أنا الولد أقشّر ضوء القمر عن الحائط –
فراس سليمان
لوحة للراحلة آنا عبس.
قاع هائل
إنها قسوة الوصول،
هنا…
حيث قوس المكان لم تعد مشدودة كما يجب
و
أنت لا تنتظر أحداً… شيئاً
تقلّب الطبيعةُ أسماءها على شاشة تمتلئ
وتفرغ من دون طائل،
موجودات اللحظة التي لا بد منها
تذبل أمام مصائرها
بينما في قاعٍ هائل
أنتَ
من دون أدوات… من دون رغبات
برخاوةٍ
تربح أشباهاً غير مرئيين لم تسعَ لأجلهم.
***
زمن
مختطف
ومعصوب العينين
سعيد الآن
لأنه بالكاد يستطيع أن يتحرك
لأنه يحسّ حفيفَ النهاية على جلده
لأن كلّ ضربة بأخمص البندقية
تسوّي
منسوبَ
الذكريات
والأحلام
في رأسه،
سعيد الآن
لأنه
للمرة الأولى
يسكن داخل الزمن.
***
جنوب بعيد
سيأتون من مكان ما
ملطخين بما لم يختبروه
وتومض بين أيديهم أشياء لا حاجة لها
يمضون كائناتٍ كأن ندماً كاذباً ألّفها
تلمع أعماقهم مثل عدسات كاميرات
أعماق…
أجسادٌ مطفأة
لها رائحة أسلحة معطلة وبعض جنوبٍ بعيد
على ثيابهم الرثة
الزمن ملفّق ونصف ممحو
الذين يلوّحون لنا كأنهم وصلوا
العابرون… إخوتنا
الذين علينا أن نعرف كيف نحبّهم بحذر
كيف نقيس المسافة بيننا وبينهم
قبل أن تندلع الحرب.
***
بتلات
به حاجة الى البكاء
في هذا الليل البعيد
لكنه بدلاً من ذلك
يفكر في الجبال والغيوم
ويبتسم
يهيم… يشفّ
الرجل
الذي
يقفز بدعةٍ
من عربة اللغة
وفي يديه
ملساءُ وصغيرةٌ
رائحةُ الكون
الأشياء حوله
تتململ تحت طبقة ناعمة من بخار الوقت
ثم ببطء تتحوّل
بتلات
صمتاً
تنمو
كالموسيقى
الرجل
يهيم
يشفّ
وهو بشفتيه يتناول حصته
من
رغوة
اللاشيء
السكينة بيضاء
يراها
بإصبعه ينقر على نافذتها
السكينة تقشّر برتقالاتها البيضاء
في مطبخها الأبيض
بإصبعه ينقر على نافذتها
السكينة مشغولة
عميقة
في مطبخها الأبيض
و… يراها
الآن
في بيته
بإصبعه ينقر على الطاولة
…
…
الرجل
داخله
يعصف العالم
ريشاً
وآلهة
يمسد كتف الهواء بيد
وبالأخرى يمسح على ركبة الرابعة صباحاً
بينما الثلج في الخارج يجرّ الليل إلى جسده الآخر
…
…
الرجل الذي
يهيم
يشفّ
يلمّ حياته
يضمّ حياته
بهزّة رأس.
***
في قريةٍ ما خلف بيتهم
شجرة الزنزلحت
عميقاً تسكن في هيئتها،
فاكهةُ ما بعد الظهيرة
روائحُ
تتلعثم على الطاولة الصغيرة
ثم
…
….
الإهمال
جروٌ يتمطى بين كراسي القش
ثم…
النسائم ترتطم بالجدار
تقع
أرضاً
تتفتت
لتزيد من كثافة الفيء.
***
لكن لماذا؟
الاستعارات ترهلت
اللغة شوّهت جلدَ المعنى
يمكنني أن أمحو
لكن لماذا؟
الولد يقشّر ضوء القمر عن الحائط
الولد لا ينتبه إلى حدّة الغموض وراء ظهره
الولد يركل بغضبٍ السلّمَ الخشبي المحطم
الولد لا يسمع وقع المفاجآت الذي يتعاظم
الصور ترهلت
الوصف يخرّب المشهد
يمكنني أن أمحو
لكن لماذا؟
…
…
الكتابة ممحاتي.
***
داخل… خارج
كان يجدر بي
أن أقلع عن عادات الخروج
أن أبقى في ذاك الداخل
المصنوع من رعبٍ مقوّى
ضارياً
أمام جمهور من أمهات عجائز
جالسات على كراسٍ من قشّ
لا يستطعن تصفيقاً
لأنهن مشغولات بحياكة الصوف
لي
أنا ابنهن
العاري
أمامهن
الذي
يرتجف في الخارج!
(نيويورك)
ملحق النهار الثقافي