع بين أعضاء الأسرة أبداً، واصفاً العمل من خلال ما يسمى بالقضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة بأنه يأتي من أجل نسف الأسرة كونه يتبنى ضمانة الحرية الأنثوية المتمردة على كل القيود بما فيها الأسرة!!. ولعل هذا الموقف فتح الطريق أمام الإيغال في تجريد الاتفاقية من مضامينها الإيجابية التي تدعو لنصرة المرأة وإلى تقديم الرعاية الصحية والنفسية بهدف وقف انتشار الظلم ضده المرأة الذي يتغلغل في غالبيته التشريعات المعتمدة في المجتمعات الإنسانية وليس في التشريعات الدينية وحدها.
الحملة مستمرة
منذ أشهر قليلة تواصلت الهجمة بقيام الشيخين محمد راتب النابلسي والشيخ أسامة الرفاعي بمهاجمة الاتفاقية بطريقة غير مسبوقة تجاوزت حد المطالبة برفض رفع التحفظات إلى إعادة النظر في الاتفاقية عبر المادة 26 التي تتضمن هذا الحق للدول!!. وقال الشيخ النابلسي في خطبة له منشورة على موقعه الالكتروني اقرا الخطبة كاملة بأن هناك خلفية لمؤتمرات السكان التي سبقت تلك المعاهدة، الخلفية تقول: إن النمو السكاني في العالم الثالث ولا سيما عند المسلمين يعد خطراً يهدد الأمن الغربي، يريدوننا ألا ننجب لذلك جعلوا عقود الزواج أنواعاً ثلاثة بين رجلين أو امرأتين أو رجل وامرأة، وسمحوا بالإجهاض الآمن. ويضيف: نحن لسنا بحاجة إلى اتفاقيات وإلى حقوق امرأة ولكن بحاجة إلى أن نفهم هذا الإسلام العظيم وعندئذ نستغني عن كل هذه الاتفاقيات!!.
الشيخ الرفاعي:
أكثر من ستين خطبة حول تدخل الأمم المتحدة في قضية المرأة !!.
يقول الشيخ الرفاعي انه خصص أكثر من ستين خطبة للمرأة، وقد مر في هذه الخطب على كثير من قضايا الأمم المتحدة التي تتدخل بها في شؤوننا وخاصة في قضية المرأة. وعلى هذا فلديه استنتاجات خطيرة تتعلق بالاتفاقية فهي بلاء حلّ بنا خاصة إذا رفعت التحفظات “لا سمح الله”؟ و لا بد من البحث عن طريق قانوني تسلكه الأمة كلها للخلاص من هذا البلاء؟ فالأمة كلها يؤذيها أشد الإيذاء مثل هذه الأمور الموجودة في هذه الاتفاقية. يضيف: علينا إصدار قرار سياسي بعدم رفع هذه التحفظات بسبب وجود حراك ناشط وقوي في المجتمع وخاصة في بعض جمعيات المجتمع المدني للضغط على الحكومات أن ترفع هذه التحفظات، وهذه التحفظات كما ذكرت لكم كلها نابعة إما بأنها تنافي الشريعة الإسلامية وإما لأنها تنافي السيادة الوطنية، فهذا الضغط الشديد من بعض جمعيات المجتمع المدني قائم على الحكومة لرفع هذه التحفظات، ويجتمعون لذلك في المؤتمرات والندوات وتكتب في الصحف والمجلات ووسائل الإعلام.
ينسى الشيخ الرفاعي مسألة واحدة خلال اندفاعه الشديد هذا بتهويل الأمر وهي انه قدم وحده نحو ستون خطبة حول المرأة وهو رقم يفوق كل النشاطات التي قامت بها جمعيات حقوق المرأة أفرادا وجمعيات خلال سنتين كاملتين، هذه الجمعيات التي يذهب بعيدا في تصوير خطرها التدميري على المجتمع!!.
ويشكر الهيئة السورية لشؤون الأسرة؟.
الشيخ الرفاعي لم يفته توجيه الشكر لهيئة السورية لشؤون الأسرة عندما حاول أن يوحي بأنه ليس للهيئة موقفا مسبقا من رفع التحفظات وإنما هي تطرح هذا الموضوع لمجرد النقاش بقوله أن الدكتورة منى غانم التي كانت رئيسة الهيئة السورية لشؤون الأسرة ذكرت هذا لبعض الأصدقاء!! فهل لنا من موقف صريح تذكرنا به الهيئة السورية اليوم بموقفها مما يقال في هذا الشأن؟؟.
انحراف ..ضغط..شدة..!
يستشعر الشيخ الرفاعي بالانحراف والضغط والشدة في وسائل الإعلام صباحا ومساءا لرفع التحفظات عندما يقول أن هناك رجلا ذو مركز مرموق في مؤسسة من مؤسسات الأمم المتحدة قال له إنهم في الأمم المتحدة يطالبون كل فترة برفع التحفظات لكنهم لا يلاحقونه بشدة، وهنا يتسائل: إذا كانت سوريا كما يبدو لنا كدولة لا تعنى بإصدار قرار سياسي و الهيئة السورية لشؤون الأسرة ليس لها موقف مسبق من هذا الموضوع، والأمم المتحدة لا تلاحق هذا الموضوع بشدة وبحدة، فمن وراء هذا الانحراف والضغط والشدة في وسائل الإعلام في كل صباح ومساء!!؟..
سؤال لم يتحفنا الشيخ الرفاعي برد مفحم له لكنه ترك الباب مفتوحاً أمام اجتهادات وإبداعات أشخاص يتقاسمون معه الهم ذاته للإجابة عليه…
ويبقى السؤال: بعد ثماني سنوات على تصديقنا على اتفاقية مناهضة كافة أشكال التمييز ضد المرأة ” السيداو” ما الذي تغير في واقع المرأة السورية؟. وهل يستحق الأمر من أنصار المرأة التعرض لكل هذا التشكيك والطعن في سلوكياتهم فقط لأنهم أيدوا مشروع الدولة العصرية بوصفها جزء من نسيج عالمي حضاري وعادل؟.
عن مجلة الثرى الإلكترونية