صفحات الناس

سفاح القربى.. عندما تصبح العورة أكبر من ورقة التوت

null

يحيى الأوس

يرفض الكثيرون تصديق أن يكون بين ظهرانينا من يقدم بوضاعة على اقتراف جرائم بقسوة جرائم سفاح القربى. لكن انكارهم هذا أو رغبتهم في الإنكار لا يغير في الأمر من شيء سوى أن يمنحهم شعوراً هشاً بأن الأخلاق لم تنحدر إلى هذه الدرجة بعد. فمن المؤكد أن هذا النوع من الجرائم خرج من قعر القمقم، وصار يمكن اشتمام رائحته العفنة تفوح من أشخاص أخذتهم الخساسة والنذالة وانحدرت بهم إلى أدنى درجات الوضاعة.

شخصياً، أذكر أول مرة سمعت فيها عن جريمة سفاح قربى عندما أخبرني أحدهم أن مختار إحدى القرى يقوم باغتصاب بناته بالتناوب وبموافقة زوجته!! يومها رفضت التصديق وفكرت أن الشذوذ يمكن ان يطال شخص مريض فيقدم على مثل هذا الفعل لمرة أو بعض مرة قبل أن يفتضح أمره من شخص ما ويلاقي جزاءه، لكن أن تتواطئ الأم وتوافق على هذا العمل المشين هو الجزء الذي لم أصدقه وقتها!! لكن ما حدث لاحقاً أن معطيات أكدت لي أن القصة التي وصلتني كانت صحيحة وأنها انتقلت إلى أروقة المحاكم ولكن بعد مرور سنوات على مواصلة فعل الإغتصاب من قبل الأب. هذه الحادثة كانت بالنسبة لي بداية لذاكرة مريرة اختزنت العديد من القصص المشابهة التي كانت تتناهى إلى مسمعي من حين إلى آخر والتي كان آخرها قصة الفتاة “كريمة” -اسم مستعار- التي تناوب كلاً من عمها و أبيها على إغتصابها منذ كانت لا تزال طفلة ولم تتمكن من وضع حد لهما حتى وقت متأخر جداً.

إن الحديث عن هذا النوع من الجرائم يبدو أكثر وعورة في مجتمع لا يزال يحاول إخفاء عورته بورقة توت، في مجتمع لا يزال يرفض الاعتراف بظاهرة جرائم الشرف والتحرش الجنسي، فكيف يكون الحال مع سفاح القربى هذه الجريمة التي يخجل الكثيرون من تداولها في مجالسهم وفي أحاديثهم أحياناً؟

استغلال الطفولة الباكرة

تؤكد تقارير إعلامية ودراسات حول هذه الجريمة بأن المعتدي يستغل السن الصغير لضحاياه ليتمكن من ممارسة شذوذه عليهم وتعتبر المرحلة من 6 إلى 13 سنة هي أكثر المراحل التي يتعرض فيها الأطفال لجريمة السفاح، ذلك أن سطوة الجاني وقدرته على الإجبار تجعل الطفل أو الطفلة الضحية عاجزين عن رده أو منعه من تنفيذ مأربه، خاصة وإن كان هذا الطفل قد تعود الطاعة العمياء لمن هم أكبر منه سناً. وتفيد بعض الدراسات الصادرة عن مراكز متخصصة بأن 75% من حالات الإعتداء الجنسي تقترف داخل الأسرة على يد الأب أوالأخ أو العم أو الخال، وبسبب هذه القرابة الوثيقة تذعن الضحايا وتسكت، خشية أن يؤدي الكشف عن هذه الممارسات الى مشكلة أكبر للضحية قد تكون القتل. وهو ما يفاقم من هذه المشكلة ويغلف حياتهم بالمزيد من الصمت والسكون والاستسلام. كما أن المبادرة في جرائم السفاح تكون بنسبة 70% من الرجال و 30% من النساء اللواتي يلجأن غالباً إلى ارتكاب هذه الجرائم مع من هم أصغر منهم سناً.

جرائم الشرف لتغطية سفاح القربى

تبدو ضحايا هذا النوع من الجرائم أكثر بؤساً من أي نوع آخر من الضحايا، فهم مهددون بالقتل في أية لحظة والذريعة دائماً حاضرة وهي الشرف، وكم هناك من جرائم ارتكبت باسم الشرف لكنها في الأصل لم تكن سوى للتغطية على سفاح القربى، وكم من الضحايا يتراجعن عن أقوالهن لأسباب مختلفة تتعلق بالأسرة و بسبب الخوف اليأس وبسبب خشيتهن من القتل ومن انعدام الأماكن التي يمكن أن تأويهن وتوفر لهن الحماية الحقيقية بعيداً عن يد القتلة.

عقوبات غير رادعة

يطلق على هذه الجريمة اسم السفاح إاذا تمت برضا الطرفين التام، أما اذا كان هناك إكراه فإن الجرم لا يكون سفاحاً وإنما اغتصاب بالعنف والاكراه و هو جرم جنائي مشدد، ووفقاً للمادة (477) من قانون العقوبات: يلاحق السفاح بناء على شكوى من قريب أو صهر أحد المجرمين حتى الدرجة الرابعة و تباشر الملاحقة بلا شكوى إذا أدى الأمر إلى فضيحة وعقوبة السفاح حسب نص المادة (476) من قانون العقوبات هي الحبس من سنة إلى ثلاث سنوات و إذا كان لأحد المجرمين سلطة قانونية أو فعلية على الآخر فلا تنقص العقوبة عن سنتين و يضاف إلى ذلك منع المجرم من حق الولاية أو الوصاية. وهذه العقوبة ليست كافية لتضع حداً لهذه الجريمة وهي لا تترافق بعلاج نفسي للفاعلين الذين ولا شك هم بحاجة ماسة إلى الاستطباب والعلاج، بنفس القدر الذي يحتاج إليه الضحايا من العناية وإعادة التأهيل الاجتماعي. ولعل تشديد العقوبة وحده لن يؤدي إلى إنهاء المشكلة لكنه يوفر مدة أطول للضحايا كي يتخلصوا من هيمنة الفاعل فيتقدمون خطوة نحو المزيد من الاستقلالية ويمنحهم وقتاً أطول للاستشفاء واستعادة التوازن. وما يبدو في هذه الناحية أكثر أهمية برأيي هو آلية الوصول إلى الضحايا وآلية انتشالهم مما هم فيه عبر طرق تبليغ مناسبة وآليات حماية حقيقية تمنحهم الفرصة للتخلص من ذكرياتهم الماضية.

إن جرائم سفاح القربى واحدة من أسوأ الجرائم التي تتعرض لها الأسرة إذ سرعان ما ينفرط عقدها وينحرف أفرادها فمنهم من يكون مصيره السجن ومنهم من يكون مصيره الشارع أو المشفى أو الملجأ، وهذه نتيجة طبيعية لأسرة قامت على عدم الثقة والاستغلال والنزوات وعلى مبدأ القوي والمستضعف.

موقع ثرى

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى