اسرائيل

هل يقطع نتنياهو الطريق على القاطرة الأميركية؟

بلال خبيز
ينقل المقربون من بنيامين نتنياهو عنه أنه يريد معالجة الملف النووي الإيراني بأقصى سرعة وبأكبر قدر من الحزم والشدة، فالدبلوماسيون الأوروبيون باتوا مقتنعين أن الهجوم الإسرائيلي على المنشآت النووية الإيرانية يقترب من ساعة الصفر، وما يحاولون فعله هو تأخير هذه الساعة قدر الإمكان.
الإسرائيليون المعارضون لسياسة نتنياهو وتوجهاته، والخائفون أيضاً من احتمالات نجاحه في مسعاه هذا، يأملون أن تنجح إدارة أوباما في إيصال رسالة حازمة للحكومة الإسرائيلية تردع جيشها وحكومتها عن القيام بمغامرة كبرى تقلب اتجاهات الحركة الدبلوماسية في المنطقة رأساً على عقب، لكن نتنياهو لا يرى سبباً للتردد، بل الأرجح أنه يرى أسباباً كثيرة لتوريط الآخرين بمن فيهم أميركا نفسها بإدارتها الجديدة، في حرب ساخنة تسمح لإسرائيل في تجديد احتلال مكانتها في قلب الدبلوماسية الأميركية، ذلك أن حرب نتنياهو على إيران ستفرض على الإدارة الأميركية نفسها أن تقرر إلى أي جانب ستنحاز في هذه الحرب، وغير خافٍ على الإيرانيين وغير الإيرانيين أن ساعة صفر قريبة زمنياً تعيد موضعة الدبلوماسية الأميركية في المنطقة دفاعاً عن إسرائيل ومنعاً لهزيمتها في حرب مماثلة.
والحق أن حكومة نتنياهو التي تبدي الإدراة الأميركية فتوراً واضحاً حيالها هي أكثر الأطرف قدرة على توريط أميركا في نزاع عسكري ساخن تريد إدارة أوباما تحويله نزاعاً دبلوماسياً فاتراً، إذا لم تنجح في فك عقده المستعصية، فحكومة نتنياهو هي حكومة غير مرغوب فيها غربياً على وجه التعميم، وهي الحكومة، بمن فيها وما تمثله من اتجاهات متطرفة بالقياس إلى الإسرائيليين أنفسهم، القادرة على جر المنطقة إلى صراع عنيف ونزاع ساخن يعيد خلط الأوراق وترتيب التحالفات في المنطقة على نحو مغاير تماماً لما استقرت عليه الأحوال عشية تسلم أوباما مهامه كرئيس للولايات المتحدة الاميركية.
طبعاً، قد لا تمر مغامرة إسرائيلية مماثلة من دون ضغط غربي، أوروبي وأميركي، على إسرائيل، لكن نتيجة الضغط تبدو محسومة وواضحة المعالم منذ الآن. تنتهي الحرب بعد أن ينجح نتنياهو في تغيير المعادلات الدبلوماسية وإعادة خلط الأوراق، وتلجأ إسرائيل إلى انتخابات مبكرة تسفر على الأرجح عن فوز تسيبي ليفني وتكليفها تشكيل الحكومة الإسرائيلية المقبلة التي لن تتوانى عن تشكيلها بما يلائم الاتجاهات الأميركية والغربية عموماً في المنطقة.
تسيبي ليفني في إسرائيل مازالت تدعو إلى اعتماد حل الدولتين، في وقت لا يبدو ثمة في إسرائيل اليوم من يرى هذا الرأي، لكن قوة هذا الرأي تتأتى أساساً من تصريحات وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون التي مازالت تدعو هي أيضاً إلى اعتماد حل الدولتين، والأرجح أن ليفني تبذل قصارى جهدها ليطابق خطابها السياسي والانتخابي توجهات الإدارة الأميركية المستجدة أملاً في تحسين صورة إسرائيل في العالم بعدما اهتزت عميقاً بفعل نتائج حرب غزة ووصول نتنياهو إلى سدة السلطة.
الخلاصة، ثمة حرب مرغوب بها من الجميع، ذلك أن ثمة كبشين جاهزين للتضحية بهما بحيث يربح الجميع ولا يخسر أحد: أول الكبشين هو السلوك الإيراني المتشاوف والمتعالي والذي ينطلق من اعتبار أنه حقق النصر المؤزر على أميركا وإسرئيل في وقت واحد، وثاني الكبشين هو نتنياهو وحكومته والذي يبدو كما لو أنه يخالف اتجاهات المجتمع الدولي جملة وتفصيلاً.
وبصرف النظر عن نتيجة الحرب النهائية، فإن نتنياهو سيخرج منها خاسراً، حيث إن نجاحاً إسرائيلياً في تدمير المنشآت النووية الإيرانية وتوجيه صفعة قاسية لإيران لن يحسب نجاحاً لنتنياهو، بل لوزير دفاعه إيهود باراك الذي يغامر بآخر أوراقه على طاولة السياسة الإسرائيلية، فإما يعود شريكاً فاعلاً في حكومة برئاسة ليفني بوصفه المنتصر الوحيد في تلك الحرب، وإما تذهب ريحه سدى ويمضي مع نتنياهو إلى الظل والعتم.
ثمة كبشان معدان للذبح ولا يفصلهما عن مصيرهما هذا إلا رغبة عالمية في مشاهدتهما يتناطحان قبل اقتيادهما إلى المسلخ، لكن الفارق بين الكبشين لافت وبالغ الأهمية، فالكبش الإسرائيلي، ليس أكثر من شخص يقود حزباً، وبالتخلص منه تستعيد إسرائيل بعض سمعتها في الغرب بوصفها واحة الديمقراطية في المنطقة، أما الكبش الإيراني فليس أقل من منظومة متكاملة من القوى المسلحة والأنظمة السياسية، والأرجح أن تعرضها لمثل هذا المصير قد يقلب المعادلات في المنطقة رأساً على عقب.
لطالما فوتت هذه المنطقة فرص الانفتاح الدبلوماسي، عبر إعطاء قيادها لرغبات قطاع الطرق، والأرجح أن نتنياهو الذي لا يملك خيارات كثيرة، يستمرئ هو نفسه أن يكون قاطع طريق.

* كاتب لبناني

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى