دمّل الشهوات
عناية جابر
في إطار حــربي الـدؤوب ضد هذا الحرّ الخانق، اعتدت أن أُطلق شتائم ضد قوى مجهولة، ليس أمام الناس فقط، بل حتى في خلوتي وحدي. الصـيف بالأســاس، بالنــسبة إلي على الأقل، عدو شرس، فكيف بهذه الجهنم الحمراء المفتوحة على صباحاتنا، والمنسحبة على نهاراتنا وليالينا، في الغياب المريب للكهرباء، الغياب المسؤول أولاً وأخيراً عن الكثير من حالات الجنون عند الناس، وأيضاً الوفاة..
أعتقد في الحــقيقة أنني أموت يوماً ما، فـي يـوم قـائظ كهـذه الأيــام تماماً. موتي يكون في الصيف، لا كهرباء ولا تبريد ولا أي شيء، ولا حتى «أسانسير» ينقلونني به من الطبقة السابعة في إحدى البـنايات، إلى الطبقة السابعة تحـت الأرض. لا أكفّ عن الاستحمام، واقفة تحت «الدوش» أغلب الوقت في محاولتي درء نوبة قلبية، أو مـا أحسبـها نوبة قلـبية توشك أن تفتك بي. تميل وقائع يومي إلى أن تخفي عن عيني الحقيقة. الحرّ الشديد يقـتل. لذلك أُنقيّ جلدي بحوض الاستحمام البارد، صبحاً وظهراً ومساء. بسبب الحرّ، يسح من رأسي نهر من العرق غزير، هذا إذا لم يكن عقلي قد سحّ. ليس الحرّ فحسب، ولا التغيّر المناخي في العالم أجمع، بل هو أيضاً، الوضع الأمـني المُنذر، والطائفي المتفاقم، والاجتـماعي المتهافت، والسياسي السخيف، والمعيشي المرعب، والفني المتسـاقط بفعل الكليبات والبــرامج التي يندى لها الجبين من لؤم الرداءة وفظاظة مروجيها. ليس الحر فحسب هو الذي يقتل، بل الرغبات الخفية للساسة القيمين على هذا البلد، وعلى مصائر أبنائه. ليس الحر، بل الخوف الشديد من رغباتهم. غضـب دائم، سري ومُعلن. غضب مخنوق، غضب ينتفخ مثل دمّل يوشك على الانفجار. غضب على الشمس، غضب على شهوات رجال السياسة، وكذلك غضب آخر، أعمق منه، عكر، سامّ يجعلنا نتفجع على الراهن البائس الذي يقتص من أعمارنا، وتضمر هذه يوماً بعد يوم في بلد لم تعلّمه النكبات شيئاً، بل زادت من عدوانية مسؤوليه وحتى بنيه. غضب على هذا البلد المغسول آلاف الغسلات، والمصبّن حتى الكآبة، مع ذلك ملوث ويتصبب عرقاً وحقداً وبهيمية، ومليء كله بالميكروبات على أنواعها كافة.
السفير