أثر إدوارد سعيد في النقد المسرحي الشرقي
عواد علي
تمثيلات التراث الآسيوي في المخيال الغربي
في سياق تفكيكه لخطاب الاستشراق الكامن، كما يتمثّل في الخلق الفني، يقرأ إدوارد سعيد ببصيرة نقدية ثاقبة مسرحيتي “الفرس” لأسخيلوس، و”الباكنتيون” ليوربيدس، فيخلص إلى أن آسيا تتكلم عبر الخيال الأوروبي وبفضله، هذا الخيال الذي يصور منتصراً على آسيا ــ هذا العالم الآخر العدائي عبر البحار، ولآسيا تنسب مشاعر الخواء، والضياع، والكارثة، مشاعر تبدو بعد ذلك، باستمرار، جزاء الشرق كلما تحدى الغرب.
وقد أثرت هذه القراءة النقدية، وجلّ رؤية إدوارد سعيد ومقولاته عن “التمثيل الرغبوي” للشرق خطابياً، تأثيراً عميقاً في النقد المسرحي الشرقي، حال صدور كتابه “الاستشراق” أواخر السبعينات في الولايات المتحدة. وكان من بين أشد المتأثرين بها الناقد المسرحي الهندي روستم بهاروشا في كتابه “المسرح والعالم: الأداء والسياسة الثقافية” (1992) الذي تصدى فيه لمغالطة، كثيراً ما روّج لها بعض نقاد المسرح الغربي، مفادها أن استثمار المسرحيين الغربيين للتراث الأدبي والروحي الشرقي (الملاحم، والأساطير، والطقوس الدينية) في تجاربهم المسرحية، يشكّل نوعاً من التقاء الثقافات وتمازجها، أو أنه يهدف إلى جعلها ذات منحى موضوعي، في حين أن تفكيك تلك التجارب يكشف عن حقيقة جوهرية مفادها أن معظمها يقوم على أساليب تخفي تحت قشرتها الخارجية نزعةً مركزيةً غربيةً، ومنظوراً ثقافياً كولونيالياً. ويضرب بهاروشا مثلاً على ذلك بأن نصاً هندياً مقدساً مثل “شاكونتالا”، الذي يعدّ مصدر الكثير من الغموض والحكمة الرومنطيقية واللطف الهندي، يُفرّغ من جماله الفلسفي، وسياقه الاجتماعي، بل الأسوأ من ذلك أن يجرّد الأداء التقليدي من صلاتِه بحياة الشعب الذي تُقدَّم هذه العروض من أجله.
يركّز بهاروشا، من خلال تفكيكه مجموعة أعمال مسرحية غربية تقوم على نظام من التمثيلات يعيد صوغ مرجعيات تراثية ومعتقدات شرقية مقدسة، بشيء من الاستخفاف المقنّع بادعاء الموضوعية، والحيادية أحياناً، على وفق افتراضات خارجية عنها، ورؤى إشكالية في جوهرها، ومواقف نمطية ثابتة ومشوِّهة للحقائق تفصل بين التاريخ الشرقي والحضارة الشرقية، يركّز على ما يسمّيه “أخلاقيات العرض” التي تكمن وراء أي تبادل ثقافي، والعلاقات الاجتماعية التي تؤسسه. ويقرر بهاروشا، في ضوء رفضه لهذه الأخلاقيات، أن من أكثر الأشياء إهانةً للمسرح هو تحويل احتفالاته مستودعات من التقنيات والنظريات. ويدعو كل من يهتم بالتبادل الثقافي بين الحضارات إلى ضرورة معرفة ما يمكن أن يعيد النص إلى شعبه الأصلي قبل اجتراح أي نظريات عن أي أداء تقليدي.
توضيحاً لرؤية بهاروشا النقدية، المتأثرة برؤية إدوارد سعيد ومنهجه، على نحو أكثر شمولاً، سأقف على تفكيكه لتجارب أربع مسرحيين غربيين هم: أنتونان آرتو، جيرزي غروتوفسكي، بيتر بروك، وريتشارد ششنر، الذين عُرفوا بتوجههم صوب العالم الشرقي، وثقافته، وسحر مسرحه التقليدي، بتقنياته وجمالياته وطقوسه، كغيرهم من الأدباء والانتروبولوجيين والفنانين التشكيليين في الغرب، مشبّعين من الترسانة والشفرات والسجلات والتنميطات المتجذرة في كتب المستشرقين.
آرتو: الشرق المتخيّل
كان للمسرحي والشاعر الفرنسي أنتونان آرتو أثر كبير في نشر مفهوم تواصل الثقافات في المسرح الغربي، وقد انجذب بشدة إلى المؤثرات الشرقية، بما فيها اليوغا، والأديان الشرقية، والمخدرات، والسحر، وكتاب الموتى عند التيبت، والصوفية، والإبر الصينية، وعلم التنجيم، إضافةً إلى تأثره بتقاليد المسرح الإغريقي، وطقوس شعوب المكسيك، وتوجهات المسرح الرمزي، والحركة السوريالية، وفي محاولته ضم أفكار أخرى، وحاجته إلى استيعاب الثقافات غير الغربية، قام بانتزاعها من سياقها وسياق حقائقها.
يدعم بهاروشا تفكيكه لرؤية آرتو باقتباس فقرات طويلة من مقال سوزان سونتاغ الشهير عنه، فهي تقول إن متابعة آرتو لـ”الآخر” يمكن رؤيتها على أنها جزء من حاجته الباتولوجية في الهروب من أوروبا المنطقية (كتب في خطابه للبوذيين: “إن أرواحنا تعاني من احتياجات أخرى غير تلك التي تلازم الحياة، فنحن نعاني من العفن، من عفن المنطق … تعالوا لتنقذونا من شرانقنا، وصمموا لنا بيوتاً جديدة”).
بغض النظر عن رفضه العنيف لثقافته، فإن المرء، كما يؤكد بهاروشا، لا يمكن أن يدعي أن توجه آرتو إلى الشرق كان بدافع حب الغير، أو أن هذا الحب كان قائماً على فهم أصول مبادئه. من الأدق أن نقول إنه قد خلق الشرق الخاص به (شرقاً متخيّلاً)، ثم حصل منه على مصادره لاستعادة الحيوية. بل أن آرتو لم يقم قط بترجمة المصادر بطريقته الخاصة فحسب، بل بدا غافلاً تماماً عن تاريخه ومغزاه الأصيل الموغل في العرقية. ولأن آرتو قد فشل في تقديم “معرفة تاريخية صحيحة”، فإن أفكاره التاريخية قد جعلته يُصنَّف ضمن المستشرقين الذين سخّفوا الثقافات غير الغربية على أساس احتياجاتهم، وتأكيداتهم للحقيقة من منظورهم الشخصي البحت. وهكذا بدت أبحاثه خياليةً نابعةً من رؤيته لمسرح “مستحيل” يرقد في أعماقه، وليست تاريخيةً أو وصفاً منظماً لما رآه. إن ما أثاره عن المسرح البالينيزي (نسبة إلى جزيرة بالي الإندونيسية) لم يكن المسرح البالينيزي نفسه، بل كان متعلقاً بـ”المسرح الشرقي”، وحافزاً ومثيراً موحياً فقط للمسرح الموجود في أفكاره وأحلامه. ويتفق بهاروشا مع سونتاغ على أن أسوأ ميراث تركه آرتو هو اصطلاح “المسرح الشرقي”، لأن مقياسه كان مثل كثير من المقاييس الغربية التي تبسّط بشدة النشاطات وطرق التفكير في الشرق. وقد تجنب كل الخصائص المميزة والظاهرة للفنون المختلفة والمعقدة كالكابوكي، والنو، واليانج كوليت، والباريز، والكاثاكالي، والشاو، وأدى تجريده لها من فرديتها إلى أن تصبح تقاليد العرض في الشرق من دون شكل محدد، بحيث يمكن أن يحل بعض تلك الفنون محل بعضها الآخر.
يخلص بهاروشا إلى القول إن استخدام آرتو لمصطلح “المسرح الشرقي” يضعه في موضع أقل مما يليق به من احترام، بل ويجعله يتسم بالغموض. وعلى الرغم من أنه استخدمه دائماً كمرادف للمسرح البالينيزي، فإنه أراد التعبير من خلاله عما يبتعد عن المسرح الغربي في المقام الأول، ولم يستطع التخلص من فكرة أن “الآخر” أو “الغيرية” ترتبط ارتباطاً وثيقاً بـ”المسرح الشرقي”. وزاد من هذا سوء فهمه للعناصر الكونية، والميتافيزيقيا، والقوى الخارقة للطبيعة الموجودة في الرقصات البالينيزية والكمبودية التي لم تكن دقة تقنياتها دافعاً لانجذابه اليها، بل تجسيدها القوي للمجهول، وأشباح ما وراء الطبيعة.
غروتوفسكي: شرقية زائفة
يقول بهاروشا إن المخرج البولوني غروتوفسكي، في الوقت الذي يبدو فيه مغرماً باليوغا والرقص الكلاسيكي الهندي، حين يستخدمهما في مختبره المسرحي، فإنه، في حقيقة الأمر، ذو نزعة براغماتية تماماً، اذ استخدم أساليب هنديةً كلما احتاج اليها قبل التحول إلى مواجهات أكثر مباشرة للمصادر النفسية للممثلين. ويقدم بهاروشا إشارةً دالة على برغماتية غروتوفسكي تتمثّل في توقفه عن توظيف اليوغا في تجاربه المسرحية، واصفاً إياها بأنها حالة من “النوم الداخلي” حينما لاحظ أنه ينتج منها “تركيز داخلي له أثر ضار على الممثلين”.
كانت مسرحية “شاكونتالا” للشاعر والكاتب المسرحي الهندي كاليداسا (عاش في القرن الخامس قبل الميلاد) واحدةً من بواكير مسرحيات غروتوفسكي، وقد عرضها عام 1960 قبل دراسته للمسرح الهندي التقليدي بالقدر الكافي. وعلى الرغم من أن هذه المسرحية لا تحتفل بالثنائية التي تبرز الشرق الغريب، فإنها تسعى إلى إظهار مساوئه وتعريته، وتقليد الرموز الهندية على نحو ساخر شرير. وقد عرضت مشاهد الشرق من خلال واجهات المعابد، والنباتات الاستوائية، والأفيال، والتجمعات البشرية، وقصاقيص من التنانير النسائية الخاصة بالمسرح. ويبدو أن تصميم سينوغرافيا العرض الذي تضمن رموزاً جنسيةً فرويديةً، والأزياء التي أضفت صورةً بريئةً ومبهجةً على الشرق قد أكدت عدم وجود ما هو مقدس في رؤية غروتوفسكي للهند، بل أن هذا الافتقار إلى التبجيل والاحترام تجاه الهند قد جذبه، فبدلاً من إعادة صياغة مسرحية “كاليداسا” قام بتصحيح النص بقسوة، وأضاف اليه صوراً ومراجع من كتاب “مانو وكاما سوترا”. وفي نقده للعرض يقول بهاروشا إن إخراج غروتوفسكي للـ”شاكونتالا” كان متسماً بالقليل من الشاعرية والعاطفية، متسربلاً بشرقية زائفة، متذبذباً بين السحر الغامض والتقاليد، خالطاً الأوضاع اليوغاوية والحركات الرشيقة بقدر كبير من الحركات التقليدية الجامدة.
لقد شكلت رقصة الكاثاكالي واليوغا قاعدة لتمارين غروتوفسكي “السايكوفيزيقية” سنوات عديدةً، ولكن كلما زاد تعلم ممثلي مختبره المسرحي لليوغا، وتدريبات الوجه الخاملة بالكاثاكالي، لاحظ عدم فائدة تقليد المسرح الهندي. وفي الوقت الذي كان قد أقر تكامل تقنيات المسرح الهندي مع تقنيات التمثيل الخاصة به، فإنه أصبح حذراً جداً في استعارة تقاليد من الشرق. وقد اضطر بعد ذلك إلى أن يعترف بأن الجماليات الفلسفية في المسرح الشرقي غريبة تماماً عنه. وبعد خمس سنوات من انتاجه “شاكونتالا” لاحظ أن الطبيعة غير المرنة للعلامات الهيروغليفية في المسرح الهندي قد منعت الممثلين الغربيين من فهمهم لأدوارهم.
بروك: عمى الألوان
يرى بهاروشا أن إنتاج المخرج البريطاني بيتر بروك لملحمة “المهابهاراتا” الهندية الشهيرة يصم الثقافة الهندية بالتفاهة في عرضه للأساطير والملاحم، ويخفض من قيمة الفلسفة الهندوسية بطرح ملاحظات معروفة سلفاً، وهي تعتمد على بناء أوروبي مركزي للأحداث وللتمثيل صمِّم خصيصاً للجماهير العالمية. لقد تعامل بروك مع هذه الملحمة الروحية بطريقة حوّلتها حللاً وأثاثاً، وقام بتجريدها من تاريخها حتى يمكنه بيعهامن في الغرب، في حين أنها، بالنسبة الى الشعب الهندي، تُعدّ المصدر الجوهري للمعرفة في تراثه الأدبي، ففيها الرقص، والرسم، والنحت، واللاهوت، والدين، وفن الحكم، وعلم الاجتماع، والاقتصاد. باختصار، إنها تاريخه بكل غزارته وتفاصيله.
يعتقد بهاروشا أن المشكلة عند بروك تتلخص في عدم وجود إطار مرجعي لإنتاجه يمكن أن نستمد منه انطباعاً هندوسياً للحركة في إطار عالمي كوني، فالممثلون كلهم يؤدون أدوارهم حرفياً، أو بشكل آخر تحت تحريض كريشنا. ويبدو تقديمه للشخصيات مصاباً بعمى الألوان، ويخلو من كل إحساس بالنمو والتطور خلال مختلف مراحل التاريخ. ويعزو بهاروشا ذلك إلى أسباب عدة منها مواجهة بروك القاصرة للتقليد الهندي الكلاسيكي باللقطات القصيرة، فبدلاً من أن ينفتح بجهده وعقله على متاعب دراسة الإيماءات والإشارات في تقليد معين (التي ربما كانت ستنتهي بالفشل) جهّز نفسه لتصوير التقليد الكلاسيكي بطريقة لا يفهمها أحد سواه، فلم يقتحم “غابة” النص بحجمها الكثيف، ومتاهات مسالكها ووعورتها، بل ظل يتنصت على بعض تراجم النص حتى خرج منها بخلق صياغته الخاصة. ثمة سبب آخر يتمثل في اختزال بروك لحجم الأسطورة إلى حد الترميمات المتتالية تاريخياً لحادثة عرضية في سياق القصة، وقد مُزج بناؤها بتقليد مسرحي معروف في المسرح الأوروبي (نهج سكريب وساردو)، ثم عرض الأحداث وفقاً لتسلسلها التاريخي لمسرح القرن التاسع عشر.
يخلص بهاروشا إلى أنه موقن أن بروك كان أقرب إلى “الأوروبي المركزي” في دفاعه عن المسرح، حيث صنّف الثقافات العالمية في نطاق بنائه الأوروبي الدرامي، وإطار قيمه هو، وليس قيم الشرق.
ششنر: الآخر بوصفه إسقاطاً للأنا
شكك بهاروشا في نيات المخرج الأميركي ريتشارد ششنر، الذي ضمّن بعض الاحتفالات الدينية، مثل احتفال “راميلا”، في مجموعة أفكار ما بعد الحداثة التي تبناها في نظريته للأداء المسرحي، ويكمن سوء النية في أن هذه النظرية، على تلاعبها وتذبذبها، تستند إلى منهجية ورؤية للعالم لا بد من وصفها بأنها مركزية عرقية، وإلى فصل الطقوس الدينية عن بنائها الأكبر، وتحييد معناها. ويرى بهاروشا أن نصوص ششنر وتعليقاته يمكن وصفها بأنها مساحة ضخمة من البناءات المتداخلة من الممرات والفراغات التي لا تترابط مع بعضها عادةً. هذه الفوضى البادية تخفي وراءها روح البحث والاستفسار التي يشهدها المرء عادةً في المجتمعات المتطورة. لكن المشكلة تنبع، في رأي بهاروشا، من كون الانشغال بالنفس يطغى على تمثيل الثقافات “الأخرى”، وتلك هي حال ششنر في كتاباته عن التبادل الثقافي التي لا يكون فيها الآخر آخر، بل إسقاطاً للأنا. لقد افترض أنه يمثل الثقافات الأخرى بوضعها على “خريطته” هو للعروض الحديثة، وبدلاً من مناقشة مدى جودة هذه الخريطة وصلاحيتها للسياقات الفردية للثقافات الأخرى فإنه قد تمسك بإمكان تطبيقها كونياً من خلال علم “السوسيوبايولوجي”، ولغات الكومبيوتر، والمؤسسات المتعددة الجنسية. وفي تحليله لمسرحية “راميلا”، التي قدمها ششنر للجمهور الغربي، يردّ بهاروشا على زعم ششنر أنه اقتبس من النص المقدس للفت الأنظار إلى “معاناة الناس العاديين وحاجتهم للمساعدة” بعدم وجود أدلة قاطعة في عمله تدل على أنه قد واجه المعاناة اليومية في الحياة في الهند، إضافةً إلى أنه قد وضعها متزاحمةً في مذكراته كما يفعل أي سائح عابر. ويضيف بهاروشا أن ما اهتم به ششنر هو خبرته وتجربته هو، تلك التجربة التي حصل عليها من تصوراته العامة، واللقاءات، والخرائط، والجداول، والقياس مع الثقافة الأوروبية- الأميركية. وتستحضر المسرحية في ذهن ششنر الأحداث الكبيرة مثل الألعاب الأولمبية، والمعارض الدولية. كما أن موكب الحجاج الذي يخلد ذكرى راما في رحلته المقدسة، يذكّره بعالم “ديزني لاند” حيث يتحرك الأميركيون من موقع خيالي إلى موقع آخر، في حين أن رامنجار ليست قرية سياحية، بل مدينة مقدسة حباها الله حياةً ذات طابع خاص، وهي تكتسب هالةً من القدسية والوقار يزيد عن تمثيل “الراميلا”. ولذلك فإن الرحلة بين مواقع الأسطورة الأميركية “ديزني لاند” لا يمكن مقارنتها بمجرد السير في الأماكن الهندية المقدسة، حيث دافع المشي ترجع جذوره إلى إيمان ديني، وعقيدة ثابته.ومن المؤاخذات الأساسية التي يقدمها بهاروشا حول استثمار ششنر السيئ للتراث الروحي الهندي محاولته تحييد السياق (أو المعنى كما يحلو له تسميته) لطقس معين بالتركيز على الحركات البدنية التي يتطلبها. وحينما ينتزع طقساً من الطقوس من حالته الأصلية ويضمه إلى واحد من أعماله، فإن الهدف من وراء ذلك هو العثور على معنى مماثل لهذا الطقس للسياق الأميركي، كما في مسرحيته “شجاعة أم”.
هكذا يتضح مما تقدم أن قراءة روستم بهاروشا لتجارب المسرحيين الغربيين الأربعة، التي تطفّلت على التراث الأدبي والروحي الشرقي بمنظور استشراقي كولونيالي يزيّف الجوهر الروحي والفلسفي لذلك التراث الإنساني، قد نهجت نهج إدوارد سعيد، وانتهت إلى توكيد الحقيقة التي رسّخها في كتابه “الاستشراق”، وهي أن المستشرق، شاعراً أو كاتباً، يجعل الشرق يتحدث، ويصف الشرق، ويجعل أسراره ومبهماته واضحة للغرب ومن أجله، وهو غير معني بالشرق قط، إلاّ بوصفه السبب الأول لما يقوله، كونه قائماً خارج الشرق، بكلا الوجهين: كحقيقة وجودية، وكحقيقة اخلاقية. والنتاج الرئيسي لهذه الخارجية هو “التمثيل” وليس الحقيقة.
النهار