إلى عبّاس بيضون
رامي الأمين
يصعب عليَّ الذهاب إلى المستشفى، والوقوف هناك، إلى جانب الأصدقاء، حول السرير الذي ينام فيه عباس بيضون مضرّجاً بألمه بعدما دهسه الشعر مسرعاً على الطريق.
لا، لم تكن سيارة تلك التي صدمت عباس بينما كان يقفز من جهة إلى أخرى من جسر “الرينغ”.
لم يكن شيئاً أو أحداً أطاح الشاعر وحطّم جسده الذي “كشجرة تشبه حطّاباً”.
ربما كان “الوقت بجرعات كبيرة”، أو أنها القصيدة التي كتبها عن انتحار ابن اخته زاد.
لا يهمّ، لكنني لن أصدّق أن سيارة دهسته، مع أنه صرّح غير مرة، وآخرها في لقاء مع جوزف عيساوي في برنامجه، بأنه يرى نهايته في حادث سير، تماماً كما انتهى الأمر بوالده.
هو ليس حادث سير ما حصل مع عباس، الذي بقي طويلاً حتى استطاع حسم هويته، وقبل بلقب “الشاعر”، ترضية عن لقب “المفكر” الذي كان يطمح إليه.
كيف للمفكّر أن ينتبه إلى القصيدة المسرعة في الطريق؟
كيف له أن يفطن إلى “حمار الفنون” كما يسمّيه، وهو الممتطي جواد الفكرة التي لا تتوقف عن القفز فوق الحواجز؟
اقول، ربما السبب في حذائه. ربما لم يذهب منذ مدة إلى “كلارك” في الحمراء ليغيّر الحذاء الذي أنهك قدميه المشّاءتين.
أتذكر حينما رافقت عباس لشراء حذاء من الحمراء، بعدما مشينا من بيته في الصنائع إلى الشارع الذي كان يركض فيه غير آبه باحتمالات التحطّم، متأبطاً كتاباً أو جريدة، باحثاً في الواجهات عن انعكاسه الذي يبقى طويلاً، حتى حينما يمضي إلى واجهات أخرى.
من البيت إلى الحمراء، حديثنا عن زكي الذي سافر للتوّ إلى فرنسا، حتى وصلنا إلى واجهة “كلارك”، حين راح عباس يبحث عن حذاء جديد، الى أن أعجبه واحد، فجرّبه على قدميه ثم اشتراه. حين سأله الموظّف في المتجر ما إذا كان يرغب بأخذ الحذاء القديم معه، أم أنه يبقيه كي يهبه إلى أحد الفقراء، أجاب عباس: “آخذه معي، لا أريد للفقير أن تؤلمه قدماه”.
ربما كان الألم لا يزال في قدمَي عباس. ربما الحذاء الجديد صار قديماً، وفي حاجة إلى تغيير.
قم يا عباس من السرير لنذهب إلى “كلارك”.
قم نشتر حذاءً جديداً للجري السريع في المدينة البطيئة.
خذني معك إلى فكرة جديدة، امسك يدي ولتعبر بي من ضفة إلى أخرى، ولن أخاف، معك، أن تصدمنا القصيدة.
“النهار” اللّبنانيّة