صفحات الناس

ميشال كيلو أهلاً

null
عباس بيضون
يخرج ميشال كيلو بعد 3 أعوام من السجن ليجد أن لا شيء تحسن في أي مكان. ان لم نقل ان الأمور، كالعادة، صارت إلى أسوأ. لا يعني ذلك ان ميشال أهدر ثلاثة أعوام من عمره وأن تضحية كهذه صارت هباء. من كان يظن أن في وسع مثقف عربي مستقل ان يؤثر عميقا؟ ليس ميشال كيلو على الأقل فطالما رد ميشال الآخرين إلى وعي واقعي بهذه النقطة وطالما أفهمهم ان قوتهم الحقيقية اكثر من متواضعة، لم يكن ميشال مما يؤخذ بسلطة الألفاظ وممن تخدعهم الألفاظ، لم ينتظر بالطبع مقابلا من أي نوع لسنوات السجن الثلاث. أظن أن قدر المثقف العربي المستقل او المعارض لا يزال هو هو لم يتبدل. انه أمله أولا في الدفاع عن الثقافة نفسها، عن حقها في ان توجد كغاية في ذاتها لا كأداة او سلاح او يافطة، أمله ثانيا في طلب الحقيقي مع ما تراكبت عليه الأغراض والغايات، امله ثالثا في تكوين استقلال ثقافي ووجود مستقل للثقافة أمله رابعا في ان تكون الحرية مبدأ في ذاته لا يقاس بظرف ولا جدول للأولويات، أمله رابعا في أن يكون للأفكار ولو في المستقبل تأثير ما، فمعركة الافكار هي غير بقية المعارك وحصادها لا يأتي باكرا ولا يتعلق بظرف آني.
هذه هي، في ما أظن، فكرة ميشال كيلو عن التزامه وعافية التزامه، وأظن أنه لم يحسب حسابا آخر، واذا كان هذا حسابه فلا أظن انه أهدر أعواما او علق آمالا على فراغ، بل أذهب الى انه في ظرفه ومكان كان أكثر تطابقا مع غاياته. لقد كان فردا وخرج فرداً. لم يخدم سوى فكرته ولم يدافع عن سواها. لقد كانت فكرته أولا وأنتجها بمقاييسه هو ورؤيته والتزامه. استقل برأيه وطلب ان يستقل فلا يتبع سوى هدفه. طلب الحقيقي كما رآه ووقف عنده، ثم اكثر من ذلك نشر رأيه، ورأيه هو، لا يبغي من ذلك سوى ان ينقله الى من يسمع. كان ذلك دفاعا غير مشروط عن الحرية. كان لميشال كيلو كلمة وأراد ان يقولها. ان يقولها فحسب. وقالها في كل الظروف. ومهما كانت الآراء، الا ان الدفاع عنها يخدم الحرية، ميشال كيلو الذي أمضى 3 سنوات في السجن هو مع كل هؤلاء الذين دفعوا من حياتهم اكثر او اقل، يؤدون ثمنا باهظا، وباهظا للغاية، لمبدأ بسيط، هو الحق في الكلام والحق في التعبير.
ميشال كيلو الذي شرفنا بصداقته. اهلا وسهلا بك خارج السجن ولا أقول اهلا بك حرا، فأنت، مع المثقفين العرب الذين أدوا من اعمارهم ولحمهم الحي ضريبة الحرية القاسية أحرارا في داخل السجن وخارجه. بل انتم معلمو الحرية، ولانكم كذلك فأنتم ضمير ثقافتنا وشرف كلمتها.
السفير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى